من إدلب إلى شرق الفرات: تبادل رسائل تركية-روسية بالميدان

من إدلب إلى شرق الفرات: تبادل رسائل تركية-روسية بالميدان

18 يوليو 2020
يستمر الجيش التركي بإرسال تعزيزات إلى إدلب (كرم المصري/Getty)
+ الخط -

تتصاعد عمليات تبادل الرسائل بين تركيا وروسيا على الأرض السورية، في الشمال الشرقي والغربي منها، لا سيما بعد حادثة التفجير التي طاولت دورية روسية – تركية مشتركة على الطريق الدولي حلب – اللاذقية "أم 4" المار من إدلب الثلاثاء الماضي، وأصيب خلالها عدد من الجنود الروس، واتهمت موسكو فصائل متشددة بالوقوف خلفها. وفي حين يبدو أن روسيا نقلت مسرح رسائلها إلى مناطق النفوذ التركي بقصف طاول مدينة الباب شمال حلب، فإن تركيا ردت، على ما يبدو، بقصف نقطة تنسيق للقوات الروسية في محافظة الحسكة شمالي شرق البلاد.
وقصفت طائرة مسيرة، ليل الخميس الماضي، نقطة تنسيق بين القوات الروسية و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في ريف الحسكة الشمالي. وذكرت وكالة "هاوار" الكردية أن طائرة مسيرة، يعتقد أنها تركية، قصفت ناحية الدرباسية، مستهدفة نقطة التنسيق للقوات الروسية الواقعة على طريق الدرباسية - الحسكة، ما أدى الى إصابة عناصر روس ومن قوات النظام المرافقين لهم.
ونقلت الوكالة عن مصدر مطلع في مدينة الدرباسية قوله إنه أثناء اجتماع قيادات وعناصر من القوات الروسية في نقطة التنسيق، للتحقيق في حادثة القصف التي تعرّضت لها النقطة صباح الخميس، تم استهداف تجمّعهم من قبل طائرة مسيرة، ما أدى إلى إصابة 6 أشخاص، هم 3 من القوات الروسية و3 من عناصر قوات النظام. ويُقرأ القصف على أنه يأتي في إطار الرد التركي على قصف يُعتقد أن مصدره طائرة حربية روسية، شنت غارة ليل الأربعاء الماضي على مدينة الباب شمالي حلب، الواقعة ضمن مناطق النفوذ التركي، بحكم تفاهمات تركية وروسية ودولية. وأوقع القصف مصابين بين المدنيين، في حادثة نادرة بعد سيطرة القوات التركية على المنطقة التي تتواجد فيها الباب.

طلبت القوات التركية من فصائل "الجيش الوطني" رفع جاهزيتها واستنفار عناصرها في منطقة الباب

 

ويسود التوتر في مناطق انتشار القوات التركية وفصائل "الجيش الوطني" في ريف حلب الشمالي والشرقي في مواجهة قوات النظام و"قوات سورية الديمقراطية"، حيث طلبت القوات التركية من فصائل "الجيش الوطني" رفع جاهزيتها واستنفار عناصرها في منطقة الباب، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أشار إلى أن "الجيش الوطني" عزز قواته ورفع جاهزيته، وسط تحليق لطائرات حربية في أجواء المنطقة.
وانتقل التوتر إلى إدلب أمس الجمعة، حيث تجددت الاشتباكات وعمليات القصف بين قوات النظام السوري من جهة، والفصائل المقاتلة، المدعومة من القوات التركية، من جهة أخرى. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام قصفت فجر أمس مناطق الفطيرة وسفوهن والحلوبي ومحيط البارة بريف إدلب الجنوبي، وقرية العنكاوي بسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي. وكانت الفصائل ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين"، إلى جانب القوات التركية، قصفت ليل الأربعاء الماضي مواقع لقوات النظام في قرية ميزناز غرب حلب، رداً على قصف تلك القوات بلدة معارة النعسان ومواقع في محيطها شرق مدينة إدلب، وخروقاتها المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين الجانبين التركي والروسي في 5 مارس/آذار الماضي.

تقارير عربية
التحديثات الحية


وفي إطار التحشيد المتبادل لما يعتقد أنها جولة جديدة من القتال في تلك المنطقة، يستمر الجيش التركي بإرسال تعزيزات إلى إدلب، إذ دخل رتل عسكري عبر معبر كفرلوسين الحدودي شمالي إدلب، صباح أمس الجمعة، نحو الأراضي السورية. وتوجهت الآليات التي تحمل تعزيزات عسكرية ولوجستية نحو النقاط التركية المنتشرة في المنطقة، الأمر الذي يرفع عدد الآليات التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الأخير إلى نحو 4730 آلية، بالإضافة إلى آلاف الجنود، وفق "المرصد".
ويشير كل ذلك إلى تداخل في الحسابات الروسية – التركية شرق البلاد وغربها، مع ما يربطها بالملف الليبي أيضاً، في حين أن هناك مؤشرات على نية موسكو استئناف العمليات في إدلب، بدعم قوات النظام والمليشيات الإيرانية، بهدف قضم مزيد من المناطق، رداً على توسع سيطرة القوات الحليفة لتركيا في ليبيا، ونيتها البدء بعملية للسيطرة على مدينة سرت، ما يجعل الحسابات التركية – الروسية في إدلب وشرق سورية عموماً، تدخل في حزمة واحدة مع الملف الليبي، ومعركة سرت خصوصاً.

روسيا بحاجة الآن إلى فتح الشرايين المتمثلة بطرق العبور الرئيسية

 

ويقول الباحث في "مركز جسور للدراسات" وائل علوان إن "هناك رسائل تكون معقدة، وقراءتها تحتاج إلى الكثير من الرصد والتحليل، بحيث إن الفاعلين الأساسيين في سورية تتقاطع مصالحهم في مناطق مختلفة في سورية وكذلك خارجها، وعلى ذلك فإن العلاقات الروسية – التركية لا تقتصر على إدلب، وإنما هي حاضرة في منبج وشرق الفرات، وكذلك خارج سورية، لا سيما ما يتعلق بالملفات الساخنة والحالية، وهنا الحديث عن ليبيا، أو الملفات الأكثر بعداً واستراتيجية كملفي أذربيجان وأرمينيا".
ولا يعتقد علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المراد الروسي من التصعيد في إدلب، وحتى الباب، هو تغيير المعادلة الحالية، وإن كان لا يستبعد استثمار وجود القوات على الأرض هناك، ولا سيما فيما يتعلق بوجود قوات النظام والمليشيات الإيرانية، لأي فرصة في سبيل إحداث تغييرات ولو طفيفة في المعادلة. وقال "لكن القصف، وبشكل رئيسي، يأتي كضغط لتحسين الشروط والمواقع في عمليات تفاوضية واسعة ومعقدة، لا ترتبط بذات المنطقة التي يتم فيها الضغط، وإنما يرتبط بلعبة المصالح بين الفاعلين في أكثر من منطقة وملف".
ويوضح علوان أن "الهدف من التصعيد الروسي هو إيصال رسالة واضحة للجانب التركي، أن الروس بحاجة إلى تنفيذ الاتفاقيات بشكل يضمن مصالح أكبر لموسكو، لا سيما أن روسيا مستاءة بشكل كبير جداً من أثر وتداعيات قانون قيصر، لذلك هي بحاجة الآن إلى فتح الشرايين، المتمثلة بطرق العبور الرئيسية (الترانزيت)، وهي بحاجة كذلك لتخفيف حجم التفاعل مع قانون قيصر فيما يتعلق بالحركة التجارية. وفي جانب متصل تحتاج موسكو لضمان مصالحها على كامل الجغرافيا السورية، وأيضاً في الملف الليبي، الذي يعد ملفاً تفاوضياً بامتياز، وليس ملفاً استراتيجياً بالنسبة لروسيا".
وتأتي هذه التطورات بعد نحو أربعة أشهر على إبرام اتفاق موسكو لوقف إطلاق النار في إدلب بين روسيا وتركيا في آذار الماضي، الذي أوقف العمليات العسكرية في "منطقة خفض التصعيد" عموماً، التي تضم كامل محافظة إدلب، وأجزاء من أرياف حماة الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي، بعد أن شنت تركيا عملية عسكرية ضد قوات النظام إلى جانب فصائل سورية معارضة. ويقضي الاتفاق كذلك، بتسيير دوريات عسكرية مشتركة روسية وتركية على الطريق الدولي حلب – اللاذقية "أم 4" المار من إدلب، تمهيداً لافتتاحه أمام الحركة الطبيعة والتجارية، وهي خطوة تسعى روسيا لإنجازها بأسرع ما يمكن، في محاولة لإنقاذ اقتصاد النظام المتهاوي بفعل العقوبات.