مناطق الركام: آلاف المساكن الآيلة للسقوط تهدد سكان الجزائر

مناطق الركام: آلاف المساكن الآيلة للسقوط تهدد سكان الجزائر

22 فبراير 2016
مئات الأبنية مهددة بالسقوط في الأحياء القديمة (Getty)
+ الخط -
يكثر الحديث عن وضعية المساكن في الجزائر هذه الأيام، في ظل المشاريع السكنية الضخمة التي تخطط الحكومة لإنجازها، والتي قاربت مليوناً و600 ألف وحدة سكنية بمختلف الصيغ. فسياسات الإسكان الفاشلة التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في البلاد، خلفت أزمة سكن حادة نتيجة المحسوبية والرشوة والفساد المستشري في مفاصل الدولة، وفق ما يؤكد المتابعون لهذا الملف. ومن بين تفرعات أزمة السكن التي يعيشها المواطن الجزائري تظهر مشكلة المساكن الآيلة للسقوط، وهي المساكن التي لطالما أرقت ساكنيها، منذ زلزال 21 أيار/ مايو 2003، الذي ضرب ولاية بومرداس شرق العاصمة، وعرّى عيوب الأبنية كلها، مخلفاً 1391 قتيلاً ونحو ثلاثة آلاف مصاب، بعدما دمر أكثر من 9400 مسكن، وألحق أضراراً متفاوتة بأكثر من 82 ألف مسكن. الآلاف تحت رحمة مساكنهم فقد أحصت الحكومة حالياً نحو نصف مليون وحدة سكنية مهددة بالسقوط، يتركز معظمها في المدن الكبرى، كالعاصمة التي تحتضن النسبة الأكبر من المساكن التي تعاني من الهشاشة، لاحتوائها على أبنية تعود إلى منتصف القرن السادس عشر، كحي القصبة العتيق المهدد في أية لحظة. وتحتل كل من ولاية وهران، وعنابة، ثم القسنطينة المركز الثاني بعد العاصمة، حيث تعود المساكن الآيلة للسقوط بها إلى الحقبة الاستعمارية، أي قبل 60 عاماً، فيما تعود أبنية أخرى، إلى أيام الحكم العثماني، حيث تستوعب المدن المذكورة مجتمعة ما لا يقلّ عن 85 ألف مبنى مهدد بالسقوط. وهذا الرقم يرتفع أضعافاً في حال احتساب عدد السكان المهددين من جراء هذه الأزمة، وعلى اعتبار أن النصف مليون شقة تضم عائلات بمتوسط عدد أفراد يصل إلى 4 أشخاص في كل شقة، تكون النتيجة أن 1.5 مليون شخص يتعرض إلى خطر على حياته بسبب عدم إيجاد حلول لهذه الأزمة، ليرتفع العدد إلى 2.5 مليونَي مواطن في حال احتساب متوسط عدد أفراد العائلة خمسة أشخاص. ويزيد العدد أضعافاً مضاعفة في حال الركون إلى أرقام الجمعيات، المعنية بهذا الملف، من دون الأخذ بالإحصاءات الرسمية. انهيارات متوقعة في عام 2007، أحصت الجزائر انهيار أكثر من ألف وحدة سكنية بسبب هشاشة البناء، خلف مقتل 20 شخصاً وإصابة نحو 45 جزائرياً، ناهيك عن تشريد أكثر من 1700 مواطن. وما يثير قلق وخوف قاطني هذه الأبنية، هو الطبيعة الجيولوجية لشمال البلاد المتميزة بالنشاط البركاني، حيث أحصى مركز البحوث في علم الزلازل وعلم الفلك والجيوفيزياء في الجزائر نحو 10 آلاف هزة أرضية سجلت بين 1998 و2014، وهي الوضعية التي تطرح أكثر من سؤال عن سبب بقاء هذه الأبنية على هذه الحال طيلة هذه المدة، دون القيام بأية أعمال صيانة أو ترميم، خاصة وأن طابعها المعماري لا يتناسب مع الحياة الاجتماعية للعائلة الجزائرية المتميزة بكثرة أفرادها، الأمر الذي خلق مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة داخل هذه الأحياء العتيقة.

غياب الخطط

يؤكد رئيس المجمع الجزائري لخبراء البناء والمهندسين المعماريين، عبد الحميد بوداود، "أن مليوناً و911 ألف وحدة سكنية مهددة بالسقوط، مقسمة على الشكل التالي: 600 ألف مسكن في منطقة الجزائري، و561 ألف مسكن في القسنطينة، و600 ألف في وهران، بالإضافة إلى نحو 150 ألف مسكن في الجنوب".
ويقول، لـ "العربي الجديد"، إن مجمعهم طالب الحكومة بضرورة أن يعمل الخبير المعماري الخبرة بدقة، ثم يصنف البنايات، حسب حالة كل بناية إذا ما كانت بحالة جيدة أو بحاجة إلى ترميم أو يجب هدمها، وفق دفتر صحي لكل بناية وتتبع العملية بدفتر صيانة لكل عمارة حسب حالة كل واحدة"، مشيرا إلى أن "الخبراء قدروا حياة البناية من الخرسانة المسلحة بـ 100 سنة، والبنايات التي تستخدم فيها حجارة الآجر (طِين من التراب الأحمر) بنحو 70 سنة". ويبدي بوداود أسفه لعدم اتباع خطة موجهة للاعتناء بالأبنية، إذ انتقد سياسة الحكومة في ترقيع الأبنية، بدلاً من معالجتها بالشكل الصحيح، مشيراً إلى تكاثر ظاهرة تساقط أجزاء من شرفات الأبنية بين الحين والآخر وسط شوارع العاصمة، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المارة في أكثر من حادث. مشاريع غير كافية من جهة أخرى، يفيد بوداود بوجود نحو 60 % من الأبنية في حي القصبة العتيق مهددة بدورها بالسقوط في أية لحظة، داعياً الحكومة إلى تعويض سكانها بمساكن أخرى، وإعادة ترميم ما يمكن ترميمه منها وهدم ثم إعادة بناء ما يجب هدمه، واستغلال هذا الحي كله كمرفق سياحي، بالنظر إلى موقعه وجماليته المعمارية، خاصة وأنه مصنف من طرف منظمة اليونيسكو ضمن التراث العالمي. أما رئيس بلدية الجزائر الوسطى، حكيم بطاش، فيقول:" أحصت البلدية الأبنية الآيلة للسقوط، وقد تبين وجود بناءين فقط مهددين بالسقوط، مضيفاً "أنه ومنذ إطلاق مشروع برنامج (والي العاصمة) ضمن المخطط الاستراتيجي للولاية، الذي يشمل 52 بلدة، تم هدم 12 بناءً مصنفاً في الخانة الحمراء من حيث درجة الخطورة في الجزائر الوسطى، مشيراً إلى أنه تم قبل شهرين تصنيف نحو 6 أبنية إضافية ضمن الخانة الحمراء، وسيتم ترحيل أهلها وهدمها نهاية الشهر الحالي. ويضيف "أن العملية ستتواصل حتى نهاية العام، كما يمكنها أن تستأنف بعد نحو ستة أشهر لمعاينة وإعادة تصنيف عدد من الأبنية المصنفة حالياً ضمن الخانة البرتقالية 4 والبرتقالية 3، ليتم هدمها وتعويض قاطنيها بسكنات أخرى لائقة. أما الخبير الاقتصادي، محمد بوجلال، فيدعو إلى استغلال الفضاءات التي يتركها هدم الأبنية الآيلة للسقوط في المنفعة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وليس كما هو حاصل حالياً في كثير من المناطق، حيث يتم في الغالب الاستحواذ عليها من طرف مافيات العقارات وتحويلها إلى منافع خاصة. وكان آخر المشكلات، التي ارتبطت بقضية المباني الهشة، تعرض عدد من المساكن في منطقة حمام ملوان لتشققات وانهيارات جزئية، بعد الهزة الأرضية التي سجلت بقوة 4.7 درجات في العاشر من شباط/فبراير الحالي. وأرجع مدير مكتب هيئة الرقابة التقنية للبناء، أحسن مقراني، حينها، تضرر بعض السكنات إلى "عدم احترام شروط البناء السليمة عند تشييدها من طرف أصحابها. على عكس المنشآت العمومية، التي تم بناؤها وفق شروط ومعايير محددة".

اقرأ أيضاً:المساكن الهشّة:مغاربة يتخوّفون من الأبنية غير الصالحة للسكن

المساهمون