قبيل عامين من موت حافظ الأسد، وقّعت تركيا، برئاسة سليمان ديميريل، ودمشق "اتفاقية أضنة"، بوساطة مصرية، وبشهادة إيران والجامعة العربية. تفاصيل الإذعان، وتنازلات وريث سلالة الأسد اللاحقة متوفرة لكل باحث. فسنوات العسل بين الطرفين استمرت حتى 2011، وخصوصاً فترة رجب طيب أردوغان كرئيس وزراء، وخلال دور الوساطة (عبر وزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو) في المفاوضات مع دولة الاحتلال. ذلك سبق انطلاق أبواق النظام، بعيد الثورة السورية، عن "سرقة تركيا مصانع حلب"، وأن "دمشق صنعت وسوقت أردوغان في الغرب"، إلى آخر الرواية البائسة عن "المؤامرة الكونية".
هي سنوات زادت على شهور العسل مع السعودية، حين أمسك ملكها الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، بيد بشار الأسد إلى بيروت، حتى بعد مقولته "أنصاف رجال" (2006)، وبعد اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري. فخلالها راح "إعلام الممانعة"، في دمشق وبيروت، ينسب أردوغان لـ"محور الممانعة"، مثلما جُعل فيه بعض الآتين على ظهور دبابات الأميركي في العراق، وإيلي حبيقة في لبنان، رغم أن يديه ملطختان بدماء مذبحة صبرا وشاتيلا. فعجت بهم كرنفالات بيروت في استعراض عضلات الخطابة عن فلسطين، فيما الفلسطيني يُنكل به في بغداد وبيروت ودمشق، وصولاً إلى اسكندينافيا وتشيلي والبرازيل، ويعاد الأمين العام لـ"جبهة التحرير الفلسطينية" محمد عباس زيدان، من الحدود السورية ليقضي في سجون الأميركي ببغداد.
الآن، بعودة رأس نظام دمشق للعبته القديمة، في محاولة فتح الأبواب مع تركيا، بعد أن قُتل المئات من عسكره ومرتزقته متعددي الجنسيات، يتوضح فارق الاستئساد على ملايين السوريين والخنوع في مواجهة قوى خارجية، جنوباً وشمالاً. فالقضية برمتها ترتبط بمشغليه ورعاته، ككباش جناحي موسكو وطهران، للإطباق على "سيادة سورية"، بتوصيف ملايين البشر كـ"إرهابيين"، وإظهار نفاق الحرص على أوروبا من اللاجئين، أي تدمير دموي نيابة عن القارة، كما ذهب سيرغي لافروف الثلاثاء الماضي. وفي هذا، وغيره كثير، يبقى الدور العربي أحد العناوين الفاضحة لهوان وتشظي وارتباك بوصلة المراهقة السياسية. ففي عُرف البعض الخليجي، وتوابعه، أن إيران "العدو الأول". ولنفترض معهم أن تركيا تلعب بورقة اللاجئين، فهل تمني انتصار مليشيات طهران والأسد سيوقف "اللعبة"؟
وفي ذات السياق المتباكي على شعب سورية، لم نسمع، لا من الأمين العام لجامعة الدول العربية ولا من عاصمتي "أم الدنيا" و"العظمى"، إجابة على: من الأولى باستقبال لاجئي سورية، الذين تهجرهم عصابات طهران وموسكو؟ أهي تركيا وأوروبا، أم هذا "الوطن العربي الكبير"، الذي تقوده سياسات طائشة نحو الهاوية وخسارة الحلفاء؟