مغادرة الوافدين تهدد عقارات ومصارف ومتاجر الخليج

مغادرة الوافدين تهدد عقارات ومصارف ومتاجر الخليج

16 سبتمبر 2020
عاملات فلبينيات بمطار الكويت الدولي
+ الخط -

تواجه دول الخليج خلال الأعوام المقبلة مجموعة من التحديات الاقتصادية بسبب جائحة كورونا وتداعياتها على النشاط الاقتصادي، وكذلك بسبب تدهور أسعار النفط، وتراجع سعر صرف الدولار، والتغيير الديمغرافي في الخارطة السكانية بعد مغادرة مئات الآلاف من الوافدين إلى بلدانهم وانعكاسات ذلك على النشاط التجاري والخدمي.

ولا يبدو أن عملية التطبيع بين كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل التي تم توقيع اتفاقها أمس الثلاثاء في واشنطن ستساهم في حل أي من هذه الأزمات، رغم ما صاحبها من زخم إعلامي في الغرب. 
على صعيد العملة الأميركية، فإن تدهور سعر صرف الدولار سيعني ارتفاع أسعار السلع المستوردة من آسيا وأوروبا، بسبب ارتباط سعر العملات الخليجية بالدولار، وهو ما يعني أن السلع المستوردة بالعملات الخليجية ستصبح أغلى عند حساب السعر التبادلي للعملات الخليجية مع عملات الدول المصدرة للسلع. 
أما على صعيد تدهور أسعار النفط في الأسواق الدولية فإن ذلك سيقود إلى ارتفاع حجم الديون السيادية بسبب حاجة دول الخليج الشديدة إلى تمويلات وقروض لتغطية الإنفاق المتزايد بالميزانية بسبب الضائقة التي تعاني منها الحكومات والشركات في وقت تتراجع فيه إيرادات دخل النفط. 
ويتوقع معهد التمويل الدولي أن يتراجع الدخل النفطي بدول الخليج خلال العام الجاري 2020 إلى 200 مليار دولار مقارنة بنحو 326 مليار دولار في العام 2019. كما يتوقع المعهد الذي يوجد مقره في واشنطن كذلك أن تكون كل من البحرين وسلطنة عمان من أكثر الدول المتضررة من تدهور أسعار النفط ومداخيله، إذ إن البحرين تعتمد على السعودية والإمارات في الدعم المالي. وربما تتعرض عملتها الدينار لضغوط في أسواق الصرف.

ولكن الأزمة الكبرى التي تواجه النشاط الاقتصادي بمنطقة الخليج ستتمثل في مغادرة الوافدين وبشكل مكثف خلال العام الجاري، خاصة في الإمارات غير النفطية بدولة الإمارات مثل دبي والشارقة، وكذا في الكويت وسلطنة عمان والبحرين. إذ إن النشاط الاقتصادي والخدمي في هذه الدول يعتمد بدرجة رئيسية على القوة الشرائية التي تمثل القوى الوافدة نصيب الأسد منها. 
وحتى الآن ظهرت أضرار مغادرة الوافدين على النشاط العقاري ومتاجر السلع والسوبرماركت والمجمعات التجارية وقطاع الفنادق في العديد من دول المنطقة، ولكن تدريجياً ربما تنعكس أزمة العقارات والسياحة على البنوك التجارية. 
ووفق تقارير وبيانات البنك الدولي فإن دول الخليج تواجه صدمتين خلال العام الجاري، وهما تراجع دخل النفط وتراجع حركة السفر والسياحة وانكماش القوة الشرائية.
ويلاحظ أن العديد من خبراء الاقتصاد في المنطقة نظر لمغادرة الوافدين بدول الخليج من جانب واحد وهو تضرر الدول التي ينتمي إليها الوافدون والمتمثل بخسارة تحويلات المغتربين. وهو جزء مهم في الاقتصادات العربية والآسيوية التي تنتمي إليها معظم العمالة الوافدة في الخليج.

إذ بلغت تحويلات المغتربين بدول الخليج نحو 109 مليارات دولار في العام 2018، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، من بينها 40 مليار دولار حجم التحويلات إلى آسيا خاصة لدول مثل الهند وبنغلاديش وباكستان التي تملك جاليات ضخمة في منطقة الخليج. 
ربما نظر البعض إلى هذا الجانب كمكسب لدول الخليج من حيث توفير الأموال النازحة وبالتالي تخفيف العبء عن الاحتياطيات الخليجية من النقد الأجنبي، ولكن هذا يمثل طرفاً واحداً من تداعيات مغادرة العمالة الوافدة وانعكاساتها السالبة المتعددة على النشاط الاقتصادي، إذ إن الطرف الثاني من المعادلة هو تضرر دول الخليج نفسها من خسارة هذه القوى الشرائية الهائلة التي تنعش الحركة التجارية والعقارية والسلعية والخدماتية. 
ويرى محللون أن تداعيات مغادرة الوافدين للدول الخليجية تتفاوت من دولة لأخرى، ولكن تشير البيانات الصادرة عن الشركات الغربية، إلى أن الإمارات غير النفطية بدولة الإمارات وسلطنة عمان والكويت والسعودية هي الأكثر تضرراً من حيث التأثير السلبي على النشاط الاقتصادي، إذ إن قطاع العقارات والخدمات وتجارة السلع يشكل نسبة مهمة من إجمالي الناتج المحلي. 

في هذا الشأن يرى رئيس شركة "إسترولاب غلوبال استراتيجي" الأميركية، أوليفر بي جون، أن "مغادرة القوى العاملة المهاجرة ستكون لها تداعيات كارثية على اقتصاديات الخليج".
وقال جون" سنرى تداعيات سلبية حقيقية على الاقتصاد في إمارات غير نفطية مثل دبي التي تعتمد على القوى العاملة الوافدة في شراء وإيجار العقارات وانتعاش حركة تجارة السلع والخدمات".
ويمثل الوافدون نحو 90% من سكان إمارة دبي. ومن المتوقع أن تكون لهجرة الوافدين تداعيات على قطاع العقارات والبنوك في دول الخليج، إذ إن الرهن العقاري ربما يطلق موجة من الإفلاسات وسط الفنادق والمطاعم وبنايات المكاتب والشقق السكنية، إذ هبطت قيمة أصولها المرهونة، ومن غير المستبعد أن تقود لسلسلة من المتاعب المالية في قطاعات أخرى مرتبطة بالعقارات. 
في هذا الشأن، تشير بيانات مؤسسة " أكسفورد إكونومكس" إلى أن نحو 900 ألف وافد ترتبط إقاماتهم بوظائف في الإمارات العربية المتحدة ربما يفقدون وظائفهم خلال العام الجاري، وهو ما يعني أنهم سيرجعون إلى بلادهم بسبب غلاء المعيشة في الدولة الخليجية. وتعد حكومة الإمارات خطة لمنح 20 ألف وظيفة في قطاعات استراتيجية لمواطنيها خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. 
وتعتمد إمارات صغيرة مثل الشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة على الوافدين في إنعاش القطاع العقاري والخدمات على الوافدين الذين عادة ما يعملون في وظائف بدبي، ولكنهم يسكنون في هذه الإمارات الصغيرة بسبب الهدوء المتوفر فيها لعائلاتهم مقارنة بضجيج دبي التي اصبحت عاصمة عالمية قريبة الشبه في أسلوب حياتها بالعواصم الغربية. وبالتالي فإن القطاع العقاري والفندقي وقطاع المطاعم والترفيه في هذه الإمارات الصغيرة سيعاني كثيراً خلال العامين الجاري والمقبل. 
وربما تنعكس أزمة العقارات على المصارف التي اقرضت قطاع الإنشاءات بكثافة خلال السنوات الماضية على أساس أن هذه الإمارات ستحقق النجاح الاقتصادي الذي حققته دبي. ويساهم دخل قطاع العقارات بنسبة 5.4 من إجمالي الناتج المحلي في الإمارات، أي حوالى 80.2 مليار درهم سنوياً. 

في ذات الصدد تعاني سلطنة عمان التي تم تخفيض تصنيفها الائتماني خلال الشهر الجاري من قبل كل من وكالة موديز ووكالة فيتش من أزمة عقارية تتمثل في تدهور الأسعار وتراجع أسعار الإيجارات، إضافة إلى تزايد المساحات غير المشغولة في قطاع البنايات المكتبية والشقق السكنية. 
وتشير بيانات شركة سافيل إلى أن حوالى 79 ألف وافد غادروا البلاد بين مارس/ آذار ويونيو/ حزيران الماضي، حسب بيانات مركز الإحصاء الوطني العماني في مسقط. 
وفي السعودية تشير دراسات شركة جدوى إلى أن 300 ألف غادروا السعودية خلال العام الجاري. وواجه المغتربون في المملكة صعوبات مالية حتى قبل جائحة كورونا، إذ رفعت الحكومة السعودية من ضريبة القيمة المضافة إلى 15%، كما رفعت رسوم الإقامة، بالإضافة إلى قوانين السعودة التي فرضت كوتة على القطاع الخاص في المملكة وغرامات مالية ضخمة على الشركات في حال عدم تنفيذها لشروط السعودة. 
يذكر أن الاقتصادات الخليجية غير النفطية بنيت على أساس التجارة والخدمات والسياحة وتملك العقارات، وكانت حركة الاستثمار في إمارات مثل الشارقة وعجمان تأتي أساساً من أثرياء السعودية والكويت وقطر، ولكن يلاحظ أن هذه الاستثمارات ضربت خلال الأعوام الأخيرة، بعضها بسبب محاصرة قطر وأخرى بسبب تضييق السعودية على الأثرياء وتجريد العديد منهم من ثرواتهم وأخرى بسبب الخسائر التي تكبدها المستثمرين في العقارات الإماراتية خلال السنوات الأخيرة. 
وكانت أسعار العقارات في دبي قد وصلت إلى أوج ارتفاعها في الأعوام التي سبقت أزمة المال العالمية في العام 2008، ثم انفجرت الفقاعة مخلفة العديد من الضحايا.