مواجهة بإخراج إيراني

مواجهة بإخراج إيراني

03 يناير 2020
+ الخط -
لم يكن حصار السفارة الأميركية في بغداد مشهداً معتاداً من مشاهد الأفلام الأميركية الكثيرة التي تناولت اقتحام سفارات أميركية في العالم، والتي تنتهي غالباً مع استدعاء المارينز للإنقاذ والقضاء على الأعداء. كانت النهاية، هذه المرّة، مختلفة، لأن المُخرِج كان إيرانياً.
منذ القصف على قاعدة (كي وان) في كركوك، والذي أدّى إلى مقتل متقاعد أميركي، وحتى لحظة فتح الأبواب المغلقة والمحصنة في المنطقة الخضراء أمام أنصار الحشد الشعبي للوصول إلى حرم السفارة وحصارها تحت أنظار قادة الحشد الشعبي الذين كانوا يقفون على أبواب السفارة، بدا أن السيناريو مرسوم بدقة.
يمكن للمسؤولين الإيرانيين، كما عادتهم، التبرّؤ من أي مسؤوليةٍ عما جرى. ويستطيع قادة "الحشد الشعبي" الذين يأتمرون من طهران الحديث عن تحرّك عفويّ لأنصار غاضبين من الضربة الأميركية على مقرٍّ لكتائب حزب الله العراقية على الحدود السورية العراقية، والتي تسببت في سقوط قتلى، لكنهم جميعا يعلمون أن ذلك غير دقيق.
تشكل محاصرة السفارة على هذا النحو فصلاً من جولات المواجهة الأميركية الإيرانية، والتي كانت، حتى الأمس القريب، طابعاً غير مباشر، إذ يحرص الطرفان، طهران وواشنطن، على استخدام العراق ساحة للاشتباك، والعراقيين أدوات لإيصال الرسائل.
لا يريد ولا يتوقع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كما قال أخيراً، المواجهة مع إيران. ولترامب، كما جميع الرؤساء الذين سبقوه، حساباته الخاصة مع بدء العد العكسي للانتخابات الرئاسية. أما إيران، والتي تعاني من آثار العقوبات وتدهور الاقتصاد والاحتجاجات الشعبية التي تسبّب قمعها في مئات القتلى، غير معنيةٍ بحربٍ مباشرة، وتدرك جيداً كيف يفكّر ترامب، وتراهن على اللحظة التي يتراجع فيها مهما بلغت حدّة التصعيد.
هذه المعطيات، وإن كانت حتى اللحظة قادرةً على جعل حدود الاشتباك مضبوطة، فمن غير الواضح ما إذا كانت ستبقى كذلك طويلاً، خصوصاً بعد أن أوصلت طهران رسالتها إلى واشنطن، ومفادها بأن الضربة لن يكون الردّ عليها بضربةٍ توازيها في القوة بل مضاعفة.
التقرير الذي نشرته وكالة رويترز في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2019 بعنوان "أوان إشهار السيوف.. أسرار مؤامرة إيرانية لمهاجمة السعودية"، والذي تضمّن تسريباً، على الأرجح متعمّداً، لكيفية إعداد إيران من أجل "معاقبة الولايات المتحدة" على انسحابها من الاتفاق النووي، أظهر وجود خطوط حمراء، تريد إيران الحفاظ عليها في معركتها مع الولايات المتحدة. بحسب ما نقلت "رويترز" حرفياً يومها، تم التشديد من المسؤولين الإيرانيين على وضع "خطةٍ لا تصل إلى حد المواجهة الصريحة التي يمكن أن تسفر عن رد أميركي مدمّر"، مع حرصٍ على إشارة المسؤولين الذين سرّبوا ما جرى من نقاشاتٍ بين القادة إلى أن "الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي وافق على العملية بشروط مشدّدة، أن تتجنّب القوات الإيرانية إصابة أي مدنيين أو أميركيين". وفي النهاية، اتخذ القرار باستهداف منشأة أرامكو النفطية في السعودية (حليفة الولايات المتحدة) مع الإيعاز للحوثيين (ذراع إيران في اليمن) بتبنّي الهجوم.
هذه الخطوط الحمراء للمواجهة الأميركية الإيرانية لم تصل إلى مرحلة الانهيار بعد. ولكن مِنْ الواضح أنه سيُعاد رسمها. أما تكلفة ذلك، وفي أي بلد، فليس ذلك واضحاً، لا سيما أن العراق أو اليمن ليسا سوى خيارين من بين قائمةٍ طويلةٍ من البلدان التي ينتشر فيها وكلاء إيران، والذين هم على أهبة الاستعداد لتنفيذ أوامرها. كما أن خيارات واشنطن لإيلام طهران لا يمكن الاستهانة بها، وحتى مؤشّرات الاستسلام الأميركي للهيمنة الإيرانية على العراق قد تبدو مخادعة.
جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات