مواطنون عالقون في جنوب طرابلس

مواطنون عالقون في جنوب طرابلس

21 يونيو 2019
يتحسّرون على منازل تُدمّر (محمود تركيا/ فرانس برس)
+ الخط -
شهدت مناطق النزاع في جنوب طرابلس حركة نزوح جديدة، بعد إعلان غرفة عملية بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، مؤخراً، المنطقة الواقعة جنوب غرب طرابلس "منطقة عسكرية يحظر على الجميع التواجد فيها"، في إشارة إلى استعدادات لعمليات عسكرية جديدة في هذه المنطقة.

وتشير تقارير أممية إلى أن العالقين داخل مناطق الاشتباكات يصل عددهم إلى 100 ألف شخص، ولا يرغب غالبيتهم في مغادرة منازلهم. كما لم تستطع فرق الإنقاذ الوصول إليهم.
وتعيش مناطق جنوب طرابلس، بدءاً من السواني ومروراً بالساعدية والعزيزية وقصر بن غشير وحتى وداي الربيع، وهي مناطق تتخللها عشرات الأحياء، حالة حرب مستمرة منذ نحو شهرين، بعد إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر هجومه على العاصمة طرابلس، في الرابع من إبريل/نيسان الماضي. وتؤكد إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 85 ألف شخص نزحوا من مناطق الاشتباك من جراء أعمال العنف المتواصلة.

ويقول المسؤول في مركز الطب الميداني والدعم التابع لحكومة الوفاق، سالم الأربش، إنه "قبل إعلان المنطقة منطقة عسكرية، يتوجب الإعلان عن هدنة إنسانية لنقل العالقين داخل هذه المناطق، وهو ما لم يحدث"، مشيراً إلى أن ما لا يزيد عن الست عائلات تمكنت من الخروج منذ الإعلان عن تحديد المنطقة المشار إليها منطقة عسكرية. ويوضح الأربش لـ "العربي الجديد" أن "النداءات والجهود المبذولة لإنقاذ المدنيين تقف أمامها عقبات عدة، من بينها عدم رغبة البعض في ترك منزله".

وتُظهر عشرات الصور المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي تعرّض منازل المدنيين في مناطق الاشتباكات للتخريب والسرقة. كذلك، بيّنت فيديوهات نُشرت على صفحات موالية لحكومة الوفاق مسلحي حفتر وفي حوزتهم حليّ ومجوهرات استولوا عليها أثناء مداهمتهم منازل المدنيين النازحين. ويشرح الأربش أن "عشرات العائلات تخرج الأطفال والنساء ويتفقون على الإبقاء على بعض أبنائهم لحماية منازلهم من السرقة والنهب. وعادة ما يتفق شباب حي معين على التواصل في ما بينهم لحماية منازلهم"، مشيراً إلى أن بعضهم وقع في الأسر، واستخدم كأسرى.



ويؤكّد أنّ منظمات دوليّة وثقت عدداً من الانتهاكات بحق منازل المدنيّين، سواء العبث أو التدمير المباشر، بواسطة الأسلحة الثقيلة. وعادة ما يتخذ المسلحون من الطرفين أسطح المنازل، لا سيما المرتفعة منها، للقناصة، أو يتمترسون داخل الأحياء المكتظة للاحتماء من القصف الجوي.

ويؤكّد القيادي في قوات حكومة الوفاق، أحمد بوشحمة، استعداد قوّاته للإعلان عن هدنة إنسانية
لإخراج العالقين. ويسأل: "من يضمن لنا قبول الطرف الآخر الذي ينتظر أية ثغرة أو وقفاً لإطلاق النار لاستغلالها للتقدم والهجوم؟". ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أن "قوات حفتر أرجعت عشرات العائلات داخل منطقة الساعدية، ومنعتها من الخروج واتخذتها دروعاً بشرية"، قائلاً إن "ظروفاً عدة تمنعنا من التقدم، كون قوات حفتر متمترسة داخل أحياء مدنية ولا يمكننا المجازفة بالتقدم حفاظاً على أرواح السكان".

لكنّ الأربش يتحدّث عن ظروف صعبة تعمل فيها فرق الإنقاذ. يقول: "الكهرباء مقطوعة وكذلك الاتصالات. وهذه صعوبات تحدّ من إمكانية التواصل مع الراغبين حالياً في الخروج من مساكنهم في المنطقة المحظورة عسكرياً الآن". ويشير إلى أن "التواصل يتم بوسائل بدائية كالنداء بمكبرات الصوت، ومحاولة إيصال معلومات للعالقين في الممرات الآمنة التي يمكن سلوكها والنجاة من خلالها"، واصفاً الأمر بـ "الصعب جداً".

وتتوزع مهام الإنقاذ بين فرق عدة تابعة للحكومة، من بينها جهاز الإسعاف والطوارئ والهلال الأحمر الليبي ومركز الطب الميداني. لكن على الجانب الآخر، لا تعلن قوات حفتر التي تسيطر على مدن مجاورة مثل غريان وترهونة عن أية عمليات نزوح أو إنقاذ، ولا عن أوضاع العالقين داخل الأحياء التي تشهد مواجهات مسلحة، لا سيما حي قصر بن غشير جنوب شرق العاصمة. وتقول الحكومة في طرابلس إنها انتهت من بناء قاعدة بيانات متكاملة للنازحين، من دون أن تعلن عن عددهم النهائي. كما يتهم عدد من البلديات في طرابلس وخارجها الحكومة بالتقصير في مد يد العون للنازحين وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة.

وفي مدن زليتن ومصراته ومسلاته شرق العاصمة، تؤكد السلطات المحلية أن الاهتمام بالنازحين يتم من خلال العمل الخيري الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني من دون أن تقدم الحكومة أية مساعدة حتى الآن. ويتحدث ناصر الكريوي، عضو لجنة الأزمة في بلدية طرابلس المركز، عن المعاناة المستمرة من جراء النزوح في البلاد، قائلاً لـ "العربي الجديد" إن "البلاد شهدت، خلال السنوات الثماني الأخيرة، حروباً متفاوتة لم يسلم منها المدنيون". ويشير إلى أن فاتورة الحرب الجارية في ضواحي طرابلس الجنوبية باهظة بشكل كبير.



يتابع الكريوي: "على الرغم من كل الجهود التي تبذل من قبل المؤسسات لتقديم المعونة، لكن الأمر يزداد تعقيداً بالنسبة للناجين أسوة بالعالقين". ويقول: "التحديات التي تواجه الجهود الرسمية والأهلية كثيرة، وإن كانت اليوم تتمثل في توفير الملاذ الآمن للنازحين في وقت الحرب. إلا أن التحدي الأكبر هو إيجاد حلول بعد تدمير المنازل"، مرجحاً أن "هذا ما يفكر فيه من يصر على البقاء في منزله، محاولاً حمايته من الدمار، إذ أنه يعرف أن الحرب ستتوقف اليوم أو غداً. لكن من يُرجع البيت؟".

ويؤكد أن "هذه المعضلة لا حل لها، ومصير الأبرياء سيبقى مرهوناً بعودة الحياة الآمنة والدولة، ليبقى مصير النازحين معقداً، على الرغم من الجهود التي تبذل من أجل توفير احتياجاتهم".