منتحلو صفة.. أطباء سوريّون في الأردن

منتحلو صفة.. أطباء سوريّون في الأردن

26 فبراير 2016
قد ينكشف أمره في أية لحظة (الأناضول)
+ الخط -

يغامر كامل (اسم مستعار)، الطبيب السوري المتخصّص في جراحة الأطفال، في عمله في أحد المستشفيات الخاصة في العاصمة عمّان. يُدرك أنه قد ينكشف أمره في أية لحظة ويقاد إلى السجن بتهمة "انتحال شخصية". الأكثر خطراً هو احتمال أن يعاد قسراً إلى بلاده التي فرّ منها قبل أكثر من عامين هرباً من الحرب.
يعمل كامل بشكل غير قانوني، علماً أن القانون الأردني يمنع على الأطباء غير الأردنيين العمل في القطاع الطبي، ويشترط عليهم الحصول على شهادة مزاولة مهنة، في وقت ترفض نقابة الأطباء الأردنيين منحهم إياها. أما هو، فيبرّر عمله المخالف بالقول: "لا يوجد خيار آخر أمامي".

الحماية الوحيدة التي استطاع تأمينها لنفسه هي العمل منتحلاً اسم طبيب أردني. يقول إن "عشرات الأطباء السوريين يعملون منتحلين أسماء أطباء أردنيين. أحياناً، يعمل أكثر من طبيب سوري منتحلين اسم طبيب أردني واحد". إلا أن هذا الغطاء يبدو هشاً، وقد اكتشفته نقابة الأطباء الأردنيين ورفعت شكاوى إلى مديرية ترخيص المهن والمؤسسات الصحية التابعة لوزارة الصحة الأردنية.
لجأ كامل (50 عاماً) إلى الأردن نهاية عام 2013 برفقة عائلته. وعمل في مهنته بانتظار الحصول على فرصة عمل مناسبة خارج الأردن. يتمنى ألا ينكشف أمره خلال هذه الفترة. ويسأل: "ماذا يمكن أن يفعل الطبيب غير ممارسة الطب؟ يستحيل أن أعمل بائعاً في محل".
من جهة أخرى، يدرك كامل أنه يُستغل بسبب ظروف عمله. على سبيل المثال، يحصل على راتب شهري قدره 500 دينار (نحو 704 دولارات)، علماً أن لائحة أجور الأطباء في النقابة تحدد الحد الأدنى لراتب الطبيب المتخصص بـ 1500 دينار (نحو 2112 دولارا).
يقول: "هذا هو المتاح حالياً. يسعى المستشفى إلى الحد من النفقات، فيما يحصل الطبيب الذي أعمل منتحلاً اسمه على مبلغ مالي". عزاؤه الوحيد أنه ما زال يمارس مهنته، بانتظار الحصول على فرصة أخرى.

الخوف من كشف أمر الأطباء السوريين الذين يعملون منتحلين أسماء أطباء أردنيين هو ما دفع الطبيب السوري عبد الفتاح (اسم مستعار) إلى ترك مهنته. يقول: "مارست مهنة الطب طوال العام 2013 منتحلاً اسم طبيب أردني. خلال هذه الفترة، كنتُ أعمل بخوف شديد". ويذكر إقدام السلطات الأردنية على ترحيل أطباء سوريين إلى بلادهم لمزاولتهم المهنة بشكل غير قانوني في الأردن.
تجدر الإشارة إلى أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" كانت قد انتقدت في نهاية ديسمبر/كانون الأول عام 2014 ترحيل السلطات الأردنية تسعة سوريين يعملون ضمن فرق طبية تقدّم الرعاية للجرحى السوريين. وضمت المجموعة يومها أطباء وممرضين كانوا يعملون مع مكتب تنسيق لرعاية الجرحى السوريين، وهو يمثل منظمة سورية تنسق مع شبكات طبية غيرِ رسمية في سورية لنقل الحالات الطارئة للعلاج في الأردن بالتنسيق مع السلطات الأردنية.

بالإضافة إلى هؤلاء التسعة، رحّلت السلطات الأردنية مطلع يناير/كانون الثاني 2015 الطبيب السوري محمد اليوسف إلى الأراضي السورية قسراً، برفقة عائلته بعدما ضبطته يمارس مهنته بشكل غير قانوني. وكتب اليوسف على صفحته على فيسبوك في 3 يناير/كانون الثاني الماضي: "أنا في الأراضي السورية. رحلت قسراً وتعسفاً برفقة عائلتي". ويقول لـ "العربي الجديد" إنه "رحّل بتهمة علاجه جريحاً سورياً كان يقاتل مع جماعه إسلامية في سورية، وقد وصل إلى الأردن للعلاج". يضيف أنه "كان يعمل بعلم السلطات الأردنية، وأن السلطات هي التي كانت تجلب الجرحى"، مشيراً إلى أن هذه التهمة "كانت لمجرد التغطية على أمر آخر".

من جهته، يقول الطبيب الستيني عبد الفتاح إن جريمة زميله المُرحل كانت ممارسته عمله بشكل غير قانوني، من دون أن يتسنى تأكيد الأمر من مصدر رسمي أردني. عبد الفتاح، وهو استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد، يعمل اليوم في وظيفة إدارية لصالح منظمة إغاثة أجنبية تعنى بعلاج اللاجئين السوريين في الأردن. يشير إلى أن عمله الآن "أكثر أماناً من السابق".
في المقابل، يدافع نائب نقيب الأطباء الأردنيين رائف فارس عن موقف نقابته الرافض لعمل الأطباء السوريين في القطاع الصحي الأردني. يقول إنه "من واجب أي نقابة في أي دولة عربية حماية الأطباء المنتسبين إليها". وفي وقت لا يوجد إحصائية حول عدد الأطباء السوريين المتواجدين في الأردن، يشير فارس إلى تسجيل النقابة عشرات الأطباء السوريين في سجل مؤقت يجدد سنوياً. وعلى الرغم من ذلك، يمنعون من العمل في القطاع الأردني الحكومي والخاص. يضيف: "لا يمكن السماح لهم بالعمل في القطاع الأردني، باستثناء العمل مع اللاجئين السوريين".
يدرك فارس أن العديد من الأطباء السوريين يعملون تحت غطاء طبي أردني. يقول: "يبقى اسم الأطباء الأردنيين على سجل المزاولين حتى بعدما يتوقفون عن ممارسة المهنة بحكم تقدم العمر. بعض هؤلاء يسمحون للسوريين بالعمل بعد انتحال أسمائهم".
ويرى أن "النقابة تحرص على حماية مهنة الطب وسمعة المملكة في هذا الإطار"، لافتاً إلى أنها تخشى أن يكون هناك منتحلون لصفة الطبيب، وخصوصاً أن العديد من الأطباء السوريين قد غادروا البلاد من دون أن يحملوا أي شهادات، عدا حرص النقابة على حماية حقوق المريض والحصول على أفضل خدمة طبية، وحماية الطبيب الأردني من منافسة غير الأردنيين في ظل وجود بطالة. ووفقاً لإحصائيات وزارة الصحة مطلع ديسمبر/كانون أول 2015، يوجد 1500 طبيب أردني أنهوا امتحان الامتياز من دون أن يتمكنوا من إيجاد فرص عمل.

وصنّفت قائمة المهن المغلقة في وجه غير الأردنيين، والصادرة عن وزارة العمل مطلع يناير/كانون الثاني 2016، "جميع التخصصات في المهن الطبية والطبية المساندة مهن معلقة، باستثناء الحالات التي لا يتوفر فيها بديل أردني، شرط الاستئناس برأي الجهات المعنية ذات العلاقة ووزارة الصحة، وديوان الخدمة المدنية، والنقابة العامة".
ويشير الناطق باسم وزارة الصحة الأردنية حاتم الأزرعي إلى عدم وجود نقص أطباء في الأردن، حتى يسمح للأطباء السوريين بالعمل في القطاع الصحي الأردني. يضيف: "لو كان هناك نقص لسمح لهم بالعمل".

اقرأ أيضاً: لاجئون في الأردن يتلقون المساعدات ببصمة العين