مقتدى الصدر مرشداً أعلى

مقتدى الصدر مرشداً أعلى

06 ابريل 2016

الصدر ينتقد العملية السياسية الطائفية ويبقى داخلها (27 مارس/2016/Getty)

+ الخط -
خطوة، خطوتان، ثلاث، ويتقدم مقتدى الصدر، هذه المرة، "مرشداً أعلى" في العراق، كما التجربة الإيرانية، وإن كان يحاول أن ينأى بنفسه عن خط ولاية الفقيه. يسوس، وقد نقول يتدخّل في شؤون السلطات الثلاث، بصفته "ممثلاً للشعب"، كما أعطى هو لنفسه هذه الصفة، وقبلها كان "راعياً للإصلاح"، أو هو "القائد العام للقوات المسلحة المهدوية"، كما أطلق عليه بعض تابعيه ممن استجابوا لدعوته محاصرة المنطقة الخضراء، والاعتصام أمام بواباتها، وأنشد له بعضهم "طلع الصدر علينا"، وقبّل يده عسكريون كبار، في مقدمتهم قائد القوة المكلفة بحماية المنطقة (فريق ركن) دلالة مبايعة، وتعبيراً عن ولاء، فيما يعتبر هذا التصرف خروجاً على أعراف العسكر وتقاليدهم.
ردّ الصدر على "المبايعة" بتفقد أفراد القوة وضباطها، والاطمئنان على أحوالهم، مثل أي مسؤولٍ أول في دولة، ولم يتجرأ أيٌّ من مسؤولي الخط الأول في دولة العراق (هل العراق دولة حقاً؟) على شجب هذا التصرف وإدانته.
يقول عارفو الصدر إنه أطلق، هذه المرة، العنان لما يعتبرها صلاحياتٍ معطاةً له مذهبياً، منطلقاً من اعتقاده الشخصي الذي يتجنب الإفصاح عنه علناً، وإنْ كان يظهره عملياً بأنه "أعدل وأعلم وأنقى رجل في الأمة"، بحسب ما تحكمه شروط اختيار المرجعية الشيعية، قاطعاً الشك في استحقاقه، ليكون المهيمن على كل السلطات والمؤسسات، وهو يستعد للتقدم بذكاءٍ محسوبٍ من مستشاريه، لكي يتوّج خلفاً للمرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، الذي يرقد على فراش الموت، والذي منحه بركاته عند بدء الاعتصامات، طالباً من الآخرين دعمه، وإذا ما اصطدم مقتدى بعديد منافسيه الذين ينتظرون دورهم للهيمنة على السلطة الروحية لشيعة العراق، فإن حزمةً أخرى من التهديدات كفيلة بتراجع المنافسين، وردّهم على أعقابهم، وثمّة اصطدام آخر سوف يكون مع طهران التي تسعى إلى أن يكون خلف السيستاني، مبايعاً لولاية الفقيه، وخاضعاً لها، لكن طهران، بخبرتها الطويلة في تعاملها مع المرجعيات العراقية، ستعرف كيف تحل هذا الاشكال، وتتفادى الاصطدام، وتعيد الصدر إلى حظيرتها، وهو يعرف أيضاً كيف يتلوّن، كي يكون في خدمة طهران، وفي الوقت نفسه، كي لا يكون!
واستباقاً لمشروع الخلافة، عمل أتباعه على تحويل المكان الذي اعتصم فيه مزاراً دينياً، يزوره الناس للتبرك به وتقبيل تربته.
مقتدى الصدر، بعد ذلك وقبله، يريد أن تسعى السلطة إليه تجرّ أذيالها، وقناعته أن السلطة لا
تصلح إلا له، وأنه الوحيد الذي يصلح لها، تعكس ذلك صورته الإشكالية، حتى لدى مريديه وأتباعه، متمرداً أحياناً، خاضعاً أحياناً أخرى، ملتبساً في تمردّه وخضوعه، يتصدّى لكل السلطات، يشكّل لجنةً لاختيار وزراء جدد، ويصادق على "الكابينة" الوزارية المقترحة، ويطلب عرضها على البرلمان، و"ليقبل من بقبل، وليرفض من يرفض"، ويوجه إنذاراً موقوتاً إلى رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لإعلان تشكيلةٍ وزاريةٍ جديدة، وإلا فإنه سيعمد إلى خطوة "الشلع قلع": كما سمّاها. وعندما يخضع العبادي، ويعرض تشكيلته على البرلمان، يدير الصدر وجهه نحو البرلمان، مهدداً أيضاً. ومع هذا كله، فهو يدعو إلى احترام الدستور الذي لا يعطيه حقاً في ممارسة سلطةٍ فوق السلطات الثلاث، وهو أيضاً يدعو إلى "احترام استقلال السلك القضائي وعدم التدخل في مجريات عمله"، لكنه ينصّب من نفسه حاكماً، ويحجز نائب رئيس الوزراء المقال، أحد حيتان الفساد، وهو من قادة تياره، ويطلب ممن عنده أدلة على فساد المذكور تقديمها له، لكي يستطيع مقاضاته، وتجريمه على أساسها، ثم يطلق سراحه لعدم وجود الأدلة!
هو ينتقد "العملية السياسية" الطائفية، وينقد رجالها، لكنه يظل داخلها، ويخشى انهيارها، وله فيها وزراء يمثلونه، ونوابٌ لا يخرجون عن طاعته، وسفراء يروّجون طروحاته، ومدراء عامون يسوسون دوائرهم وفق توجيهاته، وكما هو معروف، هناك حصةٌ ماليةٌ لتياره من "عمولات" عقود المقاولات والاتفاقيات القائمة تحت سلطة وزرائه، والقانون ينظر إلى تلك "العمولات" على أنها سرقة من المال العام الذي يطالب الصدر بعدم المساس به.
يدعو إلى إلغاء المحاصصة السياسية، لكنه يؤكد على ضرورة "مراعاة التوازن بين مكونات الشعب"، وكلمة "المكونات" تعبير ملطف لكلمة "الطوائف والأعراق" التي هي من إرث حاكم بغداد بعد الغزو، بول بريمر.
وهكذا، خطوة، خطوتان، وفي الخطوة الثالثة يتكرّس إعلان الصدر "مرشداً أعلى"، ويصبح مشروع "الدولة الدينية" ماثلاً أمام العيون. عندها ستسقط رهانات العلمانيين، ودعاة "التحالف المدني" الذين وضعوا أنفسهم في ذيل "التيار الصدري"، وسيخرجون من المولد بلا حمص.
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"