مهام المبعوثين الدوليين: سير في حقل ألغام

21 يونيو 2015
الأمين العام يتشاور بتعيين المبعوثين مع الدول المموّلة (Getty)
+ الخط -

قد تبدو مهمة أي مبعوث دولي مهمة سهلة لمن يتابعها من بعيد، ولكنها في واقع الأمر وفقاً لمن عمل مع بعضهم، عبارة عن سير في حقل ألغام إقليمية بلا خارطة واضحة لمواقع تلك الألغام. ويلام هؤلاء المبعوثون في معظم الحالات على عدم نجاحهم في إطفاء الصراعات التي كلّفهم الأمين العام بإطفائها، بل يُتهمون أحياناً بأنهم صبّوا المزيد من الزيت على لهيب نيرانها. أما في بعض مناطق الصراع، فيرتفع مستوى التحامل والخروج من الواقعية إلى درجة اتهام المبعوثين الدوليين بالتسبب في اندلاع الصراع الذي كان سبباً لوجودهم ولم يكونوا سبباً في وجوده.

ويقول مبعوث سابق إلى إحدى بقع التوتر في العالم، إن ما يعتبره البعض من مؤشرات فشل في مهام مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة، هي في واقع الأمر من معايير النجاح في مهمة أي مبعوث دولي، ويقصد بالطبع التعرض للانتقاد من جميع أطراف الصراع، إذ إن إرضاء جميع أطراف الصراع غاية لا تتحقق، وإرضاء طرف من الأطراف لن يكون إلا على حساب أطراف أخرى، وبالتالي فإن الإجماع على الشكوى من الوسيط الدولي هو أهم دليل على حياديته، في حين أن حصوله على إشادة من طرف واحد قد يكون مؤشراً على انحيازه.

ومن النادر أن توصف مهمة أي مبعوث دولي بالنجاح، لأن ما يعتبر نجاحاً من جانب أي طرف سياسي من الأطراف المنخرطة في صراع معيّن، يُمثّل بالنسبة للأطراف الأخرى فشلاً ذريعاً، أي أن مستوى النجاح يرتفع اطرادياً من زاوية أي طرف في الصراع مع مستوى الفشل من زاوية الطرف المضاد. وبمعنى آخر فإن ما يحقق أهداف أي طرف هو نجاح لذلك الطرف، وما يمنعه من تحقيق أهدافه على حساب الآخرين هو فشل بالنسبة لذلك الطرف. وبما أن المبعوث الدولي أو الوسيط في أي صراع يعمل على منع جميع الأطراف من تحقيق أهدافها على حساب الأطراف الأخرى أو تحجيم نجاحات تلك الأطراف، فإن مهمة الوسيط غالباً ما تؤدي إلى إثارة نقمة الجميع عليه.

ومن المتوقّع ألا يتوقف النقاش حول الدور المناط بالمبعوثين الدوليين، خصوصاً السياسيين منهم. وعلى سبيل المثال التجربة الناجحة التي تُفاخر بها الأمم المتحدة وهي تجربتها في تيمور الشرقية التي انتهت بتقسيم إندونيسيا، إذ يعتبر البعض هذا الانفصال نجاحاً، فيما يراه آخرون دوراً تآمرياً.

ومن أهم جوانب الضعف لدى المنظمة الدولية، عدم ردمها فجوة خطيرة هي القصور في مهارات الاتصال بين الخصوم، أو سوء استخدام وسائل الاتصال الجماهيرية التي يتحوّل بعضها أثناء الصراعات إلى وسائل تحريض بين الفرقاء ومنابر لتبادل الاستفزاز، بدلاً من تسخيرها إيجاباً في محاولات إقناع الخصوم وتوضيح الحيثيات والدوافع التي ينطلق منها كل طرف لتبنيه مواقف معينة مرتبطة بالقضية ذات العلاقة.

ويشبّه مسؤول أممي العمل الذي يؤديه أي مبعوث سياسي للأمم المتحدة، بعمل الإطفائي الذي يحاول أن يُنقذ ما يمكن إنقاذه، ولكنه لا يستطيع أن يعيد ما التهمته النيران إلى ما كان عليه قبل اندلاع الحريق.

اقرأ أيضاً: ملادينوف منسّقاً لعملية السلام.. ومنظمة التحرير لا تثق به

بعثات غير سياسية

في القضايا غير السياسية، يبلغ عدد ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة حالياً 36 مبعوثاً، وغالباً ما يتجاوز عملهم إطار البقعة الجغرافية المحددة إلى العمل في إطار قضية عابرة للحدود. كما يتميّز عمل المبعوثين غير السياسيين بتمحوره حول حشد الجهود والأموال ورسم الاستراتيجيات الجماعية لمواجهة خطر مستقبلي أو وباء أو كارثة طبيعية أو العمل على تحسين معيشة فئات تعاني من الحرمان أكثر من غيرها. ومن حسن حظ المبعوثين غير السياسيين أن قضايا كهذه تستقطب التعاون معهم عادة، وقد لا تنعدم حولها الخلافات لكنها بعيدة عن التجاذبات المحيطة بالصراعات المسلحة، فضلاً عن أن الخلافات حول برامجها أقل حدة من الخلافات التي تعصف بعمل المبعوثين المحصور عملهم في النطاق الجغرافي المحيط بإحدى بؤر الصراع أثناء بذلهم ما تسميه الأمم المتحدة "المساعي الحميدة" لحل تلك الصراعات أو كبح جماح تفاقمها.

تعيين المبعوثين

الأمين العام للأمم المتحدة وحده هو المكلف بتعيين المبعوثين، ولكنه عادة ما يتشاور مع ممثلي الدول الكبرى في مجلس الأمن القادرة على رفض التعيين أو قبوله، والتشاور أحياناً حتى مع الدول المموّلة الرئيسية للمنظمة إن كان لها مصالح في منطقة الصراع التي سيتم إرسال مبعوث إليها. وليس هناك فترة محددة لعمل المبعوث، إذ إنها مفتوحة ولكن في المعدل العام تراوح ما بين سنتين وثلاث سنوات، مع وجود حالات قليلة خاصة صدر فيها قرار بتعيين المبعوثين خلال السنوات العشر الأخيرة ولا يزالون يؤدون عملهم حتى الآن.

وليس من الضروري أن ينطلق المبعوث في عمله من المركز الرئيسي للمنظمة في نيويورك، إلا إذا كانت نيويورك هي مقر عمله السابق أو مقر إقامته الدائم، كما هو الحال مع بعضهم. كما ليس من الضروري أيضاً أن يقيم المبعوث في منطقة الصراع، وإن كان هذا هو حال بعضهم، ولكن جميع المبعوثين يترددون بين الفينة والأخرى على منطقة الصراع ويلتقون بقادة أو ممثلين عن كافة الأطراف المعنية كل على حدة وأحياناً في لقاءات جماعية تفاوضية، فضلاً عن زيارة الأقاليم المحيطة والدول المجاورة والعواصم الدولية ذات التأثير على مجريات الصراع.

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة واليمن: حوارات تلد حروباً