مفاجأة كيم الهيدروجينية... قنبلة تلد خوفاً وخوف يلد قنبلة

مفاجأة كيم الهيدروجينية... قنبلة تلد خوفاً وخوف يلد قنبلة

07 يناير 2016
يتفاخر كيم جونغ أون بأنّ بلاده تمتلك الأسلحة النووية(Getty)
+ الخط -
يكفي الإشارة إلى أنّ قوة انفجار قنبلة هيدروجينية واحدة يزيد عن انفجار ما بين 100 إلى 1000 قنبلة ذرية، أي ما يعادل انفجار عشرين مليون طن من مادة (تي إن تي) التقليدية، وفقاً لمصادر علميّة، لمعرفة سرّ الخوف العالمي الناجم عن إعلان كوريا الشمالية إجراء تجربتها الأولى لتفجير قنبلة هيدروجينية، أمس الأربعاء.

هاجس الزوال
وكانت كوريا قبل تقسيمها إلى شمال وجنوب، مستعمرة يابانية، وبالتالي هي جزء من تحالف دول المحور أثناء الحرب العالمية الثانية. ومثلما تمّ تقسيم ألمانيا بعد الحرب إلى شرق وغرب، فقد جرى تقاسم النفوذ في كوريا عبر تقسيمها إلى كوريتَين شمالية خاضعة لنفوذ الاتحاد السوفييتي، وجنوبية حليفة للولايات المتحدة. واستشعرت كوريا الشمالية الخطر منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، مدركة أن مصير نظامها إلى الزوال أو الضم إلى كوريا الجنوبية بمساعدة أميركية. وللتحرّر من هذا الهاجس، كان لا بدّ من صناعة "قنابل الخوف" التي كانت كفيلة بإطالة أمد النظام، وإن كان ذلك بثمن باهظ، يكمن في إطالة عمر الفقر والمعاناة. وقبل الوصول إلى التجربة النووية الأولى، كان لا بد من المرور بمرحلة تمويه وخداع الأعداء فرضتها الضرورة.

بدأت المرحلة التمهيدية لكوريا الشمالية عام 1991، بالتزامن مع انشغال الولايات المتحدة بتحرير الكويت من الغزو العراقي، إذ وقّعت كوريا الشمالية اتفاقاً مع شقيقتها الجنوبية للمصالحة وترسيم الحدود بينهما، قبل أن تبدأ شكوك المجتمع الدولي تجاه نوايا كوريا الشمالية بالبروز إلى العلن. عام 1992، سمحت كوريا الشمالية للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشآتها. وفي العام 1994 توفي الزعيم الكوري الشمالي، كيم ايل سونغ وخلفه ابنه كيم يونغ ايل، زعيماً للبلاد. وعادت الاتهامات توجّه لكوريا الشمالية بأنها تعمل على صنع قنبلة نووية. زادت تلك الشكوك، عندما رفضت بيونغ يانغ في ذلك العام إخضاع مركزَين نوويَّين لها للتفتيش الدولي. عام 1995، وافقت الولايات المتحدة رسمياً على المساعدة في إمداد كوريا الشمالية بمفاعلَين نوويَّين متطورَين مصمّمَين لإنتاج بلوتونيوم منخفض الدرجة لا يرقى لصنع سلاح نووي.

عام 1996، ضربت كوريا الشمالية مجاعة شديدة في أعقاب الفيضانات الكاسحة التي شهدتها. وفي العام 1998، أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً فوق اليابان، وسقط في المحيط الهادئ. عام 2002، وصف الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش كوريا الشمالية بأنها "جزء من محور الشرّ مع العراق وإيران"، متهماً إياها بامتلاك برنامج تسلح بالسرّ. وبناء عليه، قرّرت واشنطن وقف شحنات النفط إلى كوريا الشمالية، فقامت الأخيرة بإعادة تشغيل مفاعل بيونغ بيون وطردت المفتشين الدوليين. عام 2003، انسحبت كوريا الشمالية من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، وأعلنت أنّها أنتجت كميّة كافية من البلوتونيوم لبدء إنتاج قنابل نووية، وحصولها على مواد كافية لإنتاج ما يقارب من ست قنابل نووية. 

عام 2005، أعلنت كوريا الشمالية أنّها تمكّنت من إنتاج أسلحة نووية للدفاع عن نفسها. وأجرت في العام 2006 تجربة إطلاق الصاروخ تايبو هون دونغ -2، الباليستي العابر للقارات، قائلة، إنّه يمكن تطويره ليطاول أية مدينة أميركية. في العام ذاته، أجرت كوريا الشمالية تجربة نووية تحت الأرض لتثبت للعالم أنّ القلق الأميركي كان له ما يبرّره. وأجرت بيونغ يانغ تجربتَين لاحقتَين لقنابل نووية يستخدم فيها الانشطار الذرّي عامَي 2009 و2013، ما أدى إلى تشديد العقوبات الدولية عليها.

وكان الرئيس الكوري الشمالي الحالي، كيم جونغ أون يجاهر بالقول، إن "القوة النووية وحدها هي أساس السلام والازدهار". وبغض النظر عن مصلحة بيونغ يانغ في المبالغة بحجم قدراتها في تصنيع أسلحة الدمار الشامل، وإجراء التجارب عليها، فإن امتلاكها قنابل نووية أصبح أمراً مؤكداً بعد التجارب الثلاث النووية.

القنبلة الهيدروجينية

بدأ الحديث الأوّل عن القنبلة الهيدروجينية لكوريا الشمالية في سبتمبر/ أيلول 2015، عندما حذّر معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، من خطورة ما يبدو أنه "خليّة ساخنة" جديدة قيد البناء في المجمع النووي الرئيسي في كوريا الشمالية، "يونغبيون". واعتبر المعهد أنّ هذه الخليّة قد تستخدم لفصل النظائر المشعّة وإنتاج مادة التريتيوم. وهذه الأخيرة، هي إحدى نظائر الهيدروجين، ومن العناصر الأساسية لصنع قنابل حرارية تفوق قوتها القنابل التي لا تحتوي سوى على اليورانيوم أو البلوتونيوم.

في 10 ديسمبر/كانون الأوّل الماضي، كشف رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، خلال جولة تفقدية في أحد المواقع العسكرية، عن أنّ بلاده تعكف على تصنيع قنبلة هيدروجينية، متفاخراً بأنّ بلاده "دولة قوية تمتلك الأسلحة النووية على استعداد لتفجير قنبلة ذرية وقنبلة هيدروجينية للدفاع عن سيادتها بطريقة أكيدة"، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء المركزية الكورية آنذاك. 

اقرأ أيضاً: كوريا الشمالية تعلن عن نجاح أول تجربة لقنبلة هيدروجينية

ولم يمرّ شهر على كلام الرئيس، حتى أفادت مراكز عدة لرصد الزلازل، أمس الأربعاء، وقوع نشاط زلزالي بقوة 5.1 درجات بمقياس ريختر بالقرب من موقع "بونغ كيه ري" للتجارب النووية، شمال شرقي كوريا الشمالية. وذكرت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية، أنّ الحدث يشبه زلزالاً اصطناعياً. ورجحت كل من الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، واليابان أن يكون الزلزال الذي رصدته وكالات المسح الجيولوجي، أمس، ناجم عن تجربة نووية.

لم تتأخر كوريا الشمالية بالرد، عبر إعلانها أنّها أجرت تجربة وصفتها بـ"الناجحة" لقنبلة هيدروجينية. وقال التلفزيون الكوري الشمالي، إنّ التجربة التي حضرها زعيم البلاد، كيم جونغ أون كانت ناجحة وأجريت بسلام وإتقان، مؤكداً أن بيونغ يانغ تملك الآن قدرات القنبلة الهيدروجينية. وذكر التلفزيون أن "التجربة أُجريت بأمر من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، قبل يومين من عيد ميلاده".

وفي تعبير واضح عن أنّ خوف كوريا الشمالية من نوايا الولايات المتحدة تجاهها يفسر إصرارها على التسلح النووي، شدّد خبر التلفزيون الرسمي، على أن كوريا الشمالية لن تتخلى عن قدراتها النووية، ما لم تتخل الولايات المتحدة عن سياستها "المعادية"، وتطمئنّ على "عدم حدوث اعتداء على سيادتها"، مضيفاً أنّها "ستتصرف كدولة نووية مسؤولة". وذكر التقرير التلفزيوني، أنّ "القنبلة صغيرة الحجم"، مشيداً بـ"التجربة التي جاءت ثمرة لتقنيتنا ويدنا العاملة. وهي دليل على أن الوسائل التكنولوجية التي قمنا بتطويرها جيدة وتدل علمياً على تأثير قنبلتنا الهيدروجينية المصغّرة".

ويشكّك المحلل والخبير في مؤسسة "راند كوربوريشن" الفكرية الأميركية، بروس بينيت، بأنّ "هذا السلاح كان على الأرجح بحجم القنبلة الأميركية التي فُجّرت في هيروشيما، لكنها لم تكن قنبلة هيدروجينية". ويضيف أن "الانفجار الذي حصل كان يفترض أن يكون أقوى بعشر مرات على الأقل". ويرى بعض الخبراء أن "بيونغ يانغ لا تزال بعيدة جداً عن إمكانية إنتاج قنبلة هيدروجينية"، على الرغم من اعترافهم بقدرتها على صنع أسلحة ذرية صغيرة، وهي مرحلة أساسية في إنتاج الرؤوس النووية.

تحدٍ واستفزاز
وبعد الإعلان عن تجربة أمس الأربعاء، حمّلت الولايات المتحدة بعنف على ما وصفته بـ"الاستفزازات الكورية الشمالية"، لكنها أكدت في الوقت عينه، أنها "غير قادرة على تأكيد ما إذا كانت بيونغ يانغ قد أجرت تجربة لقنبلة هيدروجينية أم لا". وقال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، نيد برايس، في بيان، أنه "لا يمكننا تأكيد هذه المعلومات حالياً، لكننا ندين كل انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولية، وندعو كوريا الشمالية من جديد إلى احترام التزاماتها وتعهداتها الدولية". وأضاف برايس، أن "الولايات المتحدة سترد بشكل مناسب على كل الاستفزازات الكورية الشمالية".

وفي طوكيو، دان رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي التجربة، معتبراً أنها "تشكل تحدياً خطيراً لجهود العالم الهادف إلى الحد من الانتشار النووي وتهديداً جدياً لليابان". كما دانت سول بشدة التجربة النووية، معتبرةً أنها "تحدٍ خطير للسلام العالمي"، مؤكدةً أنها "ستتخذ كل الإجراءات الضرورية لمعاقبة بيونغ يانغ". ورأت منظمة معاهدة حظر التجارب النووية، أن "التجربة النووية الكورية الشمالية تهديد خطير للسلم والأمن الدوليين".

بدوره، أكّد وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، أن إجراء كوريا الشمالية لتجربة قنبلة نووية "استفزاز" و"انتهاك خطير" لقرارات الأمم المتحدة. وقال هاموند، "إذا تبيّن أن المعلومات عن تجربة قنبلة هيدروجينية كورية شمالية صحيحة، فسيكون ذلك انتهاكاً خطيراً لقرارات مجلس الأمن الدولي واستفزازاً أدينه بلا تحفظ".

الحرب الكورية

في بداية العام 1950، كانت السياسة الخارجية الأميركية بقيادة جون فوستر دالاس، الذي اتهم بتحريض كوريا الجنوبية على استدراج الشمالية للحرب. وكان الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين يرفض أن تكون كوريا الشمالية من يبدأ هذه الحرب. إلّا أن قائد الثورة الصينية ماو تسي تونغ، جعل الزعيم السوفييتي يغيّر موقفه بعد تهديد دالاس بتكسير رؤوس الشماليين، إذا عبروا خط الفصل بين الشطرَين. وفي منتصف العام 1950، اجتاحت قوات كوريا الشمالية الأراضي الجنوبية، فيما نوقشت المسألة الكورية في مجلس الأمن بغياب الوفد السوفييتي نتيجة مقاطعته جلسات المجلس احتجاجاً على قبول تايوان عضواً دائما فيه. وقرّر مجلس الأمن تشكيل قوات متعددة الجنسية بقيادة أميركية للدفاع عن كوريا الجنوبية.

وأرسل ماو تسي تونغ 250 ألف مقاتل صيني لمساعدة كوريا الشمالية، فيما اكتفى ستالين بإرسال السلاح والتقنيات الحربية. وعلى الرغم من تفوّق سلاح الجو الأميركي في الحرب، حقّق جيش كوريا الشمالية تفوّقاً في معارك كرّ وفرّ استمرت ثلاث سنوات، إلى أن اتفق الطرفان على هدنة في العام 1953 تنصّ على العودة إلى خط العرض الثامن والثلاثين ليكون خطاً فاصلاً بين قوات الكوريتَين.

اقرأ أيضاً: إجماع دولي على رفض وإدانة تجربة كوريا الشمالية النووية