Skip to main content
من دافينشي إلى سونتاع: حول ظاهرة المثقّف الموسوعي
العربي الجديد ــ نيويورك
(ليوناردو دافينشي)

برزت ظاهرة تداخُل العلوم منذ الحضارات القديمة، وفي مقّدمتها اليونانية، بفعل طبيعة التعليم غير المنهجية التي لا تقوم على التخصّص، وورثت الحضارة الإسلامية هذا التقليد، حيث تنوّعت اختصاصات العلماء الذين جمعوا بين الفلسفة والطب والفلك والعلوم الشرعية وغيرها.

مع دخول الأوروبيين عصر النهضة، ونقلهم المعارف عن العرب بشكل أساسي، ظهر عدد من المشتغلين في علوم متنوّعة، وهذا ما يدرسه كتاب "الموسوعي: تاريخ ثقافي من ليوناردو دافينشي إلى سوزان سونتاغ" الذي يصدر للباحث البريطاني بيتر بروك في أيلول/ سبتمبر المقبل عن "منشورات جامعة يال" في الولايات المتحدة.

تشير مقدّمة الكتاب إلى أن "العديد من العلماء نقل حدود المعرفة بطرق لا حصر لها. لكن التاريخ قد يكون غير لطيف مع العلماء ذوي الاهتمامات الموسوعية. في كثير من الأحيان، يتمّ تذكر هؤلاء الأفراد لحقل واحد فقط من إنجازاتهم القيمة".

يتتبّع بروك تجارب عدد من هؤلاء الموسوعيين بدءاً من الفنان الإيطالي دافنشي (1452 - 1519) الذي زاوج بين الرسم والنحت والتأليف الموسيقي والعمارة وعلم التشريح والنبات والخرائط والجيولوجيا، والعالم التشيكي جان آموس كومينيوس (1592 - 1670) الذي قدّم تنظيرات في التربية واللاهوت واللغات وتصنيف العلوم، وكان معنياً بتسبيط العلوم ونشرها في كرّاسات مدرسية، انطلاقاً من اعتقاده بأن فهم النظريات المركبة يبتدئ من تعلّم المبادئ البسيطة الواضحة.

يرصد المؤرّخ الثقافي هذه الظاهرة من وجهات نظر مختلفة، مستكشفاً نجاح خمسئمة عالم موسوعي عبر الربط بين صعودهم وبين النمو المتسارع للمعرفة في عصر اختراع الطباعة واكتشاف العالم الجديد والثورة العلمية، وكيف أدى تطّور المعرفة إلى زيادة التخصّص وخلق بيئة أقل دعماً للعلماء والمنظّرين على نطاق واسع.

ويدرس بروك بعض النماذج الأدبية ومنها الروائية البريطانية ماري آن إيفانس التي عُرفت باسمها المستعار جورج إليوت (1819 - 1880)، وكانت من أوائل الذين ترجموا سبينوزا إلى الإنكليزية وأدخلت الهندسة واللغات والفلسفة ضمن المناهج الدراسية التي وضعتها وكانت تعلّمها بشكل ذاتي، إضافة إلى آرائها حول حرية المعتقد والأديان.

آخر الشخصيات التي يدرسها الكتاب هي الناقدة والروائية والمخرجة الأميركية سوزان سونتاغ (1933 - 2004)، التي اهتمّت بمجلّات عدة كتاريخ الثقافة والإعلام وحقوق الإنسان واليسار والفن، ووضعت دراسات في حقول مختلفة مثل "فرويد: عقل الأخلاقي" (1959)، و"في التصوير الفوتوغرافي" (1977)، و"المريض كمجاز" (1978)، و"الإيدز واستعاراته: استمرار المرض كمجاز" (1988)، و"بشأن آلام الآخرين" (2003).

المزيد في ثقافة