من رسائلي إلى الرفاق

29 مايو 2014
+ الخط -
لا أدعي امتلاك الحقيقة، وأكره من يروج هذا المعنى، لكني مؤمن بفكرة التأصيل، مسموح لكم ردي إلى الصواب، وسأكون مرنا؛ متى كان رأيكم مؤسسا على كل آيات الترجيح واليقين. وأنتم على الضفة الأخرى، اتركوا لي متسعاً، أضع فيه ما جاد به التفكير، فلعلي قد أسست قناعاتي على بعض صواب. فمعي من الشواهد التي سمعها مني أناس أحياء يرزقون، قلت لهم ما ترونه، الآن، منذ ثلاثة أعوام ويزيد. ولأني مفتون بالظل، ظلت آرائي تتحرك في دوائر أضيق من أرزاق من هم على شاكلتي.
- السلفيون سيدخلون إلى المشهد، لكي يأخذوا الإخوان المسلمين في أيديهم، ويخرجوا من التاريخ.
- عندما تستقر الصورة، ستتحول هذه النخب إلى أدوات لإجهاض التجربة، فكراهيتهم حسني مبارك ليست أكبر من كراهيتهم "الإخوان". 
- كراهية "الإخوان" أربح ما يمتهنه المثقفون في زماننا.
- من يهتف الشعب والجيش يد واحدة جبان ومهزوز، يريد إحراج العسكر؛ كي يدركوا الفرق بينهم وبين وزارة الداخلية، وليس هتافا من القلب.
- أخشى أن تكون هذه الثورة لرفع الحرج عن العسكر؛ لكي لا ينقلبوا على مبارك، ويوقفوا التوريث بدون غطاء شعبي.
- إذا ظن "الإخوان" أن السلطة ثمن معاناتهم القديمة، سوف يسقطون وبسرعة.
-  اذهبوا فأنتم الطلقاء، لو شملت كل النظام، فلا تنتظروا شيئاً من هذه الثورة. فدولاب الفساد أكبر مما تظنون.
- هذه النخب ما كانت لتراهن على ثورة، انتحلت سمت المعارضة، وهي يقينا جزء من خطاب الاستبداد، فلا يتحدثوا باسمها، فذلك السفه.
- أنتم تقومون بثورة على موظف، النجاح الحقيقي يوم نضرب النموذج الأميركي في إدارة المنطقة، فأميركا في شكل تعاطيها مع العرب تجد نفسها أكثر راحة مع المستبد الأوحد، ولا تراهن كثيراً على فكرة الرأي العام الشعبي.
-  عار على هذه الثورة أن يتحدث باسمها صنائع أمن الدولة، الذين لا يملكون جسارة مواجهة نظام هم سدنته.
- الكل كان تحت الحصار، تنوعوا في اختياراتكم (على هامش الانتخابات البرلمانية) لكي نرى الجميع، وننتخب برامج لأول مرة في حياتنا.
- إذا لم تختبئ القوى السياسية والنخب في الجماهير، واختارت طواعية أن تداهن وتساوم دولة مبارك، على الحد الأدنى من الأحلام، فإنهم سيسلمونكم، ويسلمون الثورة ذاتها، لأنهم أضعف من مواجهة اليوم التالي لسقوط نظامه.

- على الرغم من تحفظاتي الكثيرة على حكم "الإخوان"، لكن، من سينزل منكم في 30 يونيو/حزيران، عليه أن يدرك أنه بنزوله سيعيد التقويم إلى 24 يناير/كانون الثاني، كي نبدأ من جديد، وربما لما هو أكثر سوءا.
كانت مرحلة التقاط الأنفاس، بالنسبة لي، ليست في غمار الثورة، ولا في فترة "الإخوان"، وإنما بعد أن صدقت رهاناتي على ذاك البلاتوه الذي أسسه مبارك بمهارة، لا تتناسب، بأي حال، مع ما عُرف عن ذكائه المتدني نسبيا. لم أكن مؤمنا إلى حد بعيد بنظرية المؤامرة، لكن، يظل لقاء من يستطيع نفيها ضرباً من خيال. كان شغلي الشاغل أن تنجح الثورة في إسقاط جدار الوهم الذي سيطر على كل مفاصل حياتنا. وهم الدولة المستقلة ذات السيادة، الديمقراطية المشوهة والبرلمانات الهزلية، وهم أن في عالمنا العربي حزباً سياسي، ينطبق عليه الحد الأدنى من مفهوم الحزب، حسبما تقول كتب السياسة. وهم النخب والقوى السياسية التي تبارت في منافسة بعضها بعضا لكي تكسب أرضا في زمن المستبد الكبير.
أثبتت التجربة أنه لا يوجد من يمتلك جسارة مواجهة دولة مبارك وأوهامها، ولا حتى "الإخوان" على الرغم من رصيدهم الشعبي الهائل. لذلك أكره مزاج الدهشة الذي يبديه بعضهم حيال ما يسمونه تحولات النخبة، فلا يوجد تحولات، وإنما ما نراه منهم هي ثوابتهم التي لا يؤمنون بغيرها. المروق من صولجان الأوهام يتطلب ثمنا فادحا هم عاجزون عن دفعه. وما كان لي للحظة أن أنسجم مع كون هؤلاء يمتلكون حلما مجتمعيا شاملاً، يستطيع تدشين الجميع لإنجازه. بل إن أهم ما حرصت عليه دولة مبارك أن تجهض كل من حاول تدشينه، أو يكاد. بل وتعاون الجميع من مثقفين ونخب في تماه مقزز من أجل حصار هؤلاء وتسفيههم، والمتاجرة بظروفهم، ولاسيما إذا كانوا من الصنف الذي يقتات من القلم. ولم يكتفوا بذلك، بل ساهموا، بإخلاص نادر، في تشويه الوعي والتدليس عليه، وبطرق ربما لم نشعر بفداحتها في أسوأ عصور الاستبداد العربي، وما أكثرها.
لا أصدق أن الحقائق في المطلق كانت غائبة، في دولة كانت بكل أجهزتها تعمل؛ كي لا يصل الإسلام السياسي، تحديداً، إلى السلطة، ولم يكن تدجين اليسار المصري صاحب التراث النظري الطويل، إلا لإنجاز هذه المناوشات الفكرية التي لا تسعى إلى تأصيل التجربة اليسارية، بقدر ما تسعى إلى إثبات عدم جدوى أدلجة الإسلام كي يتصدى لأن يحكم. لذا، كان اليساريون في النصف الثاني من فترة حكم مبارك على رأس كل المجالس، من مجلات دورية وصحف سيارة، ومؤسسات كاملة، تأسس على ضوئها المستبدون الصغار، وثقافة اللوبي، لوبي الفكرة ولوبي الإقليم، سيطرة محمومة للاسم الثلاثي في كل المحافل الثقافية والإعلامية والفنية.

 
avata
avata
حسام علي (مصر)
حسام علي (مصر)