مواطنون بريطانيون: الخروج من الاتحاد الأوروبي لهذه الأسباب

22 يونيو 2016
هل يكون مستقبلها رهن تصويت الغد؟ (Getty)
+ الخط -

غداً، 23 يونيو/ حزيران 2016، موعد الاستفتاء الشعبي المنتظر حول مصير عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. في الأيام الأخيرة الماضية، طال النقاش حول الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية كافة، بيد أنّ مسألة الهجرة احتلت الصدارة. فتبدو الشاغل الأكبر للناخبين، تليها مسألة سيادة بريطانيا على أراضيها و«اللاديمقراطية» التي تفرضها طبيعة الاتحاد، بحسب مؤيّدي الخروج منه.

التقت «العربي الجديد» مواطنين من أصول إنجليزية وغير إنجليزية للاطلاع عن كثب على آراء الشعب البريطاني بكلّ طبقاته، بدءاً من العمّال وسائقي التاكسي والمدرّسين وصولاً إلى رجال الأعمال وأصحاب المراكز القيادية. وكانت لكلّ منهم طريقته في التعبير عن مخاوفه من نتائج الاستفتاء وانعكاسها على الأوضاع في البلاد، إن جرت عكس ما يقتضيه الحلّ الأفضل للبلاد.

«بالطبع، سوف أصوّت لخروج بريطانيا من الاتحاد!»، تقول رومينا ساباريزي (42 عاماً)، وهي مترجمة إيطالية بريطانية، قبل أن تضيف بحماسة واضحة أنّ «عضوية بريطانيا في الاتحاد تكلّف مبالغ طائلة، ومن الممكن استخدام تلك الأموال في بناء مستشفيات ودعم قطاع خدمات الصحة العامة. وثمّة قرارات تعجز بريطانيا عن اتخاذها وحدها من دون موافقة الاتحاد الأوروبي، منها معاملات توظيف الأطباء والممرضين. لو غابت هذه القوانين، لتمكّنت بريطانيا من توظيف مزيد من الأطباء بشكل أسهل وأسرع». وتتابع: «من الخطأ القول إنّ الوافدين إلى البلاد هم في سنّ الشباب ولا يشكّلون عبئاً على المراكز الصحيّة. فمن بين هؤلاء عدد كبير من العائلات التي تشمل الأطفال، والطفل يحتاج أكثر من غيره إلى العناية الصحيّة». بالنسبة إليها، «هؤلاء بأكثرهم يأتون إلى بريطانيا للاستفادة من الإعانات المالية الحكومية، والبعض يرسل تلك الإعانات إلى بلاده».

وعن مصير العائلات الأوروبية التي سبق واستقرّت في بريطانيا، في حال الخروج من الاتحاد الأوروبي، ترى ساباريزي أنّها «لن تتأثّر. من دخل البلاد قد دخل، ولن تشمله القوانين الجديدة. لكن الخوف من تركيا وألبانيا ومقدونيا وصربيا التي تحاول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي». وإذ تقول إنّها تجهل إلى ما ستؤول إليه الأمور في حال الخروج من الاتحاد، تؤكّد على أنّ «وجود بريطانيا في الاتحاد لم يصبّ في مصلحتها. وخير مثال على ذلك الأزمة الاقتصادية التي عانت منها البلاد. وشركات كبرى عديدة تطالب أيضاً بالخروج، وليس فقط أفرادا من عامة الشعب».




«الهجرة تقلقنا»

من جهته، يعبّر موريس ماكون (53 عاماً)، وهو مدير مبيعات أيرلندي، عن رأيه ويستفيض بينما يفسّر أهميّة خروج بريطانيا من الاتحاد. يقول إنّ «مؤيّدي البقاء يظنّون أنّنا سوف نواجه أزمة اقتصادية ثانية إن غادرنا الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي. لكن في حال كان الخروج صعباً الآن، إنّه سوف يكون أصعب في المستقبل. إن صوّتنا على البقاء، سوف تتعزز الفدرالية، وتستحيل بالتالي العودة إلى الوراء. هذه فرصة تأتي مرّة واحدة في الحياة». يضيف أنّ «بريطانيا انضمّت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1973 من دون تصويت، لأنّ رئيس الوزراء آنذاك آمن بأوروبا. لكن بعد مضيّ عامَين، احتجّ الناس، فكان استفتاء. كنتُ صغيراً في ذلك الحين، لكنّني أذكر أنّ أهلي صوّتوا على البقاء في الاتحاد. أيضاً، ما زلت أذكر أنّ الناس كانوا يقولون إنّها مجرّد منطقة تجارة حرّة، ومن المنطقيّ أن يصوّتوا للبقاء. لو كان الأمر كذلك اليوم، لصوّتت مثلهم. لكنّ تغييرات كثيرة طرأت على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وأهلي الذين صوّتوا على البقاء في عام 1975 سوف يصوّتون على الخروج في استفتاء عام 2016».

ويشير ماكون إلى أنّ الاتحاد الأوروبي الذي نعرفه اليوم، «كان بداية السوق الأوروبية المشتركة. وتبدّل الاسم وحده كافٍ ليظهر أهدافه التي باتت سياسية أكثر ممّا هي اقتصادية. إنّه فدرالية، إنّه اتحاد سياسي». ويؤكّد أنّه يصوّت على الخروج من الاتحاد لثلاثة أسباب رئيسية، هي «أولاً السيادة التي سُلبت من بريطانيا. فحقّ البرلمان باتخاذ قرارات هذه البلاد تقلّص كثيراً، وباتت نحو 50 في المائة من القوانين تتأثّر بأوروبا. ثانياً اللاديمقراطية. مفوضية الاتحاد الأوروبي تفرض قوانينها علينا ممثّلة بـ28 شخصاً وهؤلاء غير منتخبين من قبل شعوبهم. كذلك فإنّ العدل هو أهم المبادئ البريطانية، بالتالي أرفض البقاء في الاتحاد الأوروبي غير الديمقراطي. أمّا ثالثاً فالهجرة. كان يحظّر علينا الحديث عنها في السابق حتى لا نوصف بالعنصريين وبذوي التفكير الضيّق. لذلك تجنّب الناس الحديث عنها على مدى سنوات في الماضي. لست عنصرياً ولا ضيّق التفكير، وأصدقائي ليسوا كذلك. لكنّ الهجرة تقلقنا، مذ فتح (رئيس الوزراء السابق) طوني بلير الباب واسعاً أمام المهاجرين من أوروبا الشرقية». ويوضح ماكون أنّه لم يقابل أيّ شخص يرفض الهجرة كلياً، «إذ ثمّة مهاجرون يعملون في خدمات الصحة العامة والتعليم وغيرها. بالتالي، تبقى الهجرة نوعَين الجيّدة والسيئة. لكنّهم عاجزون عن التحكّم بها، لذلك وحتى تكون عادلة، عليهم أن يستقبلوا أصحاب الكفاءات من كلّ دول العالم. ومثال على ذلك السماح لطبيب عربي بالدخول عوضاً عن استقبال أوروبي عاطل من العمل».

بدورها، تؤيّد ويندي وورد (45 عاماً)، وهي مديرة رعاية صحية بريطانية، خروج بريطانيا من الاتحاد. تقول إنّ «الهجرة المنفلتة هي السبب الأساسي في قراري. حين يحتاجون إلى أصحاب الكفاءات، سوف يجلبونهم من بلادهم. لكنّ الهجرة من دول الاتحاد الأوروبي غير محدودة، ونسبة لا يستهان بها لا تملك أي كفاءات». تضيف أنّها لا تلقي اللوم على هؤلاء، «فهم يأتون سعياً وراء الإعانات الحكومية وحياة أفضل لعائلاتهم، ولو كنت مكانهم لفعلت مثلهم. لكنّ ذلك من شأنه أن يؤدّي إلى انهيار اقتصاد البلد». وتتابع: «ثمّة حاجة إلى أطباء وممرضات ومهندسين ومثقفين من المهاجرين الذين يدعمون البلد، ولا يهمّ الجهة التي يأتون منها، إن كانت آسيا أو أفريقيا أو منطقة الشرق الأوسط أو أستراليا. لكنّ هؤلاء يعانون للحصول على تأشيرة دخول إلى بريطانيا، وينبغي التعامل معهم بعدل ومساواتهم بالمهاجرين الأوروبيين. لا يمكن القيام بذلك من دون الخروج من الاتحاد الأوروبي». وعن العائلات الأوروبية المقيمة في البلاد، تقول وورد إنّ «أيّ شخص مقيم في البلد بطريقة شرعية لا يمكن طرده».

إلى ذلك، ورداً على الحملة المطالبة بالبقاء في الاتحاد بحجّة أنّ خدمات الصحة العامة سوف تعاني إن خرج نحو 50 ألف طبيب وممرّض أوروبي، تؤكّد وورد على أنّهم «لن يخرجوا من البلاد. كذلك لن يتأثّر المواطن الإنجليزي الذي يعمل في فرنسا مثلاً، حتى لو خرجت بريطانيا من الاتحاد. أمّا المواطنون البريطانيون، فيعانون حالياً لتسجيل أبنائهم في المدارس التي باتت مزدحمة بالمهاجرين، وأسعار المنازل آخذة في الارتفاع لكثرة الطلب عليها، فضلاً عن الضغط على المستشفيات ومراكز خدمات الصحة العامة. لذلك، سوف يصوّت أكثر الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة على الخروج من الاتحاد، فيما تصوّت النخب على البقاء. فأبناء (رئيس الوزراء) ديفيد كاميرون لن يقفوا في طوابير الانتظار في مراكز الصحة العامة، وسوف يجدون مقاعد لهم في المدارس الخاصة، ولن يسلبهم المهاجرون وظائفهم. يأتي ذلك في حين يستفيد أثرياء كثيرون من العمالة الرخيصة في البلاد، مع العلم أنّ عدداً لا يستهان به من أصحاب النفوذ والثراء سيصوّت للخروج».

وتقرّ وورد بأنّها «المرّة الأولى في حياتي التي أشكّك فيها بنزاهة الانتخابات، خصوصاً بعد توقّف موقع التسجيل للتصويت على الاستفتاء في الساعات الأخيرة، قبل أن يمدّد بعدها كاميرون المهلة يومَين إضافيَّين». وتشير إلى أنّ «محاولة الحكومة تقديم مزيد من الإغراءات قبيل موعد الاستفتاء كما فعلت في الاستفتاء الاسكتلندي، بقيت حتى اللحظة الأخيرة. أيضاً، قد تعيد التصويت إن تعارضت نتائج الغذ مع تطلعاتها».




«الصحافة تؤثّر في الرأي العام»

في المقابل، يصرّح دوغلاس رودجرز (53 عاماً)، وهو رجل أعمال بريطاني، بأنّه سيصوّت لبقاء بريطانيا. يقول إنّ «الاتحاد الأوروبي بعيد جداً عن الكمال، لكنّ فوائده كبيرة، وأهمّها التجارة الحرّة. وذلك، من دون أن ننكر حاجة الاتحاد إلى كلّ الإصلاحات التي تنادي بها الحملة المطالبة بالخروج من الاتحاد، ومنها ما يتعلّق بالهجرة والأمن». ويسأل إن كان الاتحاد الأوروبي مدمّراً للغاية لدرجة مغادرته، قبل أن يجيب: «لا أعتقد ذلك». ويشير إلى أنّه يعتمد في رأيه على خبراء، منهم مارك كارني، وهو خبير اقتصادي أيرلندي، وكذلك رئيس الوزراء. يضيف رودجرز: «أنظر إلى أوروبا بإيجابية، وأؤمن بأنّ بريطانيا سوف تبقى في الاتحاد»، لافتاً إلى أنّه «في حال التصويت على بقاء بريطانيا، لا بدّ من التحقيق في كيفيّة إجراء الانتخابات في البلاد. وإن أخطأت استطلاعات الرأي في توفير المعلومات الصحيحة، فهذا يعني أنّها فاسدة أو عاجزة. وهذا أمر مرفوض في كلتا الحالتين، خصوصاً بعد الذي جرى في انتخابات اسكتلندا الأخيرة». ويتابع: «أمّا في حال خرجنا من الاتحاد وكانت نتائج استطلاعات الرأي صحيحة، فلا مشكلة. لكنّ قبول ذلك على المستوى الوطني سوف يطيح بجزء كبير من حكومة المحافظين الفعّالة والمستقرة».

أمّا ناديا يوسف (58 عاماً)، وهي مدرّسة لبنانية بريطانية، فستصوّت أيضاً على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأنّ ذلك برأيها «سوف يوفّر فرص عمل أكبر للمواطنين. والبقاء يفيد أصحاب الشركات الكبرى أكثر ممّا يصب في مصلحة غالبية الشعب والعمّال والموظفين العاديين». لكنّها ترى أنّ «الدولة هي التي تقرّر في نهاية الأمر. وبما أنّ الحكومة تريد البقاء، فهذا يعني أنّها لن تخرج من الاتحاد». تضيف أنّ «العرب يعتقدون بأنّ الانتخابات ديمقراطية في هذه البلاد، لكنّها مجرّد شعارات. والدليل على ذلك أنّ الشعب البريطاني بأكثره نزل إلى الشارع في السابق ليعارض تدخّل بريطانيا في حرب العراق، بيد أنّ الحكومة تجاهلته ومضت في خططها». وتشير إلى أنّ «الصحافة تؤثّر في الرأي العام وتهوّل من مغبّات الخروج، إذ إنّها موجّهة من قبل الحكومة وتعمل وفق سياستها».

تجدر الإشارة إلى أنّ كثيرين من سائقي سيارات الأجرة في البلاد سوف يصوّتون لصالح الخروج من الاتحاد، إذ إنّهم ممتعضون من انتشار خدمة تاكسي «أوبير» الرخيصة واستخدامها سائقين مهاجرين، فالأمر قضى على نسبة كبيرة من رزقهم تصل إلى 70 في المائة.