مغرب في العراء

08 ديسمبر 2014
+ الخط -
يبدو أن أغلب النقد السياسي المغربي ينتمي إلى المدرسة التي رفعنا حجارتها جميعا بالتشارك، كما رفعت قريش حجرها الأسود، بنصيحة من الصادق الأمين، صلوات الله وسلامه عليه. لا أحد ينفرد بإعلاء صرح هذه المدرسة، شكلا ومحتوى، إلا إذا خلطنا الكل في قدر طبيخ، ووضعناه فوق نار سنوات الرصاص، حيث احتكر المخزن المُكشر، لأسباب يعرفها الجميع، الأستاذية، وخرج أجيالا من الإعاقات النفسية، لازلنا نعاني منها جميعا، رغم تبدل الأحوال، واستبدال البرامج العبوسة بأخرى طلقة الأسارير.
تحرمنا هذه الإعاقات من الإبداع في تمدين المخزن، ومخزنة المجتمع المدني، بالمدلول الإيجابي، طبعا، للوضعين. وهما وضعان تربويان بالأساس: تربية المخزن حتى لا يجد نفسه إلا في المجتمع المدني، متماهيا معه حد الفناء الصوفي، وحتى يموت كل وجود له خارج هذا المجتمع، وداخل شرنقة السلطة المتعالية. وفي المقابل، تربية المجتمع على التصالح، حد التقمص، مع الحمولة الإيجابية للمخزن. حتى لا يشعر بوجود للمخزن خارج الجسم المدني، بكل قضاياه وانشغالاته وطموحاته، في بناء دولة المؤسسات التي تشتغل بكيفية آلية، وإن سكتت التعليمات. أدرك أنه برنامج شاسع، متعدد المكونات، ودونه خرط القتاد. لكن، لا خيار لنا إلا المضي في هذا الاتجاه، وفاء لقرون من التاريخ، عاشها المغرب دولة عظيمة واحدة، حينما كان حتى الجوار الأوروبي مجرد كيانات مضطربة.
لا ترف فكري في هذا الكلام، مادامت الأدلة لا تعوز لإثبات الإفلاس السياسي الحالي، ومنها:

1.ايغال الحزبية في الانتخابات، وانسحابها، كلية، من التربية السياسية البناءة للمواطن. لم تتخرج الأحزاب بعد من مدرسة الانتخابات ذات الآليات والبرامج المعلنة والسرية، حتى يكاد المواطن يجزم أن نزع ضرس حَيّ وعنيد، في كل يوم، أهون عليه من الانتماء لهذه الأحزاب.
مدارس التربية السياسية مؤجلة، إن لم نقل مبغضة، لأن المفروض فيها حضور القيم والأخلاق وماء الوجه، والكل متفق، منذ زمان.

2. انتهت المعارضة الاحترافية، وليس المواطنة، إلى الإعلان، على رؤوس الأشهاد، بأنها معارضة صاحب الجلالة. هذا كل ما بدا لها أن تدلي به، حينما تَكَرَّرَ على مسامعها، بمناسبة وبدون، بأن الحكومة حكومة صاحب الجلالة.

بالله عليكم أعزائي القراء، خصوصا من يشتاق إلى العمل السياسي البناء، نت دون أن يجد في الساحة من يبادله شوقه، هل تجدون في الدستور شيئا من هذا؟ هل كان جلالة الملك سيوافق لو عرضت عليه لجنة الصياغة أن تجتمع في شخصه الحكومة والمعارضة معا؟ كل يدعيه لنفسه، هو الذي لم يدخر جهدا في الإقناع بلا حزبيته، وبكونه، حتى وهو الجالس على العرش، مواطنا بكل حقوقه وواجباته المدنية.
لا أدل على سعي المخزن نحو التمدين، من هذا المثال، فهل ارتقى أداء الحكومة والمعارضة، معا، إلى مستوى احترام الاختصاصات الدستورية، حتى يتمتع الملك بكامل حقوقه في الحياد؟ لماذا يصر الطرفان على تحميل الملك المسؤولية على المواقف السياسية، والأداء ين التشريعي والتنفيذي معا؟ وهما يعرفان أن المسؤولية تعقبها المحاسبة، فهل يعيان مأزق إطلاق الكلام على عواهنه؟ هل نقرأ في هذه التصريحات تملصا استباقيا من أية محاسبة؟ هل نفهمها على أنها خطاب انتخابي يقول للمواطنين، من الآن، بأن "الله غالب"، لم نكن نملك أمرنا؟
لهؤلاء الذين يصرون على إحياء علوم الانتخابات فقط، وليس علوم التربية على المواطنة، أقول:
إن المواطنين أصبحوا يفهمون الدرس البليغ الذي يقدمه الملك، في كل تحركاته، خصوصا حينما يترجل عن الموكب الرسمي، ليمتطي صهوة مواطنته، بكل حرية، ويمضي في الطرقات كسائر الناس.
فمتى ترشد الحكومة والمعارضة لتفهما بأن الملك لا يعارض إلا حينما يرى ما لا يعجبه كأي مواطن، وبعيون المواطنين المتضررين. هذه المعارضة الملكية لا يمكن أن تكون من جنس المعارضة الاحترافية، وحتى الصادقة، التي تفننت فيها المعارضة المغربية.
فبأي حق دستوري ومنطقي تنسب المعارضة نفسها إلى صاحب الجلالة؟
وإذا صح، بمعنى بروتوكولي تراتبي، بأن الحكومة هي حكومة صاحب الجلالة، فهذا يجب ألا يتضمن أن أداءها التنفيذي هو أداء الملك.
إذا تركنا جانبا ما هو قاهر من الأنواء، واستمعنا إلى سياسيينا، عسانا نقف على تفسير منطقي لهذا الذي حدث للبنية التحتية، فلن نجد للسيل اللفظي سوى وجهة واحدة: تحميل كل المسؤولية للحكومات الحالية والمتعاقبة.
لا أحد ينكر هنا مسؤولية الإدارات الترابية، كما تعاقبت بدورها، لكن لا أحد من المنتخبين يستطيع إقناع المواطنين بأنه في سنة كذا اعترض على فساد المشروع كذا. كان المفروض، اعتبارا لهول ما وقع، أن تكون بين أيدينا كرونولوجيا ضخمة من الصراعات الجماعاتية مع السلطات الوصية، كما تعاقبت، وحتى توثيقات لاستقالات، حدثت انتصارا للجودة في هذا المشروع أو ذاك.
ولا أعتقد أن الإدارة الترابية تمتلك، بدورها، ما تثبت به تمسكها بالجودة، بتاريخ كذا، في مقابل طرف جماعاتي أصر على الغش. كل شيء كان يمضي على ما يرام، وفق أعراف نبتت كالفطر على حواشي المدونات المعمول بها. لا تنتهي الصفقة إلا لتبدأ أخرى، ولم ينتبه أحد إلى أن الماء، كالعرق، دساس، ولن تجد لجان محاسبة أعلى من لججه.
هل ننسب الفساد، حيثما تأكد وجوده، للحكومات ومعارضاتها في البرلمان، أم للمجالس الجماعية ومعارضيها المحليين؟ هؤلاء الذين يُلَبسون علينا اليوم بالانتساب، وظيفيا، لصاحب الجلالة، هل يدركون الآن حجم النقص في مصداقيتهم. حينما يدشن الملك قنطرة لتغدر بعابريها في أول فيض، من المسؤول؟ الحكومة أم المعارضة؟
ليحاسب الجميع، وان كرهت الحكومة والمعارضة، وإن كان من نفع للضرر الذي أصابنا، فليكن التربية على تحمل الأمانة، وحملها كاملة إلى أجلها، ولا أقول المسؤولية فقط. يستطيع كل واحد أن يتملص من المسؤولية، لكن بهتانه ينكشف أمام الأمانة التي يرعاها علام الغيوب.
إنها مناسبة لإصلاح القضاء والأداء معا، حتى يخرج كل من لا يطيق الحساب من مدرسة الانتخابات، وحتى لا تقدم الأحزاب مرشحيها إلا بعد أن تكون قد شيدت لهم مدارس التربية على المواطنة.
وهي مناسبة لينتبه المواطن إلى خطورة أمانة الاختيار، التي كثيرا ما يعبث بها، طوعا أو كرها، يوم الانتخاب. وهي مناسبة لإعادة النظر في هذه الجماعات القروية المتشظية، بدون مبرر معقول، وهي لا تملك قطميرا. إنها من مخلفات زمن لم تكن الإدارة الترابية تعني غير الضبط والكبح.
وهي مناسبة ليتعلم بعض المسؤولين كيف يخاطبون المواطن، منكوبا وغير منكوب، حتى لا نسمع قائدا قرويا يعد المواطنين بأن السلطة ستكون حاضرة، حينما يتعلق الأمر بالأكفان. يجب أن يكفن هذا المسؤول إداريا إن صدقت المواطِنة في روايتها.
ورب ضارة نافعة.

6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)