من يخطط لحفتر؟

من يخطط لحفتر؟

03 يونيو 2020
+ الخط -
على الرغم من تقديم قيادة القوات الأميركية العاملة في أفريقيا (أفريكوم) مزيدا من التفاصيل بشأن 14 طائرة مقاتلة روسية أخفيت معالمها، وصلت إلى مجموعات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، بقيادة طيارين روس، جدد الناطق الرسمي باسم هذه المجموعات، اللواء أحمد المسماري، نفي هذه الأنباء، محملا مسؤولية ترويجها لغرف عمليات إعلامية تتحرّك من الداخل التركي.
على صعيد آخر، تواصل وسائل الإعلام العالمية نقل مزيد من المعلومات عن تقارير أممية وأميركية تتحدث عن تورّط مجموعات من المرتزقة في عملية فاشلة لاستهداف السفن التركية في عرض البحر المتوسط في الصيف المنصرم، بقرار عواصم أوروبية وعربية، وهروب الفريق المكلف بها، بعد خلافات مالية مع الجهة المخططة بإشراف سيدة أعمال بريطانية تقيم في الإمارات. لم تتعامل أنقرة رسميا مع هذه الأنباء والمعلومات بعد، على الرغم مما يقال عن اكتشافها العملية وتهديدها المباشر للإمارات التي أجبرت على وقف هذا المخطط، فما الذي هدأ من روع تركيا؟
الخدمات التي قدمتها واشنطن أخيرا لأنقرة في ليبيا لا تعد: كشفت النقاب، عبر أجهزتها ومؤسساتها العسكرية والأمنية، عن حجم التوغل العسكري الروسي في ليبيا، سرّبت بعد ذلك تفاصيل العملية العسكرية التي مولتها وأشرفت عليها أبوظبي ضد تركيا، وأخيرا، أعلنت وقوفها إلى جانب الحكومة الشرعية في طرابلس، داعية حفتر وشركاءه إلى التراجع عن مشروع الدخول العسكري إلى العاصمة الليبية. لماذا زودت واشنطن الحليف التركي بكل هذه المعلومات الأمنية والعسكرية بالغة الأهمية، وما هو المقابل الذي تنتظره؟ هل الهدف هنا هو الإيقاع بين أنقرة وموسكو في ليبيا أم إعلان واشنطن انحيازها إلى جانب تركيا في الملف الليبي، المرتبط بملفات شمال أفريقيا وشرق المتوسط؟ أم أن السيناريو الثالث الذي يطرح بعيدا عن الأضواء حول تفاهمات ثلاثية مشتركة محتملة بشأن خطط الحل في ليبيا هو الدافع الأساسي؟
أغضبت تصريحات السفير الأميركي في ليبيا، ريشارد نورلاند، عن وجود قوى تعمل، بالوسائل العسكرية أو بالإرهاب، على فرض نظام سياسي جديد في ليبيا، وأن بلاده فخورة بالشراكة مع 
حكومة الوفاق الشرعية، عواصم ومراكز قرار عديدة ما زالت تراهن على خليفة حفتر. وقد أقلقت تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، بأن "حكومة فايز السراج الحكومة الشرعية التي لن يتعامل الحلف مع غيرها في ليبيا"، أقلقت "تحالف القاهرة" الذي أعلن الحرب على أنقرة و"الوفاق" معا في ليبيا وشرق المتوسط. قلق يوناني فرنسي مصري إماراتي متزايد من احتمال حدوث تدخل أميركي – أطلسي في ليبيا لصالح حكومة السرّاج بطلب منها. ما يخيف هذا الرباعي أكثر هو أن تحصل أنقرة على ما تريده في ليبيا، بالتفاهم الثنائي مع روسيا أو بإقناع موسكو وواشنطن بتحرّك ثلاثي يساهم في صناعة خطط التسوية في ليبيا. ابتعاد تل أبيب عن بيان القاهرة وتمسكها بالحل السياسي في ليبيا، وتنسيقها المباشر مع موسكو وواشنطن في الملف، يدعم هذا الطرح، وحصة إسرائيل في شرق المتوسط ستكون محفوظة بضمانات ثنائية.
احتمال أن تتأثر تفاهمات روسية وتركية في سورية بالتطورات الميدانية في ليبيا وارد جداً، ولكن احتمال استئثار البلدين بالقرار الميداني والسياسي هناك على غرار ما جرى في سوتشي مستبعد، بحسب الرسائل الأميركية أخيرا. طبعا معرفة حقيقة الموقف الروسي هنا حيال كل هذه السيناريوهات، وما هي حصة موسكو فيها، مسألة بالغة الأهمية أيضا. هل تنسق روسيا مع مصر والإمارات وفرنسا في ليبيا عبر السماح لطيارين أجانب باستخدام مقاتلاتها التي سلمتها لبنغازي بأموال إماراتية؟ هل يقع الاشتباك التركي الروسي المباشر في ليبيا بعدما أرسلت أنقرة منظومات دفاع جوي جديدة إلى طرابلس، للحؤول دون اعتداءات محتملة عليها؟ وهل قررت موسكو سحب مجموعات "مرتزقة فاغنر" من الغرب الليبي في إطار تفاهمات مع حكومة الوفاق وأنقرة، أم أنها تُقدم على خطوةٍ من هذا النوع، لتسهيل الهجمات الجوية الجديدة التي يتحدث عنها بعضهم ضد مدن غرب ليبيا؟ هل تقنع موسكو حفتر وحلفاءه بالتخلي عن مواصلة القتال على جبهات غرب ليبيا، ودفعهم نحو خيار الاحتفاظ بالشرق وإعلان الانفصال عن الدولة الليبية؟ أيهما سيتقدم على الآخر: ما تقوله الخارجية الروسية إنها أبلغت حفتر تأييدها وقف القتال في ليبيا وإجراء محادثات سياسية تفضي إلى تشكيل سلطات حاكمة موحدة، أم ما تردده القيادات السياسية والعسكرية الأميركية بشأن وجود محاولات روسية مستمرة، تهدف إلى قلب الموازين لصالحها في ليبيا، مثلما فعلت في سورية؟ مهما كانت النتيجة، الفائز هنا حتى الآن أنقرة التي نجحت في منع استهدافها، وحصلت على الدعم الروسي والأميركي في عقد اتفاقيات ترسيم الحدود المائية والتعاون الاستراتيجي مع طرابلس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وإبعاد حفتر وداعميه عن العاصمة الليبية التي تنسق معها.
تتفق واشنطن مع موسكو على أن التدخل التركي في غرب ليبيا قلب المعادلات الميدانية، لكنه لم 
يغير كثيرا في المشهد الليبي ككل، وأن أنقرة ما زالت في موقع الما بين على الخط الأميركي الروسي، بانتظار معرفة كيف سيحسم كل طرفٍ موقفه هناك، على الرغم من تقدّمها في خطة التقريب بين المصالح الأميركية والروسية في ليبيا، للحصول على جوائز الترضية التي تريدها من دون الدخول في مواجهات وتجاذبات تخدم أطرافا إقليمية تسعى إلى صب الزيت فوق نار العلاقات التركية الأميركية الروسية. وبالمناسبة، لم تساعدنا واشنطن حتى الآن في الإجابة عن سؤال: لماذا سمحت لحلفائها في المنطقة بتقديم كل هذا الدعم لخليفة حفتر، ثم قرّرت اليوم قلب الطاولة عليه؟ هل ستنتقم من المحسوبين عليها، مثل الإمارات ومصر واليونان وفرنسا، بسبب اصطفافهم إلى جانب حفتر، ومنحه الدعم اللازم لفتح أبواب شرق ليبيا أمام الروس؟ متى وكيف سيتم ذلك؟
يبقى الحل الأنجع دائما، حسب أنقرة، التفاهم الثلاثي الأميركي الروسي التركي في ليبيا وسورية أمام طاولة واحدة، تناقش الملفين، والمسؤولية هنا بالدرجة الأولى تقع على عاتق تركيا كما يبدو، فهل تنجح في ذلك؟ الخاسر الأول سيكون عواصم عربية وأوروبية عديدة تقول إنها موحدة بشـأن عملية إيريني (أطلقها الاتحاد الأوروبي بهدف منع تدفق السلاح إلى ليبيا) ووحدة ليبيا، لكنها على الأرض تعاني من انشقاقات وتباعد وتراجع في النفوذ.
خطر التقسيم ماثل أمام أبواب ليبيا، يريد تمزيقها إلى دولتين على أقل تقدير، ولكن المشكلة هي التحاصص الذي قد يدفع مشروع التقسيم نحو جزئياتٍ أكثر لإرضاء بقية اللاعبين الإقليميين... ما الذي يقوله ويفعله خليفة حفتر؟ يعلن سقوط اتفاق الصخيرات، ويطالب محبيه بالصلاحيات الاستثنائية الواسعة ليجلس فوق كرسي إدارة شؤون شرق ليبيا. أليس هو سيناريو التقسيم بعينه، فيما يستعد حفتر لإعلان فشله في فرض نفسه على غرب ليبيا؟ قد يكون مشروع التقسيم في ليبيا مطلبا لعواصم عربية، لكن هذه تريد إهداء إعلان هذا القرار لبعض العواصم الإقليمية والدولية.
4A6988D0-57AB-4CAB-9A76-07167D860E54
سمير صالحة

كاتب وباحث تركي، أستاذ جامعي في لقانون الدولي العام والعلاقات الدولية، دكتوراة في العلوم السياسية من جامعة باريس، له عدة مؤلفات.