مقطورة العربي وسماء الكردي

مقطورة العربي وسماء الكردي

10 مايو 2019
+ الخط -
أفرغت الحوّامة ذات المراوح الأربع مولودها المعتقل في جوفها فقُذف المولود لولبياً يدور حول نفسه كموت تائه يبحث عن روح تائهة. المولود لم ينجده نظره إلى أرواح تتسول الحياة على أرصفة الشوارع المزدحمة بالأنقاض، فسقط المولود/ القذيفة على غرفة طينية فارغة تماماً من الأرواح، فصرخ اللّبن صرخة أبدية وتطاير عالياً إثر الاصطدام المرعب، فلحقت الغرفة الطينية المركونة في ريف القامشلي في الشمال السوريّ بأقرانها من الغرف، وتحوّلت إلى أنقاض ومن الأنقاض إلى السراب.
لم يبق للعربيّ إلّا الركام بعد أن طُحنت داره وحن معه اللّبن الذي يقي عظامه من قَرس الشتاء وسخونة الصيف، لم يبق إلّا المأساة بعد أن تحطّم وطنه الطيني، فاتخذ مقطورة الجرار وطناً بديلاً، اتخذ من سقف المقطورة سقف وطن بعد أن ألبس حوافها قماشاً لا يستر إلّا الفجيعة، وطنٌ يعلوه سقف مقطورة جرار وجدران من القماش، أيّ محنة استُدرج إليها ليحجب كارثته عن الأنظار، وأيّ مأساة؟ إنه حب التراب وحب التمسك بالأرض، إنه حب الوطن، مَن يزرع الإخلاص في التراب سيحصد وطناً في نهاية الحصاد، مَن يحرث الوفاء في الأرض سيجني وطناً.
سقف مقطورة العربي سيضحي سقف وطن بعد فرسخ ونصف الفرسخ من الزمن، أقل أو أكثر، حسب معايير توزيع الأسقف للأوطان وأقمشة جدرانها ستكون حدود وطنه. على العكس تماماً من الكُرديّ الذي اتخذ من السماء سقف وطنه المبدد على جغرافية الله الواسعة. أما الأكراد فقد فشلوا في تعريف مفهوم ماهية الوطن وفشلوا أيضاً في حصاده، فكان حاصل عدم إخلاصهم لترابهم بقاءهم دون تركة من الجغرافيا، فبقوا من دون سقف يظلّل وطنهم فاتخذوا السماء الواسعة سقفاً يظلّل السراب.
أخفق الأكراد في توصيف محنة التراب فتركوا الزراعة وعملوا في السياسة فخسروا الأرض والمحصول معاً، لتبقى بطونهم جائعة إلى أبد الآبدين، وخسر الأكراد أيضاً في تجارة التبغ المهرب، فتاجروا بقضيتهم وربحوا التجارة المستحدثة، لا ربح يفوق ربح التجارة بالقضايا، وبعد الخسارة لجأوا إلى الشعارات الفارغة وبرعوا في هتافها لتعويض خسارة الأرض والمحصول، ملّة لا تتقن إلّا الهتاف.
رصاصة جبانة تُطلق في الجغرافيا السورية، فيبرع الكرديّ المركون في شرق الجغرافيا (العراق) بالفرار إلى ما وراء البحار قبل الكرديّ المقيم بالقرب من الرصاصة في غربها، فرار الكرديّ برهان الكرديّ على عدم الولاء للتراب، لا وطن يُحصد بالفرار، لا قيمة للآدميّ من دون وطن يسند ظهره على جدرانه حقيقة لم يدركها الأكراد بعد.
6D4535CB-CF33-424A-826B-1F31CAE030BF
6D4535CB-CF33-424A-826B-1F31CAE030BF
آزاد عنز (سورية)
آزاد عنز (سورية)