مليارديرات من تحت الصفر

مليارديرات من تحت الصفر

27 أكتوبر 2019
+ الخط -
"تتحدث كثيرا عن ضرورة ادخار جزء من مالك أو دخلك للزمن، فالقرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود، كما يقول المثل المصري الشهير، ومقتنع برأيك الذي يقول إن الإنسان يعمل ويتعب وعينه على فترة ما بعد التقاعد وكبر السن، لكن كيف يحدث ذلك والأسعار ملتهبة وتكلفة الحياة الصعبة تلتهم كل ما يصل إلى أيدينا من مال وهو بالطبع غير كافٍ، سواء كان دخلاً ثابتاً أو متغيراً، بل ونستلف ممن حولنا حتى نكفي تغطية باقي التزامات الشهر، كيف لنا أن ندخر، بل ويمكن أن نصبح مستثمرين وكبار رجال أعمال في يوم ما كما تقول، ألا يعد كلامك مبالغا فيه وغير واقعي؟".

إنه صوت قادم من خلفي، فقد كنت أهمّ بأن أغادر أحد المطاعم التي تناولت وجبة الغداء بها، وفجأة وجدت صوتا يطرح عليّ هذه الأسئلة وأنا أفتح باب المطعم، توقفت لبرهة لأعرف من صاحب الأسئلة، وما إذا كان يقصدني أنا، أم يقصد شخصاً آخر يوجد في المطعم، التفت خلفي فوجدت شخصين يتجهان نحوي ويرحبان بي، أحدهما وقد رسم على وجهه ابتسامة قائلا "نريد أن نسمع كلامك وندخر جزءاً من أموالنا، لكن كيف، فالعين بصيرة واليد قصيرة"، أما الشخص الثاني فسألني في تعجب: "كيف تتحدث عن مليارديرات بدأوا من الصفر وكونوا ثروات طائلة من بيع الآيس كريم والصحف وجمع زجاجات الفارغة وبيعها، أظن أنك كتبت "بوستا" بهذا المعنى قبل أيام دون تفسير".

الآن أدركت أنني أنا المقصود بالأسئلة المطروحة، وأن عليّ الإجابة قبل أن أغادر باب المطعم، استدرت للخلف وقلت للسائل الثاني: سأجيبك عن سؤالك بسؤال: هل تعرف كيف بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب حياته؟ فقال: رجل أعمال كبير يعمل في مجال العقارات ويمتلك مليارات الدولارات، فقلت له: "كلامك غير دقيق"، فترامب بدأ حياته بمساعدة أخيه في جمع الزجاجات و"الكانات" الفارغة من القمامة لبيعها، وكانت أول وظيفة له هي تحصيل الإيجارات من العقارات والبنايات، وبعدها انطلق ليصبح رجل العقارات الأول في أميركا حيث تقدر ثروته بأكثر من 3 مليارات دولار.


والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بدأ حياته العملية بائع آيس كريم في هاواي ليتمكن من جمع المال الكافي للالتحاق بواحدة من أفضل جامعات العالم هي جامعة هارفارد في أواخر عام 1988.

ليس الأمر قاصراً على كبار السياسيين في العالم فقط، فمعظم كبار المليارديرات في العالم بدأوا من تحت الصفر، ستيف جوبز Steve Jobs، هل تعرفه، طرحت السؤال على السائل، فقال: لا. قلت له إنه مؤسس شركة آبل العالمية وصاحب التفاحة المقضومة الشهيرة الموجودة على أجهزة الكمبيوتر والآيفون والتي أذهلت العالم، وهو أيضاً واحد من أبرز المبتكرين الأميركيين في عالم التقنية وتكنولوجيا المعلومات، هل تعرف أن الأسرة التي تبنته لم تستطع الإنفاق عليه في المرحلة الثانوية بسبب فقرها المدقع، ورغم تلك الظروف الصعبة أصر جوبز على استكمال تعليمه، فكان يذهب صباحاً إلى الدراسة، وفي المساء يجمع الزجاجات والقوارير البلاستيكية، ويقوم ببيعها للشركات بأثمانٍ زهيدة جداً بهدف إعادة تصنيعها، وبهذه الطريقة كان يدفع أقساط تعليمه الثانوي ثم الجامعي. وفي المرحلة الجامعية كان جوبز ينام على الأرض في السكن الجامعي عند أصدقائه، لأنه لم يكن يملك المال الكافي لسداد نفقات الإقامة، وساعده كثير من الأصدقاء وشاركوه غرفهم.

سألت السائل الأول: هل زرت محال إيكيا الشهيرة الموجودة في بلادنا والمتخصصة في صناعة وتوزيع الأثاث والموجودة في 42 دولة، فقال: نعم، فقلت له: هل تعرف من الذي أسسها، فقال: لا. قلت له إنه إنغفار كامبراد رجل الأعمال سويدي الأصل الذي عاش حياة متواضعة قبل أن يغادر دنيانا عن 91 سنة بداية عام 2018، كان واحدًا من أثرى أثرياء العالم، بدأ حياته المهنية في السادسة حيث كان يبيع أعواد الكبريت لجيرانه. وسرعان ما انتقل إلى بيع أقلام الرصاص وبطاقات وزينة عيد الميلاد، وحينما بلغ العاشرة، كان يبيع زينة عيد الميلاد والأسماك والأقلام على دراجته، وعندما بلغ سن الـ 17، كافأه والده بمبلغ مالي صغير؛ لتفوقه في دراسته، وبهذا المبلغ أسس إيكيا البالغة مبيعاتها السنوية 36 مليار دولار، وقدرت ثروة الرجل بـ46.8 مليار دولار في عام 2017.

هل تعرف أهم مذيعة في العالم، طرحت سؤالاً مجدداً، فقال الرجل مفتخراً: "أوبرا وينفري"، قلت له "صحيح"، وواصلت كلامي، هل تعرف أنها نشأت في أسرة فقيرة جداً وعملت في بداية حياتها المهنية مساعد بقال في سوبر ماركت صغير يقع قرب صالون والدها للحلاقة. وبعدها عرفت طريقها إلى عالم الإعلام حيث أصبحت أول مراسلة "سوداء" في التلفزيون، الآن باتت وينفري الشخصية الإعلامية الأبرز في العالم وتقدر ثروتها بنحو 2.8 مليار دولار.

بالطبع تستخدم تطبيق واتساب WhatsApp في الاتصالات والرسائل، هل تعرف مؤسسه، إنه جان كوم Jan Koum الذي عمل في مجال تنظيف أرضية سوبر ماركت صغير للمساعدة في تغطية نفقات المعيشة، وتعلم من خلال استعارة الكتب القديمة من المكتبات. عانى كوم الكثير جراء الحرمان والشقاء وافتقاد أبسط متطلبات الحياة، عاش في بيت صغير دون ماء ساخن ولا كهرباء ولا هاتف ولكنه اليوم يتوق إلى تلك الحياة البسيطة التي صنعت منه رجلاً مثابراً.

في بداية حياته هرب كوم لاجئا من بلده أوكرانيا إلى الولايات المتحدة وهو في الـ 16 من عمره، لتعيش عائلته الفقيرة على الإعانات الحكومية لفترة طويلة، الآن تزيد ثروة جان كوم عن 19 مليار دولار.

هل تعرف من هو Buffett أشهر مستثمري البورصة الأميركية وأسواق وول ستريت الشهيرة والذي تبلغ ثروته أكثر من 82 مليار دولار، إنه وارين بافيت Warren الملياردير الأميركي وواحد من أغنى أغنياء العالم، عمل وهو صبي في مهنة تسليم الصحف على دراجته الهوائية في سن الرابعة عشرة وبعدها بدأ يعمل في بيت السمسرة الذي كان يديره والده.

وفي يوليو الماضي تبرع وارين بافيت بنحو 3.6 مليارات دولار من أسهم مجموعته بيركشاير هاثاواي لخمس منظمات خيرية منها مؤسسة بيل ومليندا غيتس وذلك في أكبر إسهام في خطة بافيت للتنازل عن ثروته.

بالطبع تسمع عن سيارات فورد الشهيرة، لقد أسسها هنري فورد الاقتصادي الأميركي البارز، الذي عمل في الزراعة بعد أن ترك مدرسته وهو في سن الـ 15، لم يستهوه العمل في الزراعة، فانتقل إلى ديترويت ليعمل ويتدرب بورشة ميكانيكة. ولزيادة دخله عمل لسنوات في ساعات فراغه في تصليح الساعات والمنبهات، ثم عمل ميكانيكياً في ورشة صغيرة للحدادة، فصنع أولى سياراته في تلك الورشة، وساعد ما وفرته الشركة من تلك التقنية على بيع السيارات بأقل الأسعار، فكان أكثر من نصف السيارات التي بيعت في الولايات المتحدة بين عامي 1908 - 1927 من صنع فورد، ليعد بذلك رجل الصناعة الأميركي.

بالطبع ذهبت إلى سلسلة مقاهي "ستارباكس" العالمية، لقد أسسها هوارد شولتز Howard Schultz وهو رجل أعمال أميركي نشأ في بيت فقير جداً، وبعد تخرجه عمل بائعاً لدى شركة زيروكس Xerox، الآن يعد في قائمة كبار الأثرياء في الولايات المتحدة، إذ تقدر ثروته بنحو 2.9 مليار دولار.

وهناك عشرات الأمثلة الأخرى، مثلاً سام والتون Sam Walton مؤسس سلسلة المحلات الشهيرة ول مارت Wal Mart، عمل وهو صغير في حلب أبقار العائلة، وملء الزجاجات بها، وتوصيلها وبيعها لجيرانه، وحين أصبح شاباً عمل خادماً في أحد المطاعم مقابل وجبة يقتات بها.

أما مايكل ديل Michael Dell مؤسس شركة ديل للحواسيب، والذي قدرت ثروته بنحو 23.2 مليار دولار، فقد كانت أول وظيفة له هي غسل الأطباق بمطعم صيني. وعندما التحق بالجامعة توجه إلى بيع أجهزة الكمبيوتر وملحقاتها بالقطعة في سكن الطلاب، وحظي بشعبية كبيرة لجودة الخدمات التي يقدمها، فقصده كثير من المعارف وزملاء الدراسة.
وبدأ تي بون بيكنز T. Boone Pickens أحد أهم أقطاب النفط الأميركي في ولاية تكساس، حياته المهنية عاملاً لتوزيع الصحف وهو في سن الثانية عشرة، ونجح في التغلب على منافسيه، وتوسيع دائرة زبائنه التي يوزع لها الصحف، وفور بلوغه سنّ الثامنة عشرة أسّس شركة ميسا MESA للنفط والغاز والتنقيب عن البترول، بمبلغ 2500 دولار والتي تُعد حالياً من أهم وأكبر شركات النفط الأميركية لاستكشاف الغاز الطبيعي والنفط. يملك حاليا ثروة تقدر بنحو 1.3 مليار دولار.

هل تعلم أن جون أندرسون John Anderson الملياردير الأميركي، والمنافس الأبرز لترامب في مجال العقارات، عمل ببيع الفشار خلال طفولته، أمام صالون والده للحلاقة، كما عمل في مسرح السينما.

لقد بدأ معظم مليارديرات العالم حياة صعبة أو في وظائف متواضعة قبل دخولهم عالم المال والشهرة، المهم أنه كانت لديهم رغبة في أن ينجحوا ويجربوا، وصعدوا إلى القمة درجة درجة، نعم واجهوا صعوبات شديدة وتعرضوا مرات للإفلاس كما حدث مع ترامب، لكنهم وصلوا بفضل الجهد والمثابرة، فلتجرب يا صديقي فربما تصبح مثل الشاب والمبرمج الأميركي الشهير مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك.

مصطفى عبد السلام
مصطفى عبد السلام
صحافي مصري، مسؤول قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد".