معهد "تشاتام هاوس" يناقش في لندن مئوية وعد بلفور

"تشاتام هاوس" يناقش وعد بلفور في مئويته: عودة إلى كلمات الإعلان الـ67

30 أكتوبر 2017
من الندوة التي عُقدت الخميس (العربي الجديد)
+ الخط -
بمناسبة مرور مائة عام على وعد بلفور، استضاف المعهد الملكي للعلاقات الدولية "تشاتام هاوس"، في العاصمة البريطانية لندن، يوم الخميس الماضي، ندوة بعنوان "وعد بلفور: فلسطين، إسرائيل وبريطانيا بعد مائة عام"، وتحدث فيها عدد من الأكاديميين والصحافيين والسياسيين، ومنهم مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى أفغانستان والعراق ثم سورية، الأخضر الإبراهيمي، والبروفيسور في جامعة "أكسفورد"، أحمد الخالدي.

المتحدثون ناقشوا في مداخلاتهم التناقضات التي تضمنها الإعلان الصادر عام 1917 عن الحكومة البريطانية، وتأثيره منذ تلك الحين وحتى الوقت الحالي. كما شملت المداخلات رؤية الفلسطينيين والإسرائيليين للوعد بعد مائة عام على صدوره، ومدى تأثيره على الشرق الأوسط، إضافة إلى دور المجتمع الدولي بشكل عام، وبريطانيا بشكل خاص، في الوصول إلى حل سلمي للصراع في فلسطين.

وفي معرض إجابته عن سؤال الجلسة الرئيسي "لماذا لا تزال كلمات الإعلان السبعة والستون ذات أهمية حتى اليوم؟" تمحورت إجابة الأخضر الإبراهيمي حول حرمان الفلسطينيين من حقوقهم، والتي كان وعد بلفور قد نص عليها، وإن كان قد تم ذكرهم تحت اسم "الطوائف غير اليهودية".

والإبراهيمي هو عضو في "جمعية الشيوخ"، والتي تشمل عدداً من الدبلوماسيين والشخصيات العامة المتقاعدة، والتي أسسها نيلسون مانديلا، ويترأسها حالياً كوفي عنان.

وشدد الإبراهيمي على أن الفلسطينيين منسيون من المعادلة التي شكلت الواقع الحالي، والتي نجم عنها دولة صهيونية قوية وشعب فلسطيني مشرد ومنهك ويقبع تحت الاحتلال. فلا يصح وصف الواقع الحالي بأنه صراع فلسطيني إسرائيلي، كما يقول، "بل هو احتلال استيطاني من قبل دولة قوية ضد شعب ضعيف".

وانتقد المسؤول الأممي السابق الموقف الدولي المتناسي لمآسي الفلسطينيين، إذ إن النقاشات الجدية حول فلسطين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا تحدث إلا مرة في نهاية الولاية الثانية للرئيس الأميركي، في إشارة إلى دفع الرئيس السابق، باراك أوباما، بالقرار 2334 في مجلس الأمن لإدانة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، خلال آخر شهر له في سدة الرئاسة.



ويرى الإبراهيمي، أيضاً، أن الولايات المتحدة تحتكر الملف الفلسطيني منذ عقدين من الزمان، ولن يتحقق أي حل عادل للفلسطينيين ما دام الأمر كذلك، لأن القوانين المتعلقة بفلسطين في الكونغرس تمر جميعها عبر حلفاء اللوبي الصهيوني في واشنطن.

وروى الإبراهيمي حادثة اعترض فيها المبعوث الإسرائيلي على وصف قطاع غزة بأنه معسكر اعتقال، متحججاً بأنه "من الوقاحة وصف دولة لجأ إليها الناجون من معسكرات الاعتقال النازية بأنها تمارس الفعل ذاته". فما كان من الإبراهيمي، والذي شارك في حرب الاستقلال الجزائرية عن فرنسا في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن استذكر رد مسؤول فرنسي بنفي قيام القوات الاستعمارية الفرنسية بأي انتهاك لحقوق الإنسان خلال حرب الاستقلال، لأن إعلان حقوق الإنسان كان قد صدر عن الثورة الفرنسية عام 1789.

ودعا الإبراهيمي المجتمع الدولي إلى إفساح المجال أمام الفلسطينيين للدفاع عن حقوقهم بالطرق السلمية، والتي منها مقاطعة دولة إسرائيل، المجرّمة في القانون الفرنسي حالياً، متسائلاً "ماذا ننتظر من الفلسطينيين؟ أن يقبلوا الاحتلال وأن يستمروا على هذا الوضع"؟

وجاءت مداخلة البرفسور الفلسطيني في جامعة أكسفورد، أحمد الخالدي، لتروي الرؤية الفلسطينية لوعد بلفور، وتعكس الوجه الاستعماري للسياسة البريطانية في فلسطين.

ويرى الخالدي أن المطالب الفلسطينية لم تعامل، ولا تعامل، بطريقة مساوية للمطالب الإسرائيلية. وذكر الخالدي بأن الاستيلاء البريطاني على فلسطين جاء ضمن سياسة استعمارية يسودها التفكير العنصري، والذي يرى تفوق بعض الأعراق على البعض الآخر. وأشار إلى تصريحات رئيس الوزراء في حينها، ونستون تشرتشل، للجنة بيل خلال الانتداب البريطاني، والذي ادعى حينها أن العرق الأسمى يمتلك ادعاءات أقوى، مشبهاً الاستيطان الصهيوني بفلسطين، بالاستيطان الأوروبي في أميركا وأفريقيا.

كما علق الخالدي على فشل المجتمع الدولي في حماية حقوق الفلسطينيين، وذلك منذ وعد بلفور وحتى الآن، رغم صدور قرارات دولية لصالح الفلسطينيين في العقود الأخيرة. وذكر الخالدي أيضاً بأن بريطانيا بوضعها الحالي غير قادرة على فعل الكثير لتصحيح خطئها التاريخي، ولكنها مطالبة بتحمل المسؤولية، منتقداً تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، الأخيرة بأن حكومتها ستحتفل "بفخر" بالذكرى المئوية للوعد.

وجاءت أيضاً مداخلة القنصل البريطاني العام السابق في القدس، فنسنت فين، لتسلط الضوء على أهمية إيجاد حل للصراع. فهو يرى أن الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون يلعب دوراً في تطرف البعض من الشباب المسلم في بريطانيا، وهو ما يجعل الحل العادل للقضية الفلسطينية مسألة بريطانية داخلية.

وفي محاولته للتركيز على الحلول المستقبلية، يرى فين أن المجتمع الدولي، والذي تلعب بريطانيا فيه دوراً كبيراً، يمتلك القدرة على الحل إذا ضاعف من جهوده، من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وضمان تطبيق القوانين الدولية.

ويعتقد فين، والذي ينتمي إلى حملة مشروع بلفور، أنه يمكن لبريطانيا الدفع بالحل إلى الأمام من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وهو أمر ينال دعم أحزاب المعارضة البريطانية، وهي "حزب العمال" و"الخضر" و"الديمقراطيين الأحرار".

ويوافق هذا العام الذكرى المئوية لوعد بلفور، الذي أطلقه وزير الخارجية البريطاني عام 1917، وجرى تبنيه لاحقاً من قبل عصبة الأمم ضمن شروط الانتداب البريطاني في فلسطين. وينص الوعد بالتزام الحكومة البريطانية بـ"إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين"، مع ضمان الحقوق المدنية والدينية لـ"المجتمعات غير اليهودية".