مهجّرو سورية وسط قبضة تجار البشر ومقصلة الجندرمة

مهجّرو سورية إلى تركيا وسط قبضة تجار البشر ومقصلة الجندرمة

28 يوليو 2018
الجدار الفاصل بين سورية وتركيا (سيم جانسو/Getty)
+ الخط -
صعوبات في التأقلم مع واقعهم الجديد في الشمال السوري، يواجهها مهجّرو مناطق ريف دمشق وجنوبها وريف حمص الشمالي، تدفعهم للمخاطرة بأرواحهم والعبور باتجاه الأراضي التركية بطرق غير شرعية. ويقنعهم مهربو البشر بأن الطرق التي سيسلكونها آمنة، والمبالغ المالية ترد لهم في حال فشلوا في العبور، متجاهلين التحذيرات بأن الحدود بين البلدين مغلقة، وأن أي محاولة لتخطي الجدار الفاصل بينهما يرد عليها بإطلاق النار المباشر.

وتروي سليمة رمضان، ابنة الميدان الدمشقي لـ"العربي الجديد" أنه خلال محاولاتها العبور باتجاه الأراضي التركية، قتلت امرأة وفتاة وأصيب شاب من مهجري جنوب دمشق برصاص الجندرما التركية. وتقول: "تجمعنا مع العديد من المهجرين قرب مخيم الزنبقي، القريب من منطقة دركوش في الريف الغربي لمحافظة إدلب، لنحاول بعدها العبور عن طريق تجاوز الجدار الإسمنتي الذي وضعته السلطات التركية للحد من عمليات الدخول اللاشرعي إلى أراضيها. وعند مشاهدة الجندرما التركية للمدنيين يحاولون عبور الحدود، تعاملت معهم بإطلاق الرصاص الحي عليهم".

وتضيف سليمة "تفرقنا على الفور. لكن قتلت الطفلة حلا المحمود البالغة 15 عاماً وهي من محافظة القنيطرة، كما قتلت قريبتي انتصار محمد رمضان التي قاربت الأربعين من عمرها، إضافة إلى ذلك أصيب شاب من المهجرين في خاصرته. وتابعت "استطاع بقية الناجين العودة إلى الداخل بعد سحب القتيلتين وإسعاف الشاب المصاب، ودفن جثمان الطفلة حلا في منطقة دركوش".


ويصف الثلاثيني راضي الحسن معاناته في الدخول إلى تركيا، بالقول لـ"العربي الجديد": "أردت الدخول إلى الأراضي التركية لأن أهلي هناك منذ بداية الثورة، ووالدي يعمل هناك ولم أره منذ ذلك التاريخ. توجهت إلى المهربين واتفقت مع أحدهم على مبلغ وقدره 600 دولار على الشخص، وذهبت أنا وزوجتي وطفلتي الصغيرة بحسب الموعد، ومشينا قرابة 12 ساعة حتى وصلنا إلى الجدار، وعند وصولنا كشفتنا الجندرما التركية وأطلقت الرصاص باتجاهنا لكنه لم يكن مباشراً. وعدنا مشياً على الأقدام دون طعام أو شراب، والأمر كله كان هرباً من الأوضاع المأساوية في الشمال السوري".

أما جميل زيبق، وهو من مهجري جنوب دمشق، والذي فقد طفله الصغير زين الدين في 23 يونيو/حزيران الماضي برصاص الجندرما التركية، خلال محاولته مع عائلته الدخول إلى تركيا عن طريق التهريب. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "المهربين هم أشخاص كذابون يستغلون الواقع ومعاناة الناس وحاجتهم، ويقنعون الجميع أن دخول تركيا عبر الجدار أمر سهل وهو عكس الواقع، فالمشقة كبيرة وصعبة والموت يهدد جميع من يحاول اجتياز الجدار والسلك الشائك. وأناشد الجميع ألا يرتكبوا الخطأ الذي ارتكبته، ويفقدوا أعز ما لديهم في الدنيا، ففي النهاية نحن نتحمل المسؤولية نتيجة ضعفنا".

ويصف زين إسماعيل (27 عاماً) لـ"العربي الجديد" طريق عبوره إلى تركيا، قائلا: "قبل محاولتي العبور إلى تركيا في المرة الأولى حذرني أصدقاء كثر، وأصرّ أهلي على بقائي في إدلب، لكنني تجاهلت كلامهم، واستأجرت منزلا في بلدة دركوش كونها الأقرب لنقاط التهريب. وبالفعل بعد مكوثي فيها أياماً، أخبرني المهرب أن الطريق جاهز، أخذت زوجتي وطفلتي ذات الثمانية شهور، ومع صعودي الجدار سمعنا إطلاق نار تحذيرياً، قفزت فورا محاولا النزول فكسرت ساقي".


ويتابع "بعد ذلك بأسبوعين تقريبا، حاولت العبور للمرة الثانية، مشينا أكثر من 14 ساعة في منطقة مليئة بأشجار الشوكية. وصلنا إلى قرب الجدار ولم يعد لدينا حتى ماء نشربه أو نعد به الحليب لابنتنا التي أصيبت بجروح، كما رفض المهربون تزويدنا بالماء. وبعدها عبرنا السور وسرنا بمحاذاته نحو ثمانية كيلومترات. عندها ألقت الجندرما القبض على مجموعة كانت تسير قبلنا، وجلسنا في نقطة حين لم نعد قادرين على السير مطلقا. فقدت الأمل وصرت أريد الماء لابنتي، فقررت أن أذهب باتجاه حاجز الجندرما وأسلم نفسي، وجدت عجوزاً يسير بسيارته بمحاذاتي، وسألني كيف وصلت إلى هنا وهو يتكلم معي بالعربية، أخبرته أني أريد الماء وانا ذاهب لأسلم نفسي للجندرما، فقال لا تخف سآخذك إلى بيتي وبعدها تتجه أينما تشاء، وبالفعل حدث الأمر".

ويردف إسماعيل: "كان أصعب ما قمت به في حياتي، بعد تحمل القصف والحصار بريف حمص الشمالي، وكلما أذكر قصة عبوري أصف نفسي بالمجنون، لأنني أنا وعائلتي كنا طوال الوقت بين الحياة والموت، ولم أخاطر بنفسي لوحدي بل بطفلتي وزوجتي".

أما علي بشير، فيخبر لـ"لعربي الجديد" عن طرق التلاعب بالناس من قبل تجار البشر قرب الحدود واستغلالهم، قائلا: "لا يمكن لوم الجندرما التركية فهي حذرت وتحذر على الدوام من مغبة اقتراب الناس من الجدار الحدودي، لكن تجار البشر هم من يتلاعب بعقول الناس ويتاجرون بهم، وأنا كنت ضحية لهم في تجربة لي. سلبوني مبلغ ألف دولار أميركي، لكن بعد أن أوصلوني إلى الجدار أدعوا أنه من غير الممكن لهم أن يعبروا وعلي أن أعبر وحدي، وتركوني هناك في منطقة لم أزرها يوماً. اتصلت بهم فهددوني بالخطف والقتل، وحذروني بأنهم لن يكونوا مسؤولين مطلقا عمّا قد يحدث لي".

ويتابع بشير "بقيت من الساعة التاسعة ليلا مع أشخاص أخرين وقع لهم ما وقع لي، وساعدنا أحد أهالي المنطقة بالعودة إلى دركوش، وبعدها انتقلنا إلى عفرين، وألغيت فكرة الدخول إلى تركيا مطلقا".


ويتحدث سائد جمول من مدينة دوما لـ"العربي الجديد" عن تجربته مع تجار البشر، قائلا: "إنها تجربة سوداء بكل معنى الكلمة، همهم الوحيد هو المال ولا شيء غيره، ويعاملون الناس كما لو أنهم سلع". ويوضح: "تحدثت إلى أحد مهربي البشر وهو من إحدى بلدات ريف اللاذقية، وأخبرني أنه الآمر الناهي بالنسبة للعبور إلى تركيا إلى بلدة تدعى فلفلة، ولا يمكن لأحد أن يمنعه من إدخالي. وأكد لي أن شريكه التركي هو من يسهل كل العملية".

ويضيف "أخبرني بموعد انطلاقنا ووصلنا إلى الجدار الحدودي، وهناك بدأت المعاملة تسوء وبدأ المهربون يصرخون علينا ويشتموننا وكنا بموقف لا نحسد عليه. ودفعنا لهم مبلغ 800 دولار أميركي على الفرد الواحد، وعند عبورنا كان ينتظرنا شخص تركي في بلدة فلفلة وهنا كانت الطامة. طالبنا بدفع مبلغ 300 دولار إضافية، تحت طائلة تبليغ رجال الأمن، فدفعنا المبلغ دون نقاش، أوصلني بعدها إلى مدينة انطاكية التركية وحذرني من ذكر اسمه وهو يلماز، وأظن أن اسمه غير حقيقي وهو أحد أبناء مدينة انطاكيا ويتكلم العربية بطلاقة. لكن في النهاية كنا ضحية استغلال قذر من هؤلاء الأشخاص، لكننا نبرر لأنفسنا ما خضناه في بعض الأحيان وما فعلناه وما جرى معنا".

وفي وقت سابق نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، أكّدت مصادر لـ"العربي الجديد" أنّ أحد تجار البشر قتل ثلاثة أشخاص قرب الحدود مع تركيا في منطقة دركوش غربي إدلب، بينهم امرأة بهدف سلبهم حاجياتهم وأغراضهم الشخصية خلال محاولتهم العبور إلى تركيا.

دلالات