منية الشاهد... أول تونسية ترسم تحت الماء

منية الشاهد... أول تونسية ترسم تحت الماء

07 ابريل 2020
هذه مساحتها للرسم (العربي الجديد)
+ الخط -

ليس مألوفاً أن يختار أحدهم الرسم تحت الماء. وقد لا يبدو الأمر منطقياً أو ممكناً. إلا أن التونسية منية الشاهد أرادت خوض هذا التحدي لتكون أول تونسية ترسم تحت الماء، حيث وجدت فضاء أوسع للتعبير عن القضايا التي تؤمن بها
يعدّ فن الرسم بالنسبة للبعض مجرّد ألوان وفرشاة تظهر الأفكار بأشكال مختلفة. لكنه أيضاً، قد يكون بداية لمزيد من الإبداع والابتكار. وهذا حال الرسامة العصامية منية الشاهد التي خرجت عن المألوف، وتركت شروق وغروب الشمس والمناظر الطبيعية والساحات لتغوص في أعماق البحر وترسم لوحاتها التي تعكس هموم وطنها. ربّما اختارت أسلوباً مختلفاً وجاذباً في الوقت نفسه، تستطيع من خلاله إيصال أفكارها إلى كثيرين.

أحبّت الألوان والرسم منذ كانت طفلة. وفي المدرسة، كانت لوحاتها تُعلّق على جدران الصف والمدرسة. وعلى الرغم من موهبتها، لم تتمكن من دراسة الفنون الجميلة في الجامعة. إلّا أنّها طورت موهبتها بنفسها خلال أوقات فراغها. دأبت منية على زيارة المعارض للاطلاع أكثر على إنتاجات بعض الفنانين. وفي عام 2002، التحقت بأحد النوادي المتخصصة في الفنون الجميلة، ما ساعدها على الاطلاع على مختلف المدارس الفنية وتجارب رسامين آخرين.

منية من منطقة مساكن في محافظة سوسة التي لقبت بجوهرة الساحل في تونس بسبب جمال بحرها. تقول إنّها "تعشق البحر كونه ملهمها الأول. في البداية، كانت تستخدم الألوان لتعبر عن أفكارها بألوان وأشكال وتعابير مختلفة في مكان مغلق أو في بعض الساحات العامة أو الفضاءات العمومية في الطبيعة".



وسعت إلى توظيف ريشتها وألوانها للدفاع عن قضايا وطنية وتسليط الضوء على المشاكل البيئية والاجتماعية، لا سيما قضايا المرأة والحفاظ على البيئة البحرية والفقر. لكنّ تعلّمها الغوص عام 2013 ألهمها فكرة الرسم تحت الماء وفي أعماق البحر. "حتى البحر يمكن أن يكون فضاء للرسم مثل أي فضاء آخر"، كما تقول. تضيف: "الفكرة مختلفة وصعبة نوعاً ما، خصوصاً في البداية. ولكن بعد محاولات عدّة، اعتدت على المكان في أعماق البحر وظروفه.

وليس بالضرورة أن أرسم ما أراه في ذلك المكان، بل قد أرسم أشياء مختلفة تماماً. اعتدت على برودة المياه وضغطها والإضاءة والوقت، وبتّ أنهي اللوحة خلال نصف ساعة أو 45 دقيقة على الأكثر".



تجربتها تلك جعلتها تبحث أكثر في أنواع الألوان التي يمكن أن تصمد تحت الماء من دون أن تتحلل. جرّبت العديد من الأنواع والتقنيات حتى تستطيع تثبيت الألوان على لوحاتها تحت الماء. واستطاعت أن تخلق للفن فضاء جديداً، إذ "لم تعد الطبيعة البرية وحدها المكان الملهم للفنان، أو الجلوس على الشاطئ قبالة البحر. بل إن أعماقه أيضاً قد تكون فضاء ملهماً".



لم تكتف منية بالرسم في أعماق البحر فقط، بل أقامت معرضاً للفنون التشكيلية تحت الماء في مارينا القنطاوي بعنوان "نقطة ضوء"، وعرضت أكثر من أربعين لوحة على مدى يومين بمساعدة نادي الغوص في المحطة السياحية في المنطقة. وعلى الرغم من أنّها اختارت أعماق البحر لعرض لوحاتها، إلا أنّ المعرض لم يكن من دون زوار، بل تابعه العديد من هواة الرسم والفضوليين، الذين تفرجوا على منية بواسطة شاشات جهزت لنقل ما هو تحت البحر في مكان جمع العشرات، إضافة إلى غواصات لنقل الزوار التونسيين والأجانب بإشراف نادي الغوص بالمنطقة، ومجموعة من الغواصين شرط أن يكون الزوار في أعماق البحر قد تدربوا سابقاً على الغوص.



وتشير إلى أن آخر لوحاتها حملت عنوان "شهيدة لقمة العيش"، والتي عبرت من خلالها عن الفاجعة التي شهدتها منطقة السبالة في محافظة سيدي بوزيد، والتي توفي فيها 12 شخصاً في حادث مروري، غالبيتهم من العاملات في قطاع الزراعة. وتؤكد أنّها تحاول تسليط الضوء على مختلف المشاكل الاجتماعية في تونس، لا سيما الفقر والبطالة والاستغلال أو العنف، وما شهدته البلاد من أحداث مؤلمة، خصوصاً بعد الثورة".



"الفنّ ليس لكسب العيش كما يعتقد البعض. على الرغم من أنني أرسم لوحات منذ سنوات، إلا أنّني لا أبيعها. أكتفي بإقامة معارض وعرض اللوحات، أو أهديها لبعض الأصدقاء المقربين أو الجمعيات والمنظمات الخيرية". وتشير إلى أنها شاركت في عدد من المناسبات الثقافية في عدد من الدول الأجنبية للحديث عن تجربتها في الرسم تحت الماء. تقول: "أشعر بالفخر كوني أول تونسية حاولت الرسم في أعماق البحر ونجحت في ذلك"، وتتمنّى أن تنقل تجربتها إلى الجو وترسم وهي تحلّق في السماء، على حد قولها. "أي مكان أو فضاء خارجي هو ملهم للإبداع والرسم". اختارت منية طريقاً مختلفاً عن كثير من الرسامين. إلا أنها نجحت في التعبير عن حبها للفن وإيصال الرسائل والتعبير عن القضايا التي تدافع عنها وتؤمن بها.

دلالات

المساهمون