مقترح المنطقة منزوعة السلاح بليبيا يلقى دعماً دولياً متزايداً

مقترح المنطقة منزوعة السلاح بليبيا يلقى دعماً دولياً متزايداً

31 اغسطس 2020
ويليامز تدعو لإطلاق عملية سياسية جديدة من خلال حوار شامل لكل الأطراف الليبية (الأناضول)
+ الخط -

لا يزال المجتمع الدولي يدفع الأطراف الليبية باتجاه إطلاق عملية سياسية تنهي حرباً بالوكالة عن أطراف متداخلة في شأن البلاد، خصوصاً بعد إعلان الأطراف عن وقف إطلاق النار في 21 أغسطس/آب الجاري، وسط ترحيب دولي واسع. 

ولا تزال رئيسة البعثة الأممية في ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز تجري لقاءات مكثفة مع قادة الدول الإقليمية المعنية بليبيا، آخرها لقاءات مكثفة مع مسؤولين مصريين، من بينهم وزير الخارجية سامح شكري، لــ"بحث التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة الليبية على الصعيدين الميداني والسياسي وفرص التوصل إلى حل سياسي للأزمة"، بحسب أحمد حافظ، المتحدث باسم الخارجية المصرية، قبل أن تلتقي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، لبحث المستجدات الليبية.

وتشير تصريحات ويليامز، بعد انتهاء زيارتها الأخيرة للمملكة المغربية، إلى شكل الهدف الحالي للبعثة بــ"جعل ليبيا قضية ليبية بعدما كانت دائماً قضية دولية"، وحصر جهود الحل الليبي بين الأطراف الليبية وإبعاد تأثير الأطراف المتدخلة في ليبيا، و"هي مساعٍ تتوافق مع المقترح الأميركي بشأن خلق منطقة منزوعة السلاح في سرت والجفرة لعزل الوجود الروسي الذي يتخذ من مقاتلي شركة فاغنر ذراعاً عسكرياً له في ليبيا"، بحسب الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق.

وفي ذات التصريحات، توجهت ويليامز للأطراف الليبية بالقول إن "نافذة الإمكانيات لن تظل مفتوحة إلى أجل غير مسمى"، داعيةً إلى إطلاق عملية سياسية جديدة من خلال حوار شامل لكل الأطراف "يشمل منظمات المجتمع المدني والقبائل".

وفي الوقت الذي خطت فيه حكومة الوفاق خطوات هامة لاحتواء الغضب الشعبي وتجاوز خلافاتها، كشفت دبلوماسي ليبي رفيع، مقرب من حكومة الوفاق، النقاب عن اقتراب البعثة الأممية وأغلب الأصوات الدولية من تبني المقترح الأميركي بشأن فرض حل منزوع السلاح في منطقتي سرت والجفرة، كخطوة أولى تمهد لإطلاق عملية سياسية شاملة في ليبيا.

وقال الدبلوماسي الليبي لـ"العربي الجديد" إن وضع خطط تنفيذ نزع السلاح في المنطقتين أوكل للجنة العسكرية الليبية المشتركة 5 + 5، فيما يُنتظر لقاء أعضاء اللجنة المشتركة في العاصمة السويسرية جنيف، من دون أن تحدد البعثة الأممية التي تشرف على لقاءات اللجنة موعد اللقاء.

وكان السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند قد طالب الأطراف الليبية بضرورة "تركز" عمل اللجنة العسكرية الليبية على "طرق وقف إطلاق النار وكيفية التوصل إلى حل فعال منزوع السلاح في وسط ليبيا، من شأنه أن يُطلق عملية خفض التصعيد وخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا".

وعزا الدبلوماسي الليبي أسباب عدم تحديد موعد للقاء إلى صعوبة وضع مقترحات وتصورات لمسألة إبعاد المقاتلين الأجانب، لا سيما من جانب معسكر شرق ليبيا الذي لا يزال يشهد عدم توافق بين رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح من جانب وحفتر من جانب آخر، وتحديدا حول قضية مرتزقة فاغنر.

 

ويستعين حفتر بمقاتلين أجانب في صفوف مليشياته التي لا تزال تحفظ له السيطرة على عدد من المواقع في سرت والجفرة وحقول النفط وموانئه في الجنوب ووسط البلاد، وأهم هؤلاء المقاتلين مرتزقة من الجنجويد الأفارقة ومن شركة فاغنر الروسية، بالإضافة لمئات المقاتلين السوريين الذين أشرفت على نقلهم خطوط أجنحة الشام الجوية من سورية إلى مطاري الأبرق وبنغازي شرقي البلاد، في الوقت الذي يتهم فيه جانب حفتر حكومة الوفاق بالاستعانة أيضاً بمقاتلين سوريين، ويعتبر الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق غير شرعي.

وبينما حمل بيانا السراج وصالح بشأن وقف اطلاق النار رغبة في إنهاء الاقتتال، شدد بيان الأول على "الغاية النهائية من وقف إطلاق النار، والتي تتمثل باسترجاع السيادة الكاملة على التراب الليبي وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة"، واعتبر الثاني أن وقف إطلاق النار "سيقطع الطريق أمام التدخلات الأجنبية وينتهي بإخراج المرتزقة وتفكيك المليشيات لتحقيق الاسترجاع الكامل للسيادة الليبية"، فيما لا يزال سيناريو إشراف أممي على قوة شرطية مؤلفة من عناصر من الطرفين على منطقتي الجفرة وسرت قائماً.

مصير المرتزقة في ليبيا

ويتساءل البرق  عما إذا كان "الحل سينهي وجود المرتزقة في ليبيا"، مستطرداً "المقترح الأميركي يطالب بخلق منطقة منزوعة السلاح وليس إخراج المقاتلين الأجانب من كافة البلاد، ما يعني أن الطلب يقتضي سحبهم من المنطقتين لهدف أميركي باتجاه إرجاع تصدير وإنتاج النفط". وتساءل أيضا "أين سيذهب المرتزقة؟ بكل تأكيد سينسحبون لمناطق خلفية فقط ما يعني بقاءهم كعرقلة لأي توافق سياسي".

ويرى البرق أن حديث وليامز عن وجوب أن تكون القضية ليبية خالصة بعدما كانت دولية، غير واقعي فالخلاف حول المقاتلين الأجانب لا يزال متصلاً بأطراف دولية كبرى، وتحديداً واشنطن التي تسعى من خلال مقترح منزوع السلاح لعزل مقاتلي فاغنر الروس، ما يعني أن الخلاف لا يزال دولياً ويتصل أيضاً بأطراف إقليمية كالإمارات التي لا تزال حاضرة في ليبيا بدعمها للوجود الروسي إلى جانب حفتر.

وخلاف ذلك، لا يرى البرق إمكانية لإطلاق أي عملية سياسية من ون حلحلة الخلاف الدولي بشأن الأوضاع في سرت. وأشار البرق إلى أن الأطراف الإقليمية لا ترغب في مواجهة عسكرية وأن تقارب غير مباشر  حدث بينهما في الآونة الأخيرة". ولفت أيضاً إلى أن انتقال الصراع، الذي سببه الاتفاق البحري الليبي التركي، إلى دول المتوسط، رهن الحل في ليبيا بتفاهمات تلك الدول حول نفوذها في البحر المتوسط وحدودها المائية.

وبينما يقر الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة، أيضاً بنجاح واشنطن في فرض مقترحها واتجاه الأمم المتحدة لتبنيه رغم الاختلاف الكبير حول مرجعية الحل السياسي في ليبيا، فإنه يتساءل عما إذا كانت مخرجات برلين ستكون مرجعية للحل، أم أن الزمن قد تجاوزها ويجب التوجه مجدداً للصخيرات المغربية لإيجاد اتفاق سياسي جديد، لكنه يشير إلى مسألة لا تقل صعوبة عن قضية إبعاد المقاتلين الأجانب.

ويوضح كشادة أن المستجدات الأخيرة في طرابلس أظهرت بشكل كبير الخلافات بين المجموعات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق، وكيف انحاز بعضها لقرار وقف وزير الداخلية والبعض الآخر عارضه، وكلاهما أقام استعراضاً في طرابلس، ما يعني عدم سيطرة حكومة السراج بشكل كلي على قرار مجموعاتها المسلحة، مشيراً إلى أنها قضية تتصل بإمكانية قدرة الحكومة في طرابلس على فرض أي حل سياسي أو عسكري قد تتفق فيه مع طرف شرق ليبيا على تلك المجموعات المسلحة.

وتعرضت حكومة الوفاق الليبية  لهزات عنيفة إثر اندلاع احتجاجات شعبية، الأسبوع الماضي، انتهت إلى خلق خلافات بين قادة الحكومة، ودفع اللواء المتقاعد خليفة حفتر للمزيد من مليشياته باتجاه مناطق الجفرة واختراق وقف إطلاق النار، الخميس الماضي، بــ 12 صاروخاً على مواقع قوات "الوفاق، بحسب تصريحات للناطق باسم غرفة عمليات الجفرة – سرت التابعة للوفاق.

وكانت وزارة الدفاع بحكومة الوفاق قد وقعت اتفاقات مع الجانبين القطري والتركي، أثناء زيارة وزيري الدفاع القطري خالد العطية والتركي خلوصي آكار، بشأن مساعدة الدولتين للحكومة في بناء المؤسسة العسكرية من خلال "إنشاء مرافق للتدريب والاستشارات" وإرسال مستشارين وخبراء عسكريين.

وبشكل أوضح، يقول كشادة إن "مسألة بناء لجنة عسكرية مشتركة تعني ضرورة وجود قيادة عسكرية مشتركة، وهذا يعني تفكيك المجموعات المسلحة عند طرفي القتال، أو على الأقل إدماجها بشكل حقيقي في مؤسسة عسكرية تخضع لقرار حكومة مدنية".

ويؤكد كشادة بدوره أن الحل في ليبيا لا يزال يتصل بنفوذ ومصالح دولية، ولا يزال الملف الليبي ورقة بيد أطراف دولية للحصول على مكاسب في مناطق أخرى، ليس أقلها مصالح الطاقة في البحر المتوسط، نافياً قدرة الليبيين على انتزاع حل أزمة بلادهم من يد المتصارعين الدوليين في المنطقة.