معهد الأورام المصري يظلم المرضى

معهد الأورام المصري يظلم المرضى

07 يناير 2020
تنتظر من يرأف بطفلها المريض (جوناثان رشيد/ Getty)
+ الخط -

ترتفع نسبة إصابة الأطفال بأمراض السرطان، خصوصاً سرطان الدم، في مصر لأسباب عدّة، منها التلوث وكثرة استخدام المبيدات. لكن الفقر وغياب التخصصات في عدد من المحافظات يقللان من الأمل بالشفاء

يومياً، يتردد على المستشفيات الحكومية المصرية أطفال أنهكتهم أمراض السرطان، خصوصاً سرطان الدم، الذي يحتل المرتبة الأولى من بين الأمراض الخبيثة التي تصيب الأطفال.
ويستقبل المعهد القومي للأورام في العاصمة القاهرة، والتابع لجامعة القاهرة، ما بين 900 و1000 حالة يومياً جاؤوا من كل حدب وصوب، علماً أن أكثر من 30 في المائة من هذه الحالات هم أطفال، وغالباً ما يأتون من محافظات الصعيد التي تفتقر إلى مستشفيات متخصصة. ويقتصر دور الأطباء في الصعيد على تحويل هؤلاء الأطفال للعلاج في المعهد، لعدم قدرتهم على تحمُّل نفقات وتكاليف العلاج الباهظة، أملاً في الشفاء.

معاناة يومية

تبدأ معاناة أطفال سرطان الدم مع ذويهم في المعهد للحصول على موعد لإجراء الفحص الطبي. ويصطف المئات في طوابير للحصول على دور لإجراء الفحص قبل الساعة 12 ظهراً. وتعد هذه أولى مراحل العذاب قبل الانتظار أمام غرفة الطبيب، ثمّ إجراء التحاليل والأشعة. يضاف إلى ما سبق المعاناة على سرير المستشفى، ثم الانتظار طويلاً قبل الخضوع لجلسات العلاج الكيماوي.



ويشهد المعهد صراخاً شبه يومي من قبل أهالي المرضى، إما بسبب وفاة طفل أو بسبب مريض محجوز نتيجة إصابته بالسرطان، إضافة إلى الإهمال الطبي، وعدم الحصول على العلاج في الوقت المناسب، أو وضع المريض على قوائم الانتظار قبل إجراء عملية جراحية.

قوائم الانتظار

يتحدّث مصدر طبي من المعهد القومي للأورام لـ "العربي الجديد" عن ارتفاع عدد المرضى على قوائم الانتظار، وتزايد عدد الوفيات، لافتاً إلى أن أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين الأطفال هو سرطان الدم. ويقول إن أطفال القرى هم الأكثر معاناة بسبب عدم قدرة أهاليهم على تأمين تكاليف العلاج الكيماوي. ويوضح أن هناك نقصاً في الأدوية والإمكانات وقلة في عدد الأسرّة والأطباء وطاقم التمريض، عازياً سبب ارتفاع سرطان الدم بصفة خاصة بين الأطفال إلى ارتفاع نسبة التلوث في كل ما يتناوله الأطفال، في ظل ارتفاع نسبة المبيدات في الزراعة ومخلفات المصانع التي تلقى في النيل على مدار اليوم.

يضيف المصدر أن هناك تخصصات لعلاج بعض أنواع أمراض السرطان إلا أنها غير متوفرة في باقي المحافظات، من بينها سرطان الدم (متوفر في القاهرة فقط)، ما أدى إلى ارتفاع نسبة المرضى في المعهد القومي للأورام بالقاهرة. ويطالب بضرورة توفر كل التخصصات في كافة المحافظات، للحد من معاناة المرضى وقوائم الانتظار في القاهرة. ويشير إلى أنه إذا استمرت مصر بعلاج مرضى السرطان بكافة أنواعه من دون الرجوع إلى مسببات المرض ستقع أزمة كبيرة لا نستطيع مواجهتها. أما إذا عالجنا المسببات ستكون الكلفة أقل بكثير.

ويرى الطبيب المتخصص في الأورام وعضو الجمعية المصرية لدعم مرضى السرطان، ضياء صالح، أن عدد الحالات الجديدة التي تصاب سنوياً تقدر بمائة ألف مريض، متأملاً ألا تتضاعف. ويشير إلى أن هناك ارتفاعاً في نسبة إصابة الأطفال بأمراض السرطان، خصوصاً سرطان الدم. ويلفت إلى مشكلة تتعلق بارتفاع أسعار أدوية المرض علماً أن معظمها مستورد، والكلفة الشهرية لمريض السرطان تتجاوز العشرين ألف جنيه (نحو ألف و246 دولاراً).



قصص إنسانية

أمضت "العربي الجديد" يوماً داخل المعهد القومي للأورام في القاهرة، للاستماع إلى قصص الناس. قطع محمد التيجاني، وهو موظف في العقد الرابع من العمر، مسافة أكثر من ألف كيلومتر، قادماً من أقصى محافظات الصعيد، وتحديداً من قرى محافظة الأقصر، للوصول إلى المعهد. كان يحمل طفلته (أربع سنوات) ترافقه زوجته، بعدما أخبرهما أحد الأطباء أن ابنته تعاني من سرطان الدم. كان يطالب بعلاجها على نفقة الدولة في المعهد القومي للأورام، مشيراً إلى أنه عانى كثيراً على مدى أسبوع بين المستشفى والفنادق. يقول: "على الرغم من مصاريف التنقل داخل القاهرة والنقل من الصعيد والإقامة في الفنادق، توفيت ابنتي بعد 48 ساعة"، مضيفاً: "حسبي الله ونعم الوكيل". ويسأل: "من تسبب بوفاة ابنتي؟".

أما أحمد عمر (45 عاماً)، الذي كان ينتظر دخول ابنه (14 عاماً) إلى غرفة الطبيب، فيقول: "وقع الخبر علينا في منزلنا الفقير كالصاعقة". جمعت الأموال من أهل الخير، وطلب الأطباء مني التوجه إلى القاهرة، و"ما إن وطئت قدماي المعهد حتى أحسست بالكارثة في ظل الازدحام والشجار والصراخ والبكاء، وشعرت بأنها النهاية. أخشى أن يكون مصير ابني الموت من شدة ما شاهدت في المعهد".

وتقول سلمى عبد الجليل، وهي ربة منزل في العقد الخامس من العمر، من محافظة المنوفية، إنها جاءت إلى المعهد مع ابنتها (17 عاماً) كونها مصابة بمرض سرطان الدم، مضيفة أن الأطباء أخبروها بعدم وجود علاج كيماوي، نظراً لكونها أرملة وليس معها ما يكفيها من المال. نصحها البعض بالتوجه إلى إحدى الجمعيات الخيرية، إلا أنها تطالب الحكومة والمستشفى بتوفير العلاج حتى لا تتعرض ابنتها لانتكاسة تقضي على حياتها.

على بُعد خطوات، كان يجلس عيد أحمد، وهو موظف في القطاع الخاص من محافظة أسيوط، على سلالم المستشفى التي يغطيها التراب. يقول غاضباً: "ابنتي (10 سنوات) عانت كثيراً بسبب سرطان الدم، والدواء غير متوفر ولا يوجد أطباء. لا أعرف كيف أحصل على المال. ربنا كريم".

دلالات