منير الخولي... أغنية مستمرّة منذ زمن الحرب

منير الخولي... أغنية مستمرّة منذ زمن الحرب

24 نوفمبر 2019
تلقّى إرثاً موسيقياً صبغه بانفتاحه على الغرب (العربي الجديد)
+ الخط -
ينتمي الموسيقي اللبناني منير الخولي (1959)، إلى ما سمي بجيل الحرب، وهو اصطلاح يطلق على جيل الذين ولدوا بين عامي 1950 و1970، فشهدوا على مضيّ سني الحرب الطويلة التي تخلّلتها مختلف أنواع الصدمات النفسية، وانتهت بالانتقال من نظام أرساه الاستعمار الفرنسي إلى نظام جديد يتم التدليل على "بدايته" مع لحظة عقد اتّفاق الطائف.

خلال الحرب، عبّر الخولي الملحّن والمؤلّف والموزّع الموسيقي مثله مثل سائر مجايليه من الموسيقيين عن حبٍ للوطن يكتنفه الحسّ النقديّ. بعد وقف إراقة دماء اللبنانيين، تألّم الخولي على النوم السريري الذي عاشته المواطَنة بين ضجّة الاستهلاك وإعادة الإعمار وتسلّم زعماء الحرب السلطة وطمس الذاكرة.

قال الخولي في إحدى مقابلاته إن اللبنانيين يعيشون "وهم الطَلْعَة (الخروج) من الحرب". اليوم، فقد بات لقاؤنا بالخولي تحت مجهر ثورة الشعب اللبناني على هذا النظام السياسي - الاقتصادي بالتحديد ذا دلالة كبيرة، إذ يجسّد عازف الغيتار البيروتي عملية مدّ الجسر في تلك المرحلة المُعتِمة من التاريخ اللبناني الحديث بين جيلين من الشباب، شهد كلّ منهما تغيّرات جذرية في لبنان.


جيل "الكاسيت"
انتمى الخولي إلى محيط موسيقي فيه مؤلّفون وملحّنون وموسيقيون، أمثال عيسى غندور وهاني سبليني وغازي عبد الباقي وتانيا صالح. كان كلّ هؤلاء على اتصال وثيق بالجيلين السابقين لهم، ففي حين ساهم الجيل الأول في تشكّل الموسيقى اللبنانية الحديثة الكلاسيكية، مثل الأخوين الرحباني وفيلمون وهبي وعمر الزعنّي من بين آخرين، ساهم الجيل الذي تلاه في خلق الموسيقى اللبنانية الحديثة غير الكلاسيكية، ومن هؤلاء مارسيل خليفة وزياد الرحباني وعصام الحاج علي من بين آخرين. لهذا، تلقّى الخولي ومجايلوه إرثاً موسيقياً صبغوه بانفتاحهم على الغرب وموسيقاه، كما بحماستهم الشبابية آنذاك.

وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن الخولي وسائر مجايليه كان لهم أن يصبحوا في سنّ الخامسة عشرة من العمر بين عامي 1965 و1985، لنا أن نتذكّر حينها أنهم كانوا أول من اتصل بالإنتاج الموسيقي الغربي من خلال الكاسيت (cassette tape)، فقد استمع هؤلاء في شبابهم من خلاله إلى أغانٍ غربية كانت رافضة للمحافظة الاجتماعية، من حيث الكلمات، بينما اختلفت من حيث الموسيقى عن القواعد الكلاسيكية للموسيقى وعن الجاز، ما أدّى إلى بروز الروك.

كما أتاح انتشار الكاسيت للشباب ولأول مرّة فرصة تسجيل موسيقاهم خارج الاستديو. لكن رغم انتماء الخولي إلى جيل محدد في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، إلا أنه تفرّد بأسلوبه الذي استند، برأينا، إلى ركنين أساسيين: مركزيّة الجمهور وغلبة التعبير الشعري (الكلمات) على الجانب الموسيقى، اللذين أتيا كلاهما كانصهار بين أسباب اجتماعية وأخرى موسيقية.

غيمة في السماء
أثناء وجوده في أميركا، ألّف الخولي كاسيت أوّل بعنوان "هيك حنشتغل؟" (1987)، ألحقه بكاسيت ثانٍ عنوانه "خاتمة هيك حنشتغل؟" (1988). قام الخولي بالتسجيل عبر التحايل على تقنية الكاسيت البدائية؛ إذ سجّل جمل كل آلة/ صوت على حدة ليعيد جمعها بتسجيل واحد. أثناء زياراته المتقطعة للبنان، اختبر في عام 1987 أولى أواصر علاقة الحبّ التي ستُبنى بينه وبين الجمهور اللبناني آنذاك، وذلك في حفلة أقامها في حرم جامعة الـBUC (اليوم الجامعة الأميركة اللبنانية LAU).

أقام الخولي تلك الحفلة من دون أن يراهن على كونها ستشكّل بدء مسيرته الفنّية. وبعدما خال لمرّات عدة لاحقة أنه أنهى تأليفه للجماهير، طالبه الناس بجديد موسيقي؛ ما جعله يقيم حفلتين أُخريين في عامي 1988 في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) و1991(BUC).

إن تقديم الخولي أعماله على مسرح الجامعات سمح له أن يحتك بجمهور جامعي، أكثر قابليّة من غيره للاستماع إلى الرسالة السياسية. ونظراً إلى أن السياق التاريخي الاستثنائي الذي أتت فيه حفلات الخولي كان الحرب الأهلية اللبنانية، يمكننا القول إن حفلاته وموسيقاه لا تحمل "رسالة" بالمعنى التوعوي فحسب، بل كانت فعلاً سياسياً بحدّ ذاته. يثبت هذا الأمر جملة للخولي لا نعهدها تأتي عادة على ألسنة الموسيقيين: "هدفنا نوعّي: قوم من التخت، انزل عالطريق، تظاهر، عملّك شي شغلة، إذا ما عاجبك الوضع تحرّك!".

إحدى أفضل الأمثلة على استثنائية الرابط الذي قام بين الخولي وجمهوره كانت حفلة عام 1988 على مسرح الجامعة الأميركية في بيروت، المشوبة بالحماسة، والتي اكتست بطابع مسرحي لمقدار ما كان تفاعل الخولي مع الجمهور قويّاً؛ إذ كان يخاطب الجمهور مراراً كمجموعة أو كأفراد.

بعدما استقرّ الموسيقي العائد إلى لبنان عام 1992، تعرّف إلى أحد أفراد اللجنة المنظّمة لـ"مهرجان شارع الحمرا"؛ حيث قدّم حفلاته اللاحقة في هذا المهرجان بشكل أساسي. بعد ذاك، تغيّر جمهور الخولي، وما عاد مشكّلاً من طلاب فقط، بل بات خليطا اجتماعيا يتضمّن المستمع المتنبّه وغير المتنبّه إليه.

تحدّث الخولي في إحدى مقابلاته بشكل مقارن عن حفلاته الحيّة قبل الـ1992 وبعدها؛ فقال: "بالـ85 لما بلّشت غني بأيام الحرب كان عندي شي قوله أكثر للشعب والشعب كان حابب يسمعني أكثر. هلأ عم عاني شوي لأنه من دون شك اللبناني اليوم بدّه ينسى. بده يصدّق إنه هو هالغيمة بالسما. أنا ما فيني ساعده بهالحلم. مشان هيك اليوم مش كثير محلّي إني لاحق اللبناني برسائلي".

نستقرئ هنا وجود اختلاف في المناخ الوطني بين عامي 1985 و1990. فبين هذين العامين، طرأت تغيّرات في السياق الاجتماعي - الاقتصادي للبلاد، فمن الناحية الاقتصادية، تغيّر سوق الموسيقى؛ إذ كبرت شركات الإنتاج وزادت الفروقات بين موسيقاها الجماهيرية وتلك غير الجماهرية. أما من الناحية الاجتماعية، فقد أراد الناس قبل كل شيء أن "يمضوا قدماً" من دون أن يلتفتوا إلى محاسبة زعماء الحرب أو إلى المصالحة الوطنية في ما بينهم، ولعل هذا ما أشار إليه الخولي عندما قال: "بيضل الواحد بيحط تحت السجادة بهالبلد... الناس قبلانة بالواقع إذا مش مبسوطة فيه حتى".

بعد مرور 16 سنة على إقامته لأول حفل موسيقي، أي بعد أن كان قد ألّف معظم أغانيه، صدر عام 2003 ألبومه الثالث ذا العنوان الساخر "تنّين الطرب". تكمن أهميّة هذا الألبوم في أنه الأول الذي تم تسجيله في الاستديو. لم يلجأ الخولي في هذا الألبوم إلى التكنولوجيا المعوِّضة عن الآلات، إذ أنجز ألبومه بالاشتراك مع موسيقيين آخرين، ما يجعل جودة التسجيل ممتازة وكلفته باهظة. ونتيجة ذلك، استغرق إتمام الألبوم وإنتاجه فترة 8 سنوات من الجهد الشخصي الدؤوب.

في العام نفسه، أعاد الخولي أداءه لأغنية "السن بالسن" في حفلة له في قصر الأونيسكو عام 2003، مضيفاً عليها تغييرات مثيرة للاهتمام من حيث الكلمات والأداء، وقد تمّ تسجيلها بجودة ممتازة مقارنة بتلك التي صدرت عام 1995، ما يجعلنا نعتقد أن استعادة أي من الأغاني غير المسجّلة بجودة حسنة يجب أن يأخذ في الاعتبار حقيقة أنها ربما تكون قد سجّلت بحلّة غير نهائية.

وبسبب ظروف الخولي الشخصيّة والسياق الاجتماعي الاقتصادي والتاريخي الذي أتت فيه موسيقاه، وكونها كانت فعلاً سياسيّاً، ارتبطت أغلبية مسيرة الخولي الفنّية بالعرض الحيّ؛ فتأسّس أسلوبه على أن يكون أمامه جمهور "مرسَل إليه". لكن هناك أسباباً موسيقية أخرى ساهمت هي أيضاً في تعزيز مكانة الجمهور/ العرض الحي قامت على غلبة التعبير الشعري على الموسيقى.


السن بالسن
لا نجد في أغاني الخولي تطرّقاً إلى ثيمة الحب، إذ حاز النقد الاجتماعي حصّة الأسد من اهتمامه. وقد يكون هذا ما أشار إليه عندما قال في إحدى مقابلاته: "في المونولوج، مألوف انتقاد الرؤساء والسياسة، نحن شلنا المونولوج، حطيناها عالراديو". لكن بالرغم من أن رفض هيمنة موضوعة الحب في الأغاني بات أمراً مشتركاً بين كل من ساهموا في الموسيقى اللبنانية الحديثة غير الكلاسيكية، إلا أن تنوّع المواضيع التي تناولها الخولي كان العلامة الفارقة التي ميّزته عن مجايليه، إذ نرى في بعض أغانيه بعداً أخلاقيّاً، كما في أغنيتي "السن بالسن" و"مليح" (عن الفضائل)، بينما نجد في بعضها الآخر فكاهة عاديّة يوميّة، مثل "بوليفار" (هي أشبه بالنكتة)، وتأملات شخصية، مثل أغنيتي "نصر الدين" (عن اقتناء عصفور)، و"عالكورة" (فانتازيا العيش في القرية).

لا تُستغربُ فرادة الخولي التي تظهر جليّة عندما يحادثه المرء؛ فيخاله يؤلّف أبيات أغنية ما، فهو يبدو دائماً منشغلاً بقوة الكلمات وبتعدّد أشكال التعبير الكلامي. قد تكون أغنية "هيك حنشتغل؟" مثالاً بيّناً على ذلك، إذ استخدم فيها جملة طويلة كانت قد وردت في جريدة خلال فترة الحرب الأهلية تحدّثت عن مفاوضات دولية متعلّقة بلبنان. يتلو الخولي تلك الجملة بنبرة مذيع نشرة الأخبار، مضيفاً بذلك بعض الفكاهة على أغنية موضوعها في الأصل هو مأساة الحرب. كان الخولي قد احتفظ بالجملة في سجل القصاصات الخاص به، وقال عنها لاحقاً في إحدى مقابلاته: "ما بتفهم منها شي. كلام فاضي. استعملتها بالغنية لفرجي كيف السياسيين بيتضحكوا علينا لليوم".



خارج الكليشيهات
أبرز ما يمثّل مركزية شخص الخولي الصارخة هي طريقة أدائه لكلماته، أي نبرة الصوت والقرار في ما يخص الاتجاه اللحني للأبيات. يمكن للمستمع تبيّن ما نعنيه من خلال استماعه لأداء الخولي لأعمال الراحل عمر الزعني في حفل تكريم للأخير أقيم في الأونيسكو في عام 2010. تمكّن الخولي آنذاك من جعل قصائد الزعني "أحد أولاده"؛ أي أنّها بدت وكأنها من تأليفه، فنقلَ لنا انطباعاته مثلما قد نتلقّى تصوّرات الرسام في اللوحة الانطباعية. كان الخولي قد أشار إلى مسألة أدائه لأغانيه في إحدى مقابلاته قائلاً: "أنا مثل كثير ناس اللي بيكتبوا أغاني عن داخلهم، ما بيقدروا يسلموهن لحدا تاني.. التاني ما بيعرف كيف يغنّيها". لذا، يجدر بنا هنا ذكر أن القدرة الغنائية، التي لا يدّعيها الخولي، ليست مركزية في الموسيقى الحديثة، عكس المكانة التي تحتلها القدرة التعبيرية.

لكن بالرغم من أن الجرأة في كسر المحظور الاجتماعي هي أمر مشترك بين الخولي والآخرين ممن ساهموا في الأغاني اللبنانية الحديثة غير الكلاسيكية، إلا أن جرأته التي لا تقتصر على الشتم أو تخطّي المحظور الجنسي - وبالمناسبة قليلاً ما تحتوي أغانيه على هذه المضامين - تمتدّ إلى تناول مواضيع غير معهودة خارج الكليشيهات. فأغنية "زت بصلة" تخبرنا عما خلف استعراضية الولائم الفخمة من تخمة ونهم وإسراف، إذ نسمع فيها صوت تجشؤ تليه عبارة "هيدا خروف ولا بقر؟"، وصوت غيتار ممغوط ثم عبارة "آخ يا بطني!".



بالعربية الفصحى
عندما نتعمّق في مبادئ التأليف الموسيقي عند الخولي، نرى أن عناصرها عبارة عن مادة موسيقية بسيطة، أي جمل لحنيّة أو إيقاعيّة أساسية تعاد مع بعض التنويع، إلى جانب وجود مؤثرات صوتية. لكن بفضل التوزيع الدقيق، تترتّب هذه العناصر والكلمات بفرادة تحول دون رتابة الأغاني، ما يجعل كل واحدة من الأخيرة أشبه بلوحة تشكيلية. بالرغم من غلبة التعبير على التعقيد الموسيقي في معظم أعمال الخولي، إلا أننا نجد في بعض أغانيه توازناً أكبر بين الكلمات والموسيقى، كما في الأغاني "أنا إنسان" و"مليح" و"نصر الدين" و"شو هالغلاء" و"كان يا ما كان" و"كفاية" و"كلّنا للوطن" و"أربع سنوات".

تتحدّث أغنية "أربع سنوات" عن الغربة، وكان الخولي قد كتبها في الولايات المتحدة بعدما أمضى هناك أربع سنوات. هذه الأغنية هي من بين الأغاني الثلاث الوحيدة التي ألّفها بالفصحى. لا نجد فيها بلاغة فائضة، بل يركن الكاتب إلى أسلوب مباشر في التعبير الوجداني. تتألّف هذه الأغنية من ثلاثة أقسام يفصل بينها مقطع موسيقي صغير، ونجد وفي كل قسم 4 أبيات يساوي كلّ منها ثماني وحدات زمنية. تنطوي هذه الأغنية من حيث الشكل على تلازم كبير من الموسيقى والكلمات، ففي حين أن أول بيتين يتحدّثان عن مرور الوقت، إلا أن ثاني بيتين يفصّلان مشاعر الغربة. وتعلّم الموسيقى هذا الانتقال في المعاني عبر تغيّر مؤثّر في الهارمونيا. هاكم القسم الأول:

1 - أربع سنوات في الولايات وهي أشبه بأربعين سنة (8 وحدات زمنية)
2 - ثمانية وأربعين شهراً ويومين وساعة وكلها رأتني لاهث القلب والرئة (8 وحدات زمنية)
3 - هنا أيضاً تفيق الشمس من شرق البلاد وتغوص في المحيط غرباً حافظةَ الميعاد (8 وحدات زمنية)
4 - إلا أن تمرّد جفني وعصيان عينيي أسهراني الليل وأنا أحلم بك من بعد الأبعاد (8 وحدات زمنية تقريباً)

أما في نشيد "كلّنا للوطن" الذي عهدناه بحلّته الأصلية في سلّم الصول ماجور مع غلبة للتشكيل الإيقاعي على التلوين الهارموني، ما عكس نظرة انتماء إلى الوطن ذات طابع عسكري ومثالي، فقد ألبسه الخولي حلّة روحية ونقله إلى سلّم المي ماجور وجعل فيه تلويناً هارمونياً ومناحي ميلودية جسّدت نظرته المزدوجة إلى الوطن والتي يمتزج فيها الحب والنقد والأمل والخيبة.

نرى في هذا النشيد القصير مزجاً مثيراً للاهتمام بين الميلوديا والداعمة الهارمونية. فالداعمة الهارمونية منقسمة بين المدى الصوتي (register) السوبرانو (هنا الكورس النسائي الذي يأتي على سلّم الدو دياز مينور) والمدى الصوتي الألتو يأتي على المي ماجور (آلة الغيتار). وقد شكّل هذان العنصران ما نسمعه في بداية النشيد. أما غناء الخولي فيتم في المدى الصوتي الباص: بعد المقدمة الموسيقية نسمع جملة كروماتية من قبل الغيتار تؤمّن للخولي بدؤه في الغناء بالنوتا سي.

وعلى خلاف النشيد الأساسي الذي لا يوجد توتّر هارمونيّ فيه، نتهيّأ في جملة "سهلنا والجبل منبت للرجال" لتوتر يتصاعد إلى أقصاه مع "قولنا والعمل" يصاحبه انتقال من المي ماجور إلى الدو دياز مينور ثم إلى سي ماجور. إلا أن هذا التصاعد ينقطع بالتوازي مع جملة "في سبيل الكمال" التي يتم غناؤها بمنحى تنازلي يتعارض مع معناها نفسه؛ إذ نسمعها أقرب إلى الانزلاق منه إلى الكمال! فبعدما كنا قد "تفركشنا" فيما نحن على "درب الكمال"، نعود سالمين إلى الدار التونالي (مي ماجور) وإلى لبنان الظافر مع إعلان الخولي في المدى الصوتي العالي: "كلّنا للوطن!".


فنّان في انتفاضة 17 أكتوبر
تلازم مسار منير الخولي الموسيقي مع مساره العام في الحياة؛ فشبّ في الحرب الأهلية اللبنانية ليسافر إلى أميركا تاركاً أهله في لبنان، ليعود إليه مع انتهاء الحرب. كانت غربته إحدى أهم دوافع تأليفه لأغانيه؛ إذ صبّ مراحل حياته في أغانيه.

إضافة إلى هذا الجانب الذاتي، أتت أعماله كأفعالٍ سياسية وطغى فيها التعبير على التعقيد الموسيقي، ما جعل وجود الجمهور مركزياً. وربّما كان أسلوب الخولي الموسيقي محور علاقة جدلية بين الظروف الموضوعية والمقاربة التأليفية؛ حيث أثّر كل منهما في الآخر، فمع تغيّر حال العرض الحي موضوعيّاً، صارت مركزيّة الجمهور في موضع إشكال بعد استقرار الخولي في لبنان عام 1992.

لهذا، فإن قياس إسهامات الخولي بعدد أغانيه مقاربة مغلوطة، بينما يحتمل الأمر المزيد من التفصيل والبحث عبر مقابلة تواريخ تسجيل الأغاني وتأليفها بالتوازي مع أعماله الأخرى، كتلك التي ألّفها للإعلانات والبرامج التلفزيونية وتعاونه مع موسيقيين آخرين، مثل مرافقة زياد رحباني وفيروز في الحفلات، وتأليفه أغاني بالإنكليزية ومعاينة المحيط الغني الذي قاربه.

إنّ ما يشير إلى بقاء شباب وثورة الخولي الموسيقية والسياسية إلى يومنا هذا هو مواكبته لثورة 17 أكتوبر، حيث ألّف أغنية "كلن يعني كلّن". ولعل تفاؤل الخولي بعد كل ما عايشه، يكون دليلاً لمسيرة شباب الوطن الحائرين اليوم بين أن يزيدوا من راديكاليتهم الثورية أو أن يركنوا إلى الواقعية في ظل أزمة معيشية خانقة. إذ لا يبدو لنا أن التحلّي بالأمل هو خيار تفاؤلي فحسب بل هو ضرورة، فماذا يبقى لنا "لولا فسحة الأمل"؟

المساهمون