دخلت وزارة البترول إلى جانب جهاز المخابرات في مصر، مفاوضات مع رجال الأعمال المشاركين معهما في شركة "غاز شرق البحر المتوسط"، وعلى رأسهم المستثمر الألباني، علي إيفسين، بغية الوصول إلى قرار نهائي بشأن مشروع الاتفاق مع شركتي ديليك ونوبل إينرجي المشغلتين لحقل غاز ليفياثان الذي تحتله إسرائيل، لتحصل الشركتان على حق السيطرة على خط أنابيب الغاز الواصل إلى مصر، مقابل خفض قيمة غرامة قضية التحكيم التي رفعتها شركة كهرباء الاحتلال ضد مصر، على خلفية تخريب خط تصدير الغاز المصري للكيان الإسرائيلي بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ثم وقف التصدير.
وتبدو الأجواء السياسية بين مصر والاحتلال الإسرائيلي، مواتية لعقد الاتفاق، رغم ما يحدوه من مسائل عالقة، على وقع التقارب الاستثنائي بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ارتباطاً بالتنسيق الأمني والعسكري المتصاعد بشأن العمليات العسكرية في شمال شرق سيناء، وبشأن الأوضاع في غزة، واعتماد نتنياهو على السيسي كوسيط رئيسي للتواصل مع حركة حماس، وانتهاءً بالمعلومات التي نشرتها القناة العاشرة الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، عن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى مصر، في مايو/أيار الماضي.
ونشرت وكالة بلومبرغ تقريراً، مطلع الشهر الحالي، ذكرت فيه أن حصول الشركتين على حق السيطرة، خطوة أساسية وضرورية لتنفيذ الاتفاقية الموقعة في فبراير/شباط الماضي لتصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار على مدار 10 سنوات.
مصادر قانونية مطلعة على سير المفاوضات بين الجهازين الحكوميين المصريين (وزارة البترول وجهاز المخابرات العامة) والشركاء الباقين في شركة "غاز الشرق"، قالت، في حديث مع "العربي الجديد"، إن رجل الأعمال علي إيفسين، الذي كان ثاني أكبر مستثمر في الشركة في عهد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، بعد صديقه رجل الأعمال المصري حسين سالم، طلب من مصر إسقاط جميع الاتهامات والتحقيقات التي بدأت غيابياً حول ثروته ودوره في غسل أموال سالم وأسرة مبارك، حتى يعطي المصريين الموافقة على مشروع الاتفاق مع شركتي ديليك ونوبل إينرجي أو أن تبادر مصر بشراء أسهمه الباقية في الشركة.
وأضافت المصادر أن المفاوضات مع إيفسين "تتم في أجواء ودية وإيجابية"، لكن هناك بعض المعوقات أمام الاتفاق مع الشركتين المشغلتين للحقل الإسرائيلي.
فإسرائيل، الداعمة للشركتين، عرضت أن تخفض الغرامة التي حصلت شركة الكهرباء الحكومية على حكم بها ضد مصر من 1.76 مليار دولار إلى 470 مليون دولار تدفع على 15 عاماً، بضمان مصرف إقليمي أو دولي له فروع في مصر وإسرائيل، لكن مصر لا توافق على العرض حتى الآن لأسباب عدة.
السبب الأول يعود إلى أن مصر رفضت سابقاً تخفيض الغرامة إلى نحو 300 مليون دولار، وتريد عقد مقايضة أفضل لها، بإسقاط كامل الغرامة مقابل حصول إسرائيل على حق إسالة الغاز المنتج في الحقول التي استولت عليها، بمصنع الإسالة في دمياط، والذي تديره شركة "يونيون فينوسا" الإسبانية بشراكة مع "إيني" الإيطالية.
وسيؤدي هذا المقترح المصري إلى حل عقدتين، الأولى تمكين إسرائيل من إسالة الغاز، مقابل تخفيض الغرامة وحصول مصر على جزء من الغاز وبالتالي تحقيق مكسب للطرفين، والعقدة الثانية زيادة مكاسب الشركة الإسبانية وإغراؤها بالتنازل عن دعوى التحكيم التي رفعتها ضد مصر، منذ ثلاث سنوات، بسبب انخفاض ضخ الغاز لمصنع الإسالة عن الكميات المتفق عليها.
أما السبب الثاني للرفض المصري فهو أن إسرائيل تتحدث فقط عن تخفيض قيمة الغرامة الصادرة من المحكمة الفيدرالية السويسرية، والتنازل عن دعويين أخريين أمام مراكز تحكيم أوروبية، لكن مصر تريد منها أيضاً إقناع شركة "أمبال أميركان" بالتنازل عن دعوى التحكيم المرفوعة أمام المركز الدولي لمنازعات الاستثمار "إكسيد" بسبب وقف تصدير الغاز المصري للكيان الإسرائيلي، الأمر الذي لا يبدو أن حكومة الاحتلال متحمسة له.
والسبب الثالث يتعلق بخلاف تفصيلي حول سعر الغاز المستورد، إذ تريد مصر تخفيضه، مستخدمة أفضليتها بأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك مصانع الإسالة، وأن إسرائيل تحتاج إلى استخدام هذه المصانع لتتمكن من توريد الغاز إلى أوروبا.
وأوضحت المصادر التي تحدثت مع "العربي الجديد" أنه على الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بين مصر وإسرائيل والمستثمرين، إلا أن "الأجواء تبدو مهيأة أكثر من أي وقت مضى للتوصل إلى اتفاق".
وكان وزير البترول المصري، طارق الملا، أعلن، الصيف الماضي، أن مصر لن تعقد أي اتفاق مع إسرائيل بشأن الغاز قبل إنهاء المسار القانوني ودعاوى التحكيم، فيما اعتبر خطوة استراتيجية لدفع إسرائيل إلى التسوية الودية.
وكانت وكالة بلومبرغ ذكرت أن شركتي ديليك ونوبل إينرجي ستؤسسان شركة جديدة في قبرص، وستدخل هذه الشركة في ما بعد في شراكة مع شركة هولندية ستؤسسها شركة "غاز الشرق" المصرية بالتعاون مع بعض المستثمرين، وسيحصل الشركاء جميعاً بموجب الصفقة على ملكية خط الأنابيب التابع لشركة "غاز الشرق" والواصل من إسرائيل إلى مصر، لكن حق السيطرة سيكون مع شركتي ديليك ونوبل باحتفاظهما بنحو 60 في المائة من الأسهم.
والتزمت السلطات المصرية الصمت إزاء التقرير المنشور، نظراً لتولي الملف من قبل جهاز المخابرات الذي يديره حالياً اللواء عباس كامل، والذي كان يعمل كمدير لمكتب رئيس الجمهورية. وحصل الجهاز، بعد إتمام التصالح مع رجل الأعمال حسين سالم، على حصته من الأسهم، علماً أن سالم كان يدير الشركة كواجهة للمخابرات منذ تأسيسها وحتى رحيله عن مصر وملاحقته قضائياً بسبب علاقته الوطيدة بمبارك ونجليه جمال وعلاء.