مفارقات بشأن العدوان

29 يوليو 2014
+ الخط -


التأثم لأحداث ومذابح غزة صفة أصحاب الرجولة والمروءات، والتنصل الذي يخيِّم على أنظمة وعلماء وعامة، من صفات أصحاب الخسة والنذالات. التأثم هو الشعور الأول لكل حرٍّ يرى هذا الإجرام الصهيوني في حصد أرواح أهلنا في غزة، ويتحول الشعور بالإثم إلى قرار بالمناصرة، فيتحول، لدى العلماء، إلى فتوى بوجوب المناصرة والمؤازرة ضد الأنظمة الفاشية التي تجاوزت جرائم هتلر وستالين وشاوشسكو وغيرهم، ويتحول لدى العلماء وعموم الأمة إلى تيار هادر جارف، مطالب الدولة بأن تتدخل لنصرة المظلوم أمام ظالمه، تتبعاً للحديث الشريف الذي رواه البخاري: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما". وهنا، يجب أن تتحرك الدبابات والطائرات العربية والإسلامية، والجيوش النظامية والتطوعية، لنصرة فلسطين وأهلها الصامدين، فمجازر بني صهيون لا يُسكت عنها، وإلا صار الإثم ملاحقاً الحاكم والمحكوم، العالم والعامي، الرجل والمرأة، إذا تنصلوا من المناصرة القولية والعملية لقضية تمس عمود حياتهم وأمتهم.

لعلنا نستحضر من التاريخ الإسلامي ما يُروى أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اختار الصحابي الجليل، سعيد بن عامر، ليكون والياً على حمص، ولما سأل عنه الحجيج متابعاً تصرفات الولاة، شكوا واليهم أربع شكاوى، منها: أن سعيد بن عامر يغشى عليه كثيراً، ولا يكاد يفيق، فسأل سعيد بن عامر ما شأنك؟ فقال: يا أمير المؤمنين كلما ذكرت أني في الجاهلية رأيت خبيب بن عدي يعذبه المشركون حتى قتلوه وهو ينشد:

ولست أبالي حين أقتل مسلما    *****     على أي جنب كان في الله مصرعِ
وذلك في ذات الإله وإن يشأ    *****      يبارك على أشلاء شلوٍّ ممزع

يقول سعيد بن عامر: كلما ذكرت ذلك اليوم وأني لم أنصر خبيباً، وتذكرت سؤال الله لي يوم القيامة يغشي عليَّ. هذا الشعور بالتأثم الذي يدل على نبل صاحبه، ومروءته، على الرغم من أن هذه واقعة كانت قبل أن يسلم، "والإسلام يجبُّ ما قبله"، لكنه ظل متأثماً حتى بعد إسلامه، فلماذا هذا التنصل من العلماء والأنظمة والشعوب عن نصرة غزة، متى تعود إلى العرب وللمسلمين مروءتهم التي كانت تدفعهم فطرتهم النقية إلى التأثم الذي تتبعه نصرة لكل مستغيث، ويتحرَّجون عن سؤاله عن سبب استغاثته إلا بعد نصرته.

النائبات ثقُلت واشتدت واستقوَت على أهلنا في غزة، ولا ناصر لهم إلا الله، وسينتصرون إن شاء الله على جبابرتهم أجمعين، لكن أيقنوا أن الذين ظلموا نوعان هم المجرمون والمتنصلون، وأن الناجين هم الأحرار المتأثمون المناصرون للمظلومين حتى لو كانوا غير مسلمين. تأثموا وتحرَّكوا وناصروا تفلحوا في الدنيا والآخرة، ولا تتنصلوا فتُحرجوا وتُحرقوا في الدارين.

avata
avata
صلاح الدين سلطان (مصر)
صلاح الدين سلطان (مصر)