Skip to main content
ملف المعتقلين السوريين إلى الواجهة: أقوى أوراق النظام
ريان محمد ــ دمشق
آلاف المعتقلين السياسيين داخل سجون الأسد (لوكا بريزيا/باسيفك برس)
تظهر التصريحات الأخيرة الصادرة عن بعض الجهات الدولية وأطراف الصراع في سورية، بأن الأمور تسير باتجاه مفاوضات جديدة بين النظام والمعارضة. أجواء أفسحت المجال أمام إثارة ملف المعتقلين السياسيين القابعين في سجون النظام.

ولعل أبرز تلك التصريحات تلك جاءت على لسان وزير الخارجية الأميركية جون كيري، يوم الأحد الماضي، حول التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، قائلاً إنه "علينا أن نتفاوض في النهاية. كنا دائماً مستعدين للتفاوض في إطار عملية جنيف1"، مضيفاً "ما نحاول العمل عليه، هو جعل الأسد يأتي وينخرط في المفاوضات". تلك التصريحات التي أثارت العديد من التحليلات التي اعتبرها البعض تراجعاً لأميركا عن مواقفها السابقة.


وجاء رد رئيس النظام السوري بشار الأسد على كيري عبر التلفزيون الإيراني، يوم الاثنين الماضي، قائلاً "مازلنا نستمع لتصريحات وعلينا أن ننتظر الأفعال وعندها نقرر"، مشترطاً أن تبدأ أي تغيرات دولية في هذا الإطار بوقف الدعم السياسي لمن وصفهم بالإرهابيين ووقف التمويل، ووقف إرسال السلاح، وبالضغط على الدول الأوروبية "وعلى الدول التابعة لها في منطقتنا والتي تقوم بتأمين الدعم اللوجستي والمالي وأيضاً العسكري، عندها نستطيع أن نقول إن هذا التغير أصبح تغييراً حقيقياً".
بالتزامن مع هذا التصريح للأسد، بدأ النظام بإبراز أحد أوراق القوة التي يمتلكها وهو ملف المعتقلين الذي تعامل معه النظام كأحد الأوراق المطروحة للتفاوض، فالنظام يرتهن عشرات آلاف السوريين في معتقلاته، ويقدر ناشطين عددهم بحدود 100 ألف معتقل بينهم أطفال ونساء، وهو يستخدمهم كورقة ضغط على المعارضة السورية، خصوصاً المسلحة منها.  

ويتصدر ملف المعتقلين غالبية المفاوضات التي دارت بين النظام والمعارضة، ولا سيما على مستوى مفاوضات الهدن أو كما يسميها النظام "المصالحات" المناطقية، إذ عادة ما يتعهد للفصائل المعارضة المسيطرة على تلك المناطق بإطلاق سراح المعتقلين من أبناء المنطقة مقابل توقيع الهدن. غير أنه لم يطلق سراح أي منهم حتى اليوم، بحسب مصادر معارضة. وفي "منتدى موسكو"، طالب بعض المعارضين المشاركين بإطلاق سراح المعتقلين، فطلب رئيس وفد النظام بشار الجعفري أن تسلم قائمة بأسمائهم لدراستها عبر الوسيط الروسي، فيما لم يطلق سراح أي معتقل حتى اللحظة.

اقرأ أيضاً (المعتقلون في سورية: مسلسل إجرام النظام المستمر)
وعلمت "العربي الجديد"، من مصادر مطلعة، فضلت عدم نشر اسمها، أن "النظام دفع بالأحزاب المرخصة إلى التواصل مع قوى معارضة لتشكيل لجان تحمل ملف المعتقلين، ضمن مسار المصالحات والدفع به إلى إنجاز مصالحات مع المعتقلين"، ومن المتوقع أن يعلن عنها خلال الفترة المقبلة.

ويقبع عشرات آلاف المعتقلين في الأفرع الأمنية والمعتقلات السرية والسجون، بتهمة الإرهاب، بعضهم مضى على اعتقاله سنوات وهم مجهولو المصير، في حين يموت العشرات منهم بسبب التعذيب وانعدام الرعاية الصحية في ظل انتشار العديد من الأمراض، وقد اعترفت وزارة العدل التابعة للنظام أن لديها 30 ألف طلب استعلام عن مصير معتقلين، يجهل ذووهم مصيرهم.

وقال مصدر مطلع في النظام، لـ"العربي الجديد"، إن "ملف المعتقلين وقضايا المساعدات الإنسانية، من أهم الملفات التي يراهن عليها النظام، لإضعاف الحاضنة الشعبية للمجموعات المسلّحة، إضافة إلى أنهما يتصدران مطالب المعارضة اليوم، في حين تراجعت باقي المطالب كإسقاط النظام".
ولفت المصدر نفسه، الذي فضل عدم نشر اسمه، إلى أن "المعتقلين أصبحوا يشكلون مصدر إثراء إلى كتلة مهمة من النظام، قد تكون هي أساس الأزمة السورية، المتمثلة بالأجهزة الأمنية والقضاء، خصوصاً محكمة الإرهاب والمحكمة المدنية"، مستشهداً بأن "أحد السوريين دفع 100 مليون ليرة لتخفيض الحكم عن ابنه من إعدام إلى 15 سنة". وبين أن "هناك تحركات في النظام لتحريك ملف المعتقلين، إذ يتوقع أن يصدر الأسد خلال الفترة المقبلة عفواً عاماً".

غير أن ناشطين معارضين، في حديث مع "العربي الجديد"، قلّلوا من أهمية إصدار عفو جديد من قبل الأسد، قائلين "ليطبق الأسد مراسيم العفو السابقة، لنتحدث عن عفو جديد، فهناك آلاف المعتقلين المشمولين به، ورغم ذلك لم يطلق سراحهم، وجزء ممن أطلق سراحهم، وهم لا يتجاوزون الـ5 في المائة من عدد المعتقلين، تم اعتقال العديد منهم مرة أخرى".

وأشار هؤلاء إلى "سوء آليات الاعتقال الذي ينتهك أبسط حقوق الانسان، فالمعتقلون يتم إيداعهم في المعتقلات بوضع سيئ جداً من الناحية الصحية والغذاء إضافة إلى التعذيب، لأشهر أو سنوات ضاربين القانون والدستور الذي أقره النظام بعرض الحائط، والذي حدد مدة التوقيف القصوى بـ60 يوماً".

بدوره، ركز الإعلام الرسمي للنظام خلال الأيام الماضية على ملف المعتقلين، عبر العديد من التقارير والبرامج، كان آخرها قبل أيام، حين استضاف رئيس نيابة محكمة الإرهاب عمار بلال والمفتش القضائي لدى محكمة قضايا الإرهاب، المستشار أحمد الناصر. ورغم زعم بلال على أن جميع من أُحيل إلى محكمة الإرهاب ارتكبوا فعلاً إرهابياً بشكل أو بآخر، تبين من خلال عرض تقارير من داخل سجن دمشق المركزي، أن الغالبية الساحقة تم إيقافها من قبل محكمة الإرهاب منذ أشهر وسنوات وحتى اليوم يطلق عليهم صفة الموقوفين.

وشكل الأسد محكمة الإرهاب في مرسوم خاص عام 2012. ورأى فيها ناشطون بديلاً عن محكمة أمن الدولة سيئة السمعة، والتي تفوقت على الثانية من ناحية الفساد وسوء السمعة، إذ لا يوجد رقم دقيق عن عدد القضايا التي ينظر بها قضاتها الستة.

في الإطار نفسه، رأى عدد من الناشطين المعارضين أن "النظام يريد أن يتاجر بملف المعتقلين، وقد يعرضه للتفاوض مع الأميركيين، ضمن إعادة إحياء الحديث عن المفاوضات بين المعارضة والنظام". فيما استبعدوا أن يكون للروس دور في تحريك ملف المعتقلين، وهم الذين عجزوا عن الضغط على النظام لإخراج معتقلي هيئة التنسيق الوطنية المعارضة وفي المقدّمة عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، اللذان ينكر النظام اعتقالهما.

اقرأ أيضاً (أطفال سورية يستغيثون خلف القضبان)