أياماً بعد عودته من زيارته الطارئة إلى لبنان إثر انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب، وجد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، نفسه وسط انتقادات واسعة له واتهامات بالهروب من الغضب والمسؤوليات التي تقع على عاتقه في بلاده.
"الثورة لا يتم الدعوة إليها، إنه الشعب الذي يقرر القيام بها"، كانت تلك كلمات ماكرون في مؤتمره الصحافي في بيروت، عندما رد على سؤال أحد الصحافيين حول ما إذا كان يدعو الشعب اللبناني إلى "ثورة" على الطبقة السياسية، لكن تلك الإجابة أغنت أفكار معارضي الرئيس الفرنسي في بلاده، وبات جوابه ملصقاً وحملة ضخمة للدعوة إلى "ثورة في فرنسا" في 12 سبتمبر/ أيلول المقبل.
الدعوة إلى الثورة أطلقتها جماعة السترات الصفراء، تحت عنوان "خذوها من فم الرئيس"، مستخدمين موقفه بلبنان لدعوة الناس إلى التظاهر ضد سياساته، ليُعلن في ما بعد نشطاء وجمعيات من القطاع الصحي ومناهضة العنصرية استعدادهم للانضمام إلى التحرك المرتقب.
تأتي دعوات التظاهر في فرنسا وسط تخوفات من موجة ثانية من جائحة كورونا
ولعل ما زاد من الطين بلّة كان كلام وزير الداخلية الفرنسي جيرالد درمانان، أمس الأحد، الذي قال في تصريحات صحافية خلال إحدى جولاته إن "الشرطة والدرك وقوى الأمن هي التي تضع القانون في بلادنا"، لتتخذه الجماعات المعارضة نقاشاً محموماً في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، محذرين مما وصفوه بـ"ديكتاتورية" ماكرون وفريقه الحكومي، معتبرين أن كلام درمانان تهديد صريح للحرية في فرنسا وإهانة للقانون والتشريعات التي تصدر عن البرلمان.
وتأتي دعوات التظاهر في فرنسا وسط تخوفات من موجة ثانية من جائحة كورونا قد تضرب البلاد. وللمفارقة فقد أعلنت السلطات الفرنسية، بالتوازي، مدينتي باريس ومرسيليا، مركزي احتجاجات السترات الصفراء، مناطق حمراء تشهد نشاطاً ملحوظاً لانتشار فيروس كورونا، الأمر الذي اعتبره مؤيدو الحركة الاحتجاجية محاولة لتخويف الناس من المشاركة في الاحتجاجات.
وأمس الأحد، أعلنت السلطات الصحية في فرنسا تسجيل 3 آلاف و15 إصابة جديدة بكورونا، ليتجاوز عدد الحالات 3 آلاف حالة يومياً لليوم الثاني على التوالي، إذ بدأ تسجيل الارتفاع الكبير في الإصابات منذ يوم السبت الماضي مع تسجيل 3 آلاف و300 إصابة، وهي ذروة جديدة تسجلها فرنسا للمرة الأولى منذ رفع الحجر الصحي في مايو/ أيار الماضي.
وأثرت إجراءات العزل الصحي بشكل واسع على التحركات الاحتجاجية في فرنسا، مع حظر التجمعات التي تزيد عن 10 أشخاص للحد من انتشار فيروس كورونا، وسيكون حجم التعبئة بتاريخ 12 من سبتمبر/ أيلول المقبل مناسبة لمعرفة ما إذا كان من المتوقع أن تستمر سلسلة جديدة من احتجاجات "السترات الصفراء"، خصوصاً وأن الملصقات التي تدعوا للتظاهر كتب عليها "إن لم يكن 12 سبتمبر كافياً.. لن نترك الساحات".
والسبت الماضي، شهدت العاصمة باريس تجمعاً لمئات من حركة "السترات الصفراء"، حيث انطلق الموكب من أمام وزارة الاقتصاد والمالية، في إطار محاولات مستمرة لإعادة الزخم إلى الحركة التي بلغت ذروتها في شتاء 2018-2019.
وتبدو قائمة الشعارات والمطالب التي أعلنت حركة "السترات الصفراء" أنها تنوي طرحها يوم 12 سبتمبر هي نفس كانت تطالب به في الشتاء الماضي، وتتضمن "إلغاء ضريبة المساهمة الاجتماعية المعممة، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وزيادة المعاشات التقاعدية وبدل المساعدة الاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة البالغين، وتخفيض ضريبة القيمة المضافة على الضروريات الأساسية".
وفي فرنسا، المساهمة الاجتماعية المعممة هي ضريبة نسبية جزئية تم إنشاؤها في 18 ديسمبر/ كانون الأول 1990، وتساهم في تمويل الضمان الاجتماعي، ومنذ عام 2018 في التأمين ضد البطالة، بدلاً من الاشتراكات المفروضة على الأجور.
ولا يبدو أن الجدل حول التظاهرات ومواقف ماكرون من الحكومات حول العالم قد توقف في فرنسا، فبعد انتقادات كثيرة طاولت ماكرون من قبل جماعة "السترات الصفراء" ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، إثر دعوته أمس الأحد، على "تويتر"، دعم المحتجين في بيلاروسيا، انتقدت وزارة الخارجية الروسية تصريحات الرئيس الفرنسي، وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زخاروفا، إن على ماكرون أن يدعو "الاتحاد الأوروبي إلى دعم احتجاجات السترات الصفراء السلمية في بلاده" بدلاً من "المنافقة"، على حد تعبيرها.
L'Union européenne doit continuer de se mobiliser aux côtés des centaines de milliers de Biélorusses qui manifestent pacifiquement pour le respect de leurs droits, de leur liberté et de leur souveraineté.
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) August 16, 2020