مفاوضات جديدة حول سد النهضة: مسار معقّد يصعّب الاتفاق

مفاوضات جديدة حول سد النهضة: مسار معقّد يصعّب الاتفاق

03 اغسطس 2020
أضرار بيئية واقتصادية على مصر من ملء السد (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تنطلق اليوم الاجتماعات الفنية والقانونية في الجولة الجديدة من مفاوضات قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، التي يأمل المصريون أن تكون الأخيرة، وتؤدي إلى اتفاق ملزم على القواعد وألا تقتصر على التوصل إلى مبادئ استرشادية، لضمان وضع حد للأضرار المائية والاقتصادية والبيئية المتوقعة من إنشاء السد، لا سيما بعد الضربة التي وجهتها أديس أبابا لمساعي القاهرة والخرطوم في التوصل إلى اتفاق بإنجازها مرحلة الملء الأول، الشهر الماضي، قبل إتمام التفاوض. ومن المقرر أن تبدأ الجولة باجتماع يحضره وزراء المياه والري في الدول الثلاث، وسيلقي كل منهم بياناً عن أولويات بلده في المرحلة الحالية، ثم سيتبعه انطلاق المناقشات بين الوفود. وبحسب مصادر حكومية فنية مصرية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن البيان المصري سيركز على أولوية واضحة، هي ضرورة الالتزام بما تم الاتفاق عليه خلال القمة المصغرة لمكتب الاتحاد الأفريقي أخيراً بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قانونياً، وبوضع آلية واضحة لفض المنازعات في حال حدوثها.

مصر ستركز على أولوية التوصل إلى اتفاق ملزم قانونياً، ووضع آلية واضحة لفض المنازعات في حال حدوثها

وكشفت المصادر أن الاتصالات الأخيرة التي دارت بين الأطراف الرئيسية والمراقبين والوسطاء، خلال الأسبوعين الماضيين، نبهت إلى محاولات إثيوبية للتذرع بعدم إمكانية التوصل إلى اتفاق ملزم على ضوء المبدأ الخامس من اتفاق المبادئ الموقّع في مارس/آذار 2015 والذي يمنحها صلاحية تعديل قواعد الملء والتشغيل حسب الحاجة وإبلاغ دولتي المصب بذلك، الأمر الذي ترفضه مصر والسودان، اللتان ستؤكدان خلال الجولة ضرورة الفصل بين مسار الطبيعة القانونية للاتفاق، وإمكانية تعديل القواعد الفنية بناء على التغيرات الطارئة والتوافق على ذلك. لكن إثيوبيا من جانبها ترفض أي مقترح ينال من سيادتها المطلقة على تشغيل السد. وأضافت المصادر أن إثيوبيا ستركز من جهتها على مسألة المحاصصة والمساواة في استخدامات مياه النيل الأزرق، باعتبارها أولويتها الحالية بعدما حققت نجاحاً واضحاً في المفاوضات السابقة، بتكريس حقها في الملء وباستغلال الوضع المائي للفيضان الحالي لإرجاء البت في كل المسائل العالقة.

وبحسب المصادر، ما زالت هناك خمس قضايا أساسية يجب حلها للتوصل إلى اتفاق نهائي على المستوى الفني، أولها عدم وضوح برنامج الملء المستمر والدائم للسد، وثانيها حجم التدفق اليومي من السد والذي سيصل إلى سد الروصيرص في السودان حتى لا تتأثر السلامة الإنشائية للأخير، إذ تتمسك الخرطوم بأن يكون التغير في حدود 250 مليون متر مكعب وتقترح أديس أبابا 350 مليونا. أما ثالث القضايا فهي عدم الاتفاق حتى الآن على حجم التدفق العام في فترات الجفاف والجفاف الممتد، والذي تقترح مصر أن يكون 37 مليار متر مكعب كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 مليارا وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. وتتمحور القضية الرابعة حول غياب خطة إثيوبيا للاستخدامات الخاصة بالمياه، سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرها. أما القضية الخامسة فهي ضرورة الاتفاق على معايير قياس امتلاء سد النهضة (وسد السرج الاحتياطي المجاور) مجتمعين والربط بينه وبين سد الروصيرص والسد العالي، وهي مسألة تراها مصر ضرورية، في حين تراها إثيوبيا مدخلاً للربط بين السدود، وهو ما ترفضه.

وسبق أن قدّمت مصر مصفوفة توضح أن التدابير التي تضمّنتها مسودة اتفاق واشنطن التي وقّعت عليها مصر منفردة نهاية فبراير/شباط الماضي، تُبقي منسوب المياه، إذا توافرت كل حالات الاستثناء من جفاف وتمرير لأعلى نسبة مطلوبة من المياه، عند 605 أمتار تقريباً، علماً أن نقطة الجفاف النظرية هي 603 أمتار. وأوضحت المصفوفة أيضاً أن تمرير كمية تتراوح بين 37 ملياراً و38 مليار متر مكعب في أوقات الجفاف ستبقي السد ممتلئاً بكمية تصل إلى 23 مليار متر مكعب، وهو ما يكفي تماماً لتوليد الطاقة المطلوبة، إذا كان بالفعل توليد الطاقة هو الهدف الأول من إنشاء سد بهذه الضخامة، الأمر الذي غدا محل شك كبير من المصريين والسودانيين، دفعهم إلى المطالبة بخريطة استخدام التصرفات.

أما القضايا القانونية التي ما زالت عالقة فهي: عدم التوافق الكامل على مدى إلزامية الاتفاقية التي سيتم توقيعها، وثانيها عدم التوافق على آلية فض المنازعات التي ستنشأ مستقبلاً حول تشغيل السد والملء، وثالثها رغبة إثيوبيا في تحويل الاتفاقية إلى اتفاق للمحاصصة في مياه النيل وإلغاء اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، ورابعها وأحدثها رغبة أديس أبابا في انتزاع موافقة القاهرة والخرطوم على إقامتها مشاريع مائية أخرى على مجرى النيل الأزرق وتطبيق القواعد الاسترشادية الخاصة بسد النهضة عليها، الأمر الذي ترفضه مصر نهائياً.

تعتبر إثيوبيا أن مصر ليس لها الحق في أن تتداخل معها في كيفية إدارة السد إلا بعد الوصول إلى مستوى التخزين الذي يؤثر فعلياً على حصتها من المياه

وأوضحت المصادر أن التقارير الثلاثة التي رفعتها الدول الثلاث إلى رئيس جنوب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، سيريل رامافوزا، وأعضاء هيئة مكتب الاتحاد ومفوضيته قبل القمة المصغرة الأخيرة، تضمّنت مقترحات كل منها بشأن تسع قضايا، خمس فنية وأربع قانونية، يجب التوصل إلى حلول لها قبل توقيع أي اتفاق، لكن عدا بعض الأفكار السودانية للوساطة، لا يوجد تغير كبير في موقف مصر أو إثيوبيا إزاء تلك القضايا، مما ينبئ بمفاوضات معقّدة.
وذكرت المصادر أن مصر والسودان ستجددان رفضهما المطلق لفكرة تأجيل حسم بعض القضايا إلى ما بعد التشغيل الأول للسد، وهي عقبة زمنية أخرى تحاول إثيوبيا استغلالها لصالحها لتبقى المفاوضات قائمة إلى أجل غير مسمى ومن دون حلحلة تحت رحمة الأمر الواقع.

واستمراراً لإجادة أديس أبابا في التعامل الإعلامي والسياسي مع الأزمة، أطلقت الحكومة الإثيوبية بالتعاون مع سفاراتها في الخارج والجاليات ومجموعات التأثير الأفريقية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، حملة للتغريد والتدوين على مواقع التواصل الاجتماعي عن أهمية السد في مسيرة الشعب الإثيوبي وتاريخه، بهدف استباق جولة المفاوضات الجديدة التي سيحضرها المراقبون من بعض الدول الغربية.

يذكر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حسم، الأسبوع الماضي، الخيارات المصرية المتاحة، قاصراً إياها على التفاوض ومشاركة الشعب المصري مع الحكومة في المشاريع التي تهدف إلى تقليل الأضرار الحتمية الناتجة عن إنشاء السد وتشغيله وملئه، رافضاً التلويح بتهديد الإثيوبيين. وانتقد السيسي من يدعون إلى العمل العسكري أو التخريبي للسد بقوله: "مع احترامي لكل الآراء... انت قلقان ماتهددش حد وماتتكلمش كتير بكلام مالوش لزوم"، موضحاً أن مصر تؤمن بحق الآخرين في التنمية "مثلها"، وفي الوقت نفسه اقتسام جميع الأطراف للأضرار المتوقعة في ما بينهم، واستطرد: "يجب كل واحد فينا يكون أسدا صغيرا في مجاله، لنصبح سوياً أسدا كبيرا... الأسد محدش بياكل أكله ومحدش يجور على حقه".
وفي مايو/أيار الماضي، كشفت "العربي الجديد" عن نشر منظومات دفاع جوي متطورة حول سد النهضة، استعداداً لأي هجوم مصري محتمل، وأن إثيوبيا حصلت على المنظومات الجديدة من روسيا وأوكرانيا، وأنه تم تجريبها في عدة مناسبات مطلع العام الحالي، قبل نقلها إلى ولاية بني شنقول التي يقع فيها السد. كما أن بعض المنظومات تم إدخال تعديلات عليها بواسطة الشركة العسكرية للمعادن والهندسة (ميتيك) التابعة للجيش، والتي أجرى آبي أحمد تعديلات واسعة على هيكلها الإداري منذ صعوده إلى السلطة لتحسين جودة عملها، علماً أنها كانت تشارك سابقاً في عمليات إنشاء أجزاء من سد النهضة.
وتعتبر إثيوبيا أن مصر ليس لها الحق في أن تتداخل معها في كيفية إدارة السد إلا بعد الوصول إلى مستوى التخزين الذي يؤثر فعلياً على حصتها من المياه، علماً أن كل توربينات السد ستكون جاهزة للعمل عند اكتمال تخزين كمية 18.4 مليار متر مكعب، مما سيؤدي إلى تناقص منسوب المياه في بحيرة ناصر جنوب السدّ العالي بشكل كبير، خصوصاً إذا انخفض منسوب الفيضان في العامين المقبلين، ليقل عن مستوى 170 متراً، مما يعني خسارة 12 ألف فدان من الأراضي القابلة للزراعة في الدلتا والصعيد كمرحلة أولى، من إجمالي 200 ألف فدان تتوقع وزارة الموارد المائية والري المصرية خروجها نتيجة المدة الإجمالية للملء.

موقف
التحديثات الحية