ممدوح عدوان.. قبل نضوب الماء وبعده

ممدوح عدوان.. قبل نضوب الماء وبعده

23 نوفمبر 2019
ممدوح عدوان
+ الخط -
تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، ذكرى ميلاد الكاتب والشاعر والمترجم السوري ممدوح عدوان (1941 - 2004).

بـ 85 كتاباً أصدرها بين 1964 و2004، سنة رحيله، وتنوّعت بين الشعر والمسرح والرواية والترجمات والكتب الفكرية والأعمال الدرامية، يظهر الشاعر السوري ممدوح عدوان - الذي يقابل اليوم ذكرى ميلاده - كأحد استثناءات الثقافة العربية، على مستوى الكثافة الإبداعية خصوصاً، ناهيك عن العمق والسخرية المريرة التي لوّنت نصوصه، فالسنوات الأربعون لمسيرته ككاتب قد لا تكفي آخرين لإنتاج ربع ما حقّقه، لكن لم يكن ذلك سوى وجه واحد من وجوه افتتان القرّاء به، وعلى أجيال متلاحقة، حيث أن عِبارات كثيرة وردت في أعماله لا يزال يرنّ صداها إلى اليوم، بل إن أحداث الحاضر قد شحنت كثيراً منها بدلالات جديدة. 

في قصيدة "كل شيء مات"، يقول:

"أنا أعرف كيف تضيق الأقبية الرطبة
كيف يضيق الصدر،
وكيف يضيق الشارع
كيف يضيق الوطن الواسع
كيف اضطرتني الأيام
لأن أهرب من وجه عدوي والضيف
لكنّي
حتى لو صارت علب الكبريت بيوتاً
لو ينخفض السقف
ويضحي تحت العتبة
حتى لو ضُم رصيفٌ لرصيف
أو صار الشارع أضيق من حد السيف".

ألا نجد صدى من تلك الكلمات في الواقع السوري أو المصري اليوم، ولولا هذا الواقع الذي ظلّت تتراكم سوداويته وفجاججته، لماذا قامت الثورات والاحجتجاجات في تونس وليبيا واليمن في 2011، وصولاً إلى الجزائر والسودان، ثم العراق ولبنان، وكأنما لا يوجد بلد فوق الخريطة العربية بمنأى عن الشعور بـ"انخفاض السقف".

ولنسمعه أيضاً وهو ينشد في قصيدته "رصاصات بيضاء للأيام السوداء":

"منذ نضوب الماء من المُدُن العربيهْ
ورجال، كالأشجار، اقتُلعوا
وابتُلعوا في الرمل المتحرّكْ
غرقوا شبراً شبراً.. رجلاً رجلاً
ما مُدَّتْ لهمُ يدْ
لم يتحرّك حولهُمُ غير كلام كحبال يمتدْ
يتحوّل بعد الخنق رثاءً وأكاليلْ
وحصاراً من جوقات وطبولْ
وعلى مفترقات دروب الثورة
بين حقول الفلاحين
في الحارات المهجورة، بين صفوف الشعب المعزولْ
يترصدنا القَتَلَهْ
ولذا لم أسأل نفسي يوماً:
من منهم سيكون القاتل؟".

لم يكن عدوان يكتب لدائرة القرّاء فقط، ولذلك التفت إلى التلفزيون فكتب له أعمالاً كثيرة أبرزها استعادات شخصيات تاريخية لها ملامساتها العميقة في الضمير العربي المعاصر كالزير سالم والمتنبّي.

أما فتنته الأخرى فكانت الترجمة، وها نحن اليوم لا نفرّق بين عبقريات النص الأصلي لنصوص هرمان هسه ونيكوس كازانتزاكيس وجورجي أمادو وما أمدّهم به صاحب "حيونة الإنسان" من وهج وبراءة.

في كتاب "نحن.. دونكيشوت"، قال بأن "الوجوه المتعددة التي لشخصية مثل دون كيشوت تمنحنا الحرية والشجاعة للتعبير عن رؤيتنا الخاصة به. وبالتالي فإن كلاً منا قادر على أن يتحدث عن دون كيشوت الذي رآه في الكتاب، أو دون كيشوت الذي يربّيه هو في مخيّلته الرمزية والإبداعية". شيء مما يدلّنا عليه عدوان في دونكيشوت يمكن أن نقيمه معه، بوجوهه المتعددة أيضاً، وخصوصاً بحكم حضوره الدائم.. معنا.

دلالات

المساهمون