من الحسكة لدورتموند.. داوود والطريق الصحيح بعيداً عن الكبار

من الحسكة لدورتموند.. داوود والطريق الصحيح بعيداً عن الكبار

01 ابريل 2017
محمود داوود أحدث الوجوه المنضمة إلى دورتموند (Getty)
+ الخط -


لقد أحضرت لك لاعبا رائعا، يتألق في مركز الظهير وخط الوسط، وله مسيرة مميزة خلال آخر عامين وفق ما أكد كشافونا، مع تمتعه بسن صغير وشخصية من الممكن تقويتها، وقبل أن يُكمل مونشي كلامه، يبادر فلورنتينو بيريز بالرد الصادم قائلا، "لكنه لا يبيع قمصانا ولا يعرفه الإعلام وبعيد تماما عن دور النجم بالنسبة للجمهور"، هكذا تخيل أحدهم العلاقة الثنائية بين مونشي وبيريز في حالة عملهما معا في ريال مدريد، مدير رياضي يفضل العمل في الظل وفق أقل ميزانية ممكنة، ورئيس يعشق المبالغات ويفضل سياسة الجلاكيتكوس في كل صفقاته، وبالتالي فإن وجود صانع أمجاد إشبيلية في العاصمة الإسبانية أمر أقرب إلى المستحيل.

قرار مونشي
أعلن رامون رودريغيز "مونشي"، المدير الرياضي لإشبيلية، تركه منصبه بنهاية الموسم الجاري، مؤكدا أن القرار يعود لأسباب شخصية ولشعوره بالتعب والإرهاق، ليفتح الباب أمام عدة أندية تسعى للاستفادة من خدماته في الصيف المقبل. ودارت أقاويل في الصحف المدريدية تنص على تفكير الريال في طرق أبواب مونشي، لكن الأمر لم يصل إلى درجة التأكيد بعد، ليكون روما الإيطالي هو النادي الأقرب للاستفادة من عراب الكرة الأندلسية في السنوات الماضية.

مونشي مدير رياضي رائع والريال فريق كبير للغاية، لكن ليس بالضروري أن تكون العلاقة ناجحة، لأن هناك تضادا واضحا بين الطرفين، من خلال تفضيل الرجل العمل وفق ظروف مالية معينة، بينما يتصدر النادي قائمة الفرق التي تدفع ملايين طائلة في كل ميركاتو. يعرف مونشي جيدا هذه المعادلة، ويدرك قوانين اللعبة لأقصى درجة، لذلك عندما أراد الحصول على مغامرة جديدة، وضع النادي الإيطالي روما كخيار أولي ورئيسي، لأنه سيعمل بنفس الميزانية المتاحة في إشبيلية، بالإضافة إلى ابتعاده عن الضغط الإعلامي والجماهيري المضاعف، مقارنة بأندية مثل برشلونة ومدريد.

دفع بعضهم ثمنا غاليا بسبب اختيارات خاطئة، مدرب صغير يتحسس أولى خطواته يطلبه ناد عملاق، يوافق سريعا أملا في تكرار تجربة غوارديولا بارسا، لاعب شاب تحت العشرين ينطلق نحو النادي الكبير، ويضعف أمام أضواء الشهرة دون تفكير، ليظل حبيس الدكة وينسى شكل المشاركات الرسمية، لوجود أكثر من نجم كبير في وضع أفضل منه. ربما فكر مونشي في هذه السيناريوهات المرعبة بعد قراره بالرحيل بعيدا عن إشبيلية، ومع تجربته الطويلة على مر سنوات سابقة اكتشف الإسباني سريعا أن مسيرته يجب أن تستمر على نفس النهج، مع نادٍ يناطح العمالقة ويسعى دائما للتحسن دون القتال على المركز الأول في كل موسم، فريق يشبه إشبيلية وله مستقبل أفضل كروما.

تجربة دورتموند
يسير بروسيا دورتموند على طريقة روما في إقناعه لمونشي، صعد الفريق الألماني بسرعة الصاروخ خلال الألفية الجديدة مع يورغن كلوب، وحقق أسود الفيستفاليا انتصارات محلية مهمة على حساب بايرن في الدوري والكأس، حتى تجربة الوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا في عام 2013، لكن بعد الخسارة بفارق هدف أمام فريق هاينكس، انفرط عقد الفريق سريعا، نتيجة التخلي عن أكثر من لاعب، واحتفاظ كلوب بنفس طريقته دون تغيير، ليقع بروسيا تحت تأثير الإصابات والغيابات، ويفشل في الحفاظ على بريقه حتى رحيل الرجل الأول وقدوم بديله توماس توخيل.

تحسنت النتائج سريعاً مع توخيل، صحيح أن الفريق لم يحقق بطولة كبيرة بعد، لكنه يقدم أداء مميزاً ووصل إلى مراحل متقدمة بدوري الأبطال. وتعمل إدارة النادي مع المدرب وفق سياسة البحث عن المواهب الصغيرة، واستخدام النجوم الشبان في دوريات ألمانيا وفرنسا، مع إغرائهم بسلاح اللعب المستمر الذي لن يجدوه مع الأندية الكبيرة، مع توفير رواتب معقولة وصدى إعلامي واسع، بالتأكيد أقل من بايرن وبارسا وريال لكنه منطقي للغاية بالنسبة للاعب شاب في بدايات تألقه، يريد التدرج درجة فدرجة حتى لا يتم حرقه سريعاً مثل غيره.

وبالعودة إلى الصيف الماضي، نجح مدراء بروسيا في خطف الجوهرة عثمان ديمبلي، بعد تألقه لمدة موسم واحد مع رين الفرنسي، ليقدم الشاب أفضل مسيرة ممكنة حتى الآن بالبوندسليغا. وقبل موافقته على عرض دورتموند، راقبت أندية برشلونة وأرسنال ومان سيتي وحتى ريال مدريد اللاعب عن قرب، وعرضوا عليه وعلى فريقه مبالغ أكبر، لكنه اختار في النهاية مجموعة توخيل، لأنه مقتنع بضرورة الصعود التدريجي إلى القمة، مثل مونشي بعد تنحيه عن قيادة صفقات إشبيلية.

يقول عثمان بالنص في مؤتمر تقديمه بالصيف "لقد اجتمعت مع توخيل أكثر من مرة منذ وصولي إلى دورتموند، وأنا مقتنع أنه المدرب المناسب الذي سيساعدني على التطور. أعتقد أن دورتموند هو النادي المثالي للاعبين الشباب، من أجل دقائق أكبر ومشاركات أقوى، وهذا ما يحتاجه أي لاعب صاعد في بدايات رحلته نحو القمة".

المهاجر السوري
من طفل رضيع مولود في عامودا بالحسكة السورية، إلى مهاجر صغير مع أسرته تجاه الأراضي الألمانية، هذه هي الرحلة الأولى للسوري الأصل الألماني الجنسية محمود داوود، بعد انتقاله إلى مجتمع مغاير واحترافه الكرة في سن صغير مع مونشنغلاباخ، ومن ثم انتقاله مؤخرا إلى بروسيا دورتموند، في صفقة نالت اهتمام الصحافة الأوروبية، بعد مراقبة أندية برشلونة ومانشستر سيتي ويوفنتوس وليفربول للاعب خلال الفترة الماضية، بعد تقديمه مستوى جيداً في الدوري وعصبة الأبطال والدوري الأوروبي.

داوود نموذج للاعب الوسط الحديث، له قدرات كبيرة على مستوى التمرير من كافة أماكن المستطيل، بالإضافة إلى سرعته في الركض بالكرة من مركز إلى آخر، مع سرعة تحوله من الهجوم إلى الدفاع، لمساندة لاعبي الارتكاز وقطع الكرات قبل أن تصل إلى مرمى فريقه، إنه أفضل مثال ممكن للارتكاز الذي يتألق في نصف ملعبه ونصف ملعب الخصم، ليكون على أتم الاستعداد لشغل أكثر من مركز، لاعب وسط مساند، ووسط هجومي، وارتكاز أول بالقرب من خط الدفاع.

في طريقة 4-4-2 لمونشن، يلعب داوود بجوار كرامر، تشعر وكأنه نصف وسط مدافع ونصف مهاجم، بسبب عودته المستمرة لمساندة زميله، ونقله الهجمة من الخلف إلى الأمام، إما عن طريق الاحتفاظ بالكرة تحت ضغط، أو لعب تمريرة طولية مباشرة تجاه الثلث الأخير. ويحتاج توخيل في كل وقت إلى هذه النوعية في المنتصف، بسبب عدم وجود أي لاعب مباشر يربط بين فيغيل ولاعبي الهجوم، خصوصا بعد انتقال غوندوغان إلى مانشستر سيتي، ليكون محمود هو الخيار المثالي بعد قرابة العام.

منافسة قاسية
تزيد القدرة الشرائية لكبار أندية القارة مع زيادة المنافسة، وبعد دخول فرق الصين في المعادلة، أصبح من الصعب على فرق بحجم دورتموند مواجهة هذا الغول المالي في فترات الميركاتو، لذلك تأثر توخيل تكتيكيا برحيل كل من غوندوغان وهوميلز، لأن الأول أفضل لاعبيه في التحرك بين الخطوط، ويساعد فيغيل كثيرا في التحرر والهروب من الضغط، بينما الثاني أستاذ الخروج بالكرة من الخلف وفق ما يعرف بالبناء من اليسار على طريقة نابولي ساري.

ولا تقتصر المشاكل عند هذا الجانب، بل قلّت الفعالية الهجومية للفريق ككل بسبب ضعف التمركز عند فقدان الكرة، نتيجة عدم وجود لاعب وسط إضافي يقدم الزيادة العددية أثناء التحولات من الهجوم إلى الدفاع، وارتفاع نسبة اللاعبين أصحاب النزعة الهجومية بالمنتصف، لذلك وقع توخيل في المحظور خلال أكثر من مواجهة، آخرها بالتأكيد أمام الريال في الأبطال. ولاعب مثل محمود داوود سيصنع هذا التوازن المفقود منذ الصيف الأخير.

كان من الممكن لداوود أن ينتقل إلى السيتي أو ليفربول، أضواء الدوري الإنكليزي تسحر الجميع بدون شك، لكن اللاعب ذا الأصل الشرقي اختار نفس مسار ديمبلي وغيريرو وغيرهما ليس حباً في دورتموند، بل ليعطي نفسه فرصة أشمل للتحسن والنمو، وبمجرد الوصول إلى حالة النضج المنشودة، سيفكر سريعا في الخطوة المقبلة كما يريد أوباميانغ الآن القفز نحو إسبانيا أو إنكلترا، بعد حصوله على المصل الذي يساعده على تحمل الضغوطات والتألق رفقة الأباطرة، إنها مواجهة غير متكافئة في النهاية، تحاول كرة المال من خلالها تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.

المساهمون