مهرجان شفشاون: إلهام التراث الأندلسي

مهرجان شفشاون: إلهام التراث الأندلسي

07 اغسطس 2015
المدينة في لقطة من الجوّ (Getty)
+ الخط -
في كلّ عام تستقبل مدينة شفشاون المغربية "ملتقى الموسيقى الأندلسية" بعنوان "أندلسيات شفشاون". مهرجان ضخم يجعل من المدينة الهادئة مدينة تضجّ بالسيّاح المغاربة والعرب والأجانب، طوال ثلاثة أيام ولياليها. تشارك في هذه "الضجّة" جوقات موسيقية متخصّصة بالموسيقى الأندلسية، من مختلف المدن المغربية الحاضنة للتراث الأندلسي. منها طنجة وتطوان وفاس والرباط وسلا.
بحسب مندوب وزارة الثقافة في شفشاون، عبد الرفيع بهجة، فإنّ المنظّمين يحرصون على "دعم الفرق الموسيقية التي تهتمّ بالمحافظة على التراث الأندلسي، ونحرص على أن يكون ذلك انطلاقاً من مدينة شفشاون لأنّها احتضنت أعداداً كبيرة من الموريسكيين النازحين من الأندلس بعد سقوط آخر مدائنها، مدينة غرناطة"، وذلك في حديث لـ"العربي الجديد" على هامش الملتقى - المهرجان.

المدينة الزرقاء

يُنظّم الملتقى كلّ عام في المدينة الزرقاء، بحسب التسمية الثانية لمدينة شفشاون، برعاية من وزارة الثقافة المغربية، وفي شراكة مع "الجماعة الحضرية" للمدينة وعمالتها. هذه التنظيم يأتي "احتفاءً بتقاطع الرافد الأندلسي للهوية المغربية مع بقية روافدها، كالحسانية والأمازيغية والأفريقية، وغير ذلك. وهي روافد تتمازج وتشكّل الحضارة المغربية في جميع تجليّاتها، سواء في ما يتعلّق بالموسيقى أو باللباس أو بالعادات الأخرى"، يقول بهجة.
ويفخر منظّمو المهرجان، بحسب بهجة نفسه، بأنّ مدينة شفشاون هي الوحيدة التي تنظم هذا الملتقى، خصوصاً أنّ المدينة لا تزال تحتضن أحفاداً للموريسكيين، وأنّ المهرجان يشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً وملفتاً للنظر. وهو ما يقول عنه المتحدث نفسه بأنّ "السكّان ينتظرون سنوياً بفارغ الصبر موعد المهرجان حتّى يلتقي عشاق الفن الأندلسي بزوّار من داخل المغرب وخارجه، يجعلون من محطة شفشاون رئيسية في برنامجهم. فالمهرجان ليس حكراً على سكان المدينة، بل إنّه مهمّ بالنسبة إلى هؤلاء السكان الذين يجيدون الاحتفال بالموروث الثقافي الموسيقي الأندلسي، وبالجوقات التي تُعنى بهذا الفنّ".

نهضة المدينة

هذه الصورة التي يرسمها مندوب وزارة الثقافة في شفشاون عن "ملتقى الأندلسيات" تنعكس إيجاباً على المدينة المتوسّدة سفوح جبال شمال المغرب. تتحوّل المدينة الصغيرة إلى مكان مكتظّ بالسياح، وتكتمل حجوزات فنادقها بالكامل، وتنتعش مهن المطاعم والسياحة الجبلية والصناعات التقليدية والحرفية. فكلّ من يزور المدينة يحرص على زيارة المناطق القريبة منها، خصوصاً الوديان في منطقة أقشور، ولا بدّ من شراء المشغولات كـ"شاشية جبالة"، وهي قبعة من القشّ مزيّنة بتطريزات وقطع من الخيوط المزركشة بالألوان. وبالطبع يحرص الزوّار على أن يشتروا أو يلتقطوا صوراً بالزيّ التقليدي للمنطقة، وهو "الحايك"، ذي اللونين الأحمر والأبيض للنساء، و"القشابة/ الجلابة" السوداء أو البنية للرجال، تلك المحاكة يدوياً. وبالتأكيد لا يمكن أن يغادر الزائر المدينة دون أن يشتري قطعة تذكارية من الطين، لباب صغير مصبوغ بالأزرق السماوي يعلوه مصباح تقليدي وأصيص زرع، هو نسخة مصغّرة ورمزية عن باب المدينة، باب شفشاون الكبير، الذي يصادف الداخل والخارج من المدينة.

مركز لحفظ التراث 

ومع الإقبال الكبير على شفشاون، وتحديداً خلال فترة تنظيم ملتقى الأندلسيات، ومع استحضار الأصول الأندلسية للمدينة، التي تمنحها، إلى جانب جمالها الطبيعي، مكانة خاصّة ومميزة داخل الخارطة السياحية المغربية، يطرح السؤال عن المجهودات التي يبذلها المسؤولون لتعزيز هذه الواجهة الثقافية والسياحية والحفاظ عليها.
يجيب مندوب وزارة الثقافة بالمدينة أنّ هذه الأخيرة تحتضن مركزاً للدراسات والبحوث الأندلسية، أسّسته وزارة الثقافة المغربية ويرعى التراث الأندلسي. ومهمّة هذا المركز تنفتح على تأريخ وحفظ العادات وإعادة الحياة إلى اللباس التقليدي وإحياء الموسيقى الأصلية وتكريمها: "يهتمّ المركز بشكل دائم بتاريخ الهجرات الأندلسية إلى المغرب، ويعنى بدراسة كل تجليات هذه الحضارة، ويحافظ على مظاهرها المجتمعية والموسيقية من النسيان والاندثار".
من جهة أخرى يدعم المركز ووزارة الثقافة عبره المعاهد والأندية الموسيقية كافة، تلك التي تشجّع على تعلم الموسيقى الأندلسية. كما يدعم الجوقات الموسيقية التي تحفظ هذه الذاكرة والهوية الموسيقيتين، إن كان في شفشاون أو في غيرها من المدن المغربية.

30 عاماً 

ملتقى أندلسيات شفشاون بلغ دورته الثلاثين واختتمها منذ أيام قليلة. شاركت في إحياء فعالياتها مجموعة من الجوقات والفرق المغربية من تطوان والرباط ومكناس وفاس وسلا وطنجة وشفشاون. اللافت هذا العام كان تكريم المهرجان شيخَ الطرب الأندلسي، الراحل في يناير/ كانون الثاني الماضي، محمد بوزوبع وذلك "عرفاناً بمكانته الرائدة في حفظ الذاكرة الموسيقية الأصيلة"، بحسب إدارة المهرجان.
كما احتفت هذه الدورة بالفنان المغربي المتخصّص في هذا النوع من الموسيقى، وهو عبد الرحيم الصويري، وذلك "تقديراً لعطاءاته المتميزة، ومساهمته في خدمة الموسيقى والطرب الأندلسيين"، بحسب المنظّمين.
وقد شهدت هذه الدورة تنظيم عدد كبير من الأنشطة الموازية غير الموسيقية، منها إدارة ندوة فكرية ناقشت مواضيع "التراث الموسيقي الأندلسي في شمال المغرب"، وقد شاركت فيها مجموعة من الأساتذة والباحثين المتخصصين. كما شهد المهرجان ندوات "استعراضاً للمهارات النطقية والصوتية ولملكات الحفظ والعزف بمشاركة طلبة المعاهد الموسيقية في شمال المملكة، وتنافست خلال هذا الملتقى طاقات شابة أبرزت مواهبها الإبداعية في إطار مسابقة جهوية في العزف وإنشاد الطرب الأندلسي".

اقرأ أيضاً: السفارديم والموريسكيون: عن الاغتراب الأندلسي وأدبيّاته

المساهمون