ملكيون أكثر من الملك

ملكيون أكثر من الملك

23 اغسطس 2015
+ الخط -
شاهدت، قبل أيام، حلقة من برنامج "القاهرة اليوم"، كان عمرو أديب يتحدث عن خطابات عبد الفتاح السيسي، ويعرض فيديو لخطاب تحدث فيه الأخير، في ندوة أمام رجال القوات المسلحة، عن إنجازاته التي لا مثيل لها، وعن نهضة في سنة حكمه لم يسبق لها مثيل، مليارات الاستثمارات التي أتت علي يده إبّان مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، ومليارات الأرباح التي أتت في يوم واحد من تشغيل قناة السويس، والتي كانت كافية لتعويض مصاريف حفر القناة في يوم واحد.
انتظرت الفقرة التي سيتحدث بها السيسي عن أحصنة تطير، وديناصورات عائدة من الإنقراض، لكنها لم تأتِ أبداً.
رَصَدَ أديب ملاحظة حييته عليها، أن السيسي دائماً ما يتحدث في الأمور المدنية وشؤون السياسة في الندوات التثقيفية لرجال القوات المسلحة، مؤكداً أن الرئيس يُصِر علي إقحام رجال الجيش في الشأن العام.
انتظرت الإعلامي أن ينتقد ذلك، وهو ما قد يفعله أي إعلامي طبيعي في أي ظرف طبيعي، إلا أنه أشاد بذلك، وقال إن رجال الجيش يلعبون دوراً مهماً في الحياة العامة في مصر، مؤكداً أن حرص السيسي علي إبقائهم واعين ومتصلين بالشأن العام فضيلة له، يُشكَر عليها.
لو كنت مكان أديب لانتقدت، بكل تلقائية، محاولات عسكرة الدولة وجر الجيش إلي بحر السياسة. كان أول ما سيخطر ببالي أن أحذر من تكرار سيناريو ما قبل نكسة 1967، كان سيخطر ببالي أن السيسي، بوضوح، لا يريد أن يَتَقَبَل واقع أنه لم يعدْ وزيراً للدفاع، أو علي الأقل لا يستطيع الفصل بين حقيقة أنه رئيس وحقيقة أنه القائد الأعلي للقوات المسلحة، ولا يعرف أن الحديث في الأمور المدنية، بصفته رئيساً، يكون مع الوزراء، والحديث في الأمور العسكرية بصفته قائداً أعلى للجيش يكون مع ضباط الجيش.
كدت أفتك بجهاز التلفزيون، من فرط غيظي من تطرف عمرو أديب في الثناء علي أي شئ يفعله الجنرال، تخيلت وهلة أنه قد يثني علي السيسي، إن قرر إيقاف برنامجه مثلاً. لكن، أفقت من تخيلي بسرعة على حقيقة أن مادة برنامجه الذي يقدمه الآن من النوع الذي يزدهر في عصر كعصر التطبيل والنفاق الذي نعيشه.
انتظرت من عمرو، بعد أن تَلَقَفَ هذه الملاحظة، بعض الصياح والصراخ من العينة التي كنا نستمع إليها يومياً، إبّان حكم محمد مرسي، صَدَّعَنا بعشرات الساعات من انتقاد مرسي وجماعته، تارة يصيح مُعترضاً علي أخونة الدولة، وتارة يصرخ مُنتقداً تحدث مرسي أمام أنصاره في أثناء تظاهرهم لتأييده أمام قصر الإتحادية، وكأن مصر تم اختزالها في أنصار مرسي.
انتظرت، هنا، تعليقاً مماثلاً من نوعية اختزال مصر في طلبة الكليات العسكرية وضباط القوات المسلحة، تعليق لم يأتْ أبداً هو الآخر.
ربما لو ذُكِرَتْ تلك الملاحظة أمام عبدالفتاح السيسي نفسه لبرر موقفه، وقال إن ذلك غير مقصود، وإنه سيحاول تغييره، ربما برر بأي تبرير، ربما لم يكن ليجنح إلى الثناء على فعله، والتأكيد أن ذلك يدل على ذكاء متقد وحس وطني منه يستشعر ضرورة إقحام الجيش في الشأن العام.
أوحت لي ساعة من مشاهدتي برنامج أديب أنه قد تخطي بكثير مرحلة "ملكيون أكثر من الملك"، حان الوقت ليصبح هو نفسه مَضْرِب المثل، لا يبالغ أحدهم إذا ما ضرب المثل في تملق الحاكم ومحاولة تأليهه.
37416B7A-F54A-4425-8822-A9A63A182E41
37416B7A-F54A-4425-8822-A9A63A182E41
محمد عادل (مصر)
محمد عادل (مصر)