من يملك حق الغضب

من يملك حق الغضب

13 يونيو 2020

ميغان ماركيل وكاثرين دوقة كامبريدج في لندن (13/7/2019/Getty)

+ الخط -
قرّرت دوقة كمبريدج، كاترين، أن تقاضي مجلة "تاتلر" لنشرها مقالا يدّعي أن الأميرة مصابة بالإرهاق لكثرة واجباتها العامة، بعدما قرّرت دوقة ساسكس، ميغان ماركيل، وزوجها الأمير هاري، الانسحاب من المؤسسة الملكية، ما زاد أعباء الواجبات على كاهل الأميرة المحافظة التي يناسب خفرها عادات العائلة الملكية التقليدية الحازمة. تقول المقالة إن كاترين غاضبة، وتشعر أنها عالقة في أزمة "ميغزيت"، أي انسحاب ميغان وهاري من العائلة الملكية، وانعكاسات ذلك على حصتها من الواجبات العامة، إضافة إلى إشاراتٍ لتدخل عائلة كاترين في تسيير شؤونها والدور الكبير لوالدتها ونحولها الشديد، في "بورتريه" نشرته المجلة تحت عنوان "كاترين العظيمة". 
لم يكتفِ القصر بمقاضاة المجلة التي تعتبر من أبرز مجلات المجتمع (بيبول) للطبقة الأرستقراطية الإنكليزية، بل طالب بسحب المقال من الموقع الإلكتروني، بحجة أنه مليء بالأكاذيب والمعلومات غير الدقيقة، ويحمل تشويها لصورة المرأة، على الرغم من أنه من الصعب الربط بين المقالة التي أشادت بقدرات كاترين وحملات التشويه التي تتقصّد نساءً بأكاذيب وتحريض قد تعرّض مصائرهن للخطر. هل يلغي القصر اشتراك المجلة التي غالبا ما تكون في صدارة المجلات والصحف التي تتابعها الملكة؟ أكثر من ذلك، تلقت الهيئة المستقلة للصحافة (إبسو) شكويين ضد تحقيق المجلة، بدعوى أن التحقيق خرق قواعد الدقة، ويفترض أن تنظر فيهما. قامت قيامة المؤسسة الملكية مستنكرة التحقيق الذي قدّم صورة إيجابية لكاترين الجدّية والمتفانية ذات الحس العائلي العالي، على الرغم من أن قرار مقاضاة المجلة البرجوازية خرق تقليدا للعائلة الملكية، يقضي بعدم التعليق أو الشكوى للصحافة أو منها. الصمت إذن هو الجواب المتوقع، إلا أن كاترين قرّرت الرد.
قبل عام، تقدّمت ميغان ماركيل وزوجها هاري بدعوى ضد مجموعة من الصحافة الصفراء، 
لنشرها نص رسالةٍ بعثتها إلى والدها، بعدما تحول الأخير إلى مزوّد رئيسي للفضائح للصحافة الصفراء. رافقت إعلان الثناني المتمرّد على التقاليد الملكية موجة من الانتقادات لما اعتبر انتقاصا من حرية النشر، بما أن ميغان باتت شخصيةً عامة، وأخبارها تهم الرأي العام. تقدّمت ماركيل بالدعوى، على أساس الحق بالخصوصية، باعتبار أن نشر رسالتها إلى والدها خرق حقها بالحفاظ على حياتها الخاصة من التشويه. حظيت الدعوى بالعناوين العريضة لنشرات الأخبار التلفزيونية والصحف، إذ اعتبرت محاولة لتطويع حرية الصحافة في التعامل مع الشخصيات العامة. الدوقة التي باتت في حربٍ مع الصحافة، كما فسّرته الأخيرة، لا تملك حق الغضب الذي حرّك كاترين، كما أنها "بإمكانها أن تعود إلى أميركا"، إذا أرادت أن تتمتع بالخصوصية، كما علق بيرس مورغن، مقدّم البرامج الشعبوي الذي كان من أبرز منتقدي ماركيل، قبل أن يقرّ أخيرا بأنه ذهب بعيدا في انتقادها، وشن الحملات ضدها.
تقدّم قصة كاترين وميغان مع الصحافة مثالا للتمييز غير الواعي بين امرأتين بلون بشرة ومسار عائلي واجتماعي مختلفين، قادهما الحظ والحب، أو أحدهما، إلى أحضان العائلة الملكية، إحدى أكثر المؤسسات تقليدية ومقاومة للتغيير. تعاملت الصحافة مع غضب كاترين على أنه أمر عادي، في حين تعاطف بعض الصحافة الصفراء معها متحدّثا، نقلا عن مصادر، عن "قرف" كاترين وزوجها مما نشرته المجلة المقرّبة من العائلة الملكية وأجوائها. خلافا لهذا البرود، اعتبرت الدعوى التي رفعتها ميغان إشعارا للحرب مع الصحافة، ومؤشرا إضافيا على عدم قدرة الممثلة الأميركية الملونة البشرة على فهم تقاليد البلاد واحترامها. قبل الدعوى، كانت ميغان قد تحوّلت إلى هدف مفضل للصحافة الصفراء، من دون أن يثير ذلك غضب العائلة الملكية أو ردة فعل واسعة في النقاش العام. الأمثلة يومية في عناوين الصحافة الصفراء، يلامس بعضها العنصرية الواضحة. حرص ميغان على لمس بطنها المكوّر خلال حملها دليل على الأنانية أو الفخر، في حين أن قيام كاترين بالحركة نفسها تعبيرٌ عن الحنان بالنسبة لصحيفة "ديلي ميل" الشعبية. غرام ميغان بالأفوكادو يساهم في انتهاكات حقوق الإنسان والجفاف، في حين أن حصول كاترين على الفاكهة نفسها هدية لطيفة من زوجها لمداواة أعراض الحمل، بالنسبة لصحيفة "ديلي أكسبرس" اليمينية. أما باقة الزهور التي اختارتها ميغان لزفافها، فقد كادت أن تقتل الأطفال الذين رافقوها، ومنهم الأميرة شارلوت، ابنة كاترين التي نشاهد صورتها تعطس.
مقالة بعد أخرى، قدّمت الصحافة صورة المتمرّدة ميغان ذات الطبع الجامح التي تفرض رأيها، 
وتطلب المستحيل، في حين أن القصر يقول لها لا. هي "ديكتاتورية" ومتطلبة، أغرقت هاري في مشكلاتها، وأخرجته من دائرة القصر، حيث مكانه الطبيعي بين أبناء طبقته. انتقاد أزيائها وعرض مشاهد من أدوارها، وهي في أوضاع حميمية، إشارة إلى أنها تنتمي لعالم المشاهير، البعيد كل البعد عن رصانة المسؤولية الملكية التي تعكسها بساطة أزياء كاترين. لقد بلغ تحدّيها تقاليد العائلة حد رفض قضاء الميلاد برفقة الملكة، وهو الأمر نفسه الـذي قدّمته الصحافة أنه خبر طريف في حالة كاترين، عندما "ربحت" والدتها فرصة الحصول على ابنتها لجانبها لقضاء الميلاد معا، من دون أن يبدو الأمر "انتفاضة" على الأسرة الملكية. بعد عزوفهما عن الرتبة الملكية، لم ينقطع سيل الأخبار السلبية عن الثنائي الـذي صوّرت الصحافة عملية "هروبه" من سجن التقاليد الملكية محاولة للثراء الطائش في عالم الشهرة.
في وقت تخرج التظاهرات في لندن، ومدن بريطانية أخرى، للتنديد بالعنصرية المعلنة أو غير المعلنة في البلاد، تقرر الأسرة الملكية أن تغضب لتقريرٍ قد يكون واقعيا عن كاترين ما بعد "ميغزيت". من الصعب ألا تكون عناوين الصحافة السلبية التي لاحقت ولا تزال ميغان الملونة البشرة، من دون أن تثير غضبا يذكر انعكاسا لثقافةٍ عنصريةٍ، من الصعب أن تقبل بوصول مثيلاتها إلى مناصب مرموقة، غير تلك المتواضعة التي تشغل الآلاف من ملوني البشرة، قضى عدد غير قليل منهم أخيرا بفيروس كورونا. لسان الحال غير المعلن قد يكون: تستأهل ميغان ما يجري لها، فهي ليست منا، ولا تشعر حتى بعرفان الجميل أننا قبلناها. القصة إذن ليست في حرية الصحافة الصفراء وغيرها، وتلك لم تتوقف عن اهتمامها المرضي بالعائلة الملكية وأخبارها، حتى في أسوأ أيام أزمة كورونا. إنها قصة من يجرؤ على تحدّي الصحافة، وما لون بشرته. .. من يملك حق الغضب.
A6CF6800-10AF-438C-B5B5-D519819C2804
فاطمة العيساوي

أستاذة لبنانية في جامعة إيسيكس البريطانية. ترأست بحثا في تأثير عملية الانتقال السياسي على الإعلام المحلي في دول الثورات العربية. صحافية مستقلة ومدربة وخبيرة في التشريعات الاعلامية في العالم العربي.