معضلة مرسي

معضلة مرسي

27 مايو 2019
+ الخط -
6 سنوات مرت الآن على الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي الذي دفعت به جماعة الإخوان المسلمين ليكون أول رئيس منتخب لمصر بعد ثورتها في 2011 مستغلة ثقلها التنظيمي وقدرتها على الحشد الانتخابي.

6 سنوات مرت الآن على الجماعة، لا هي نجحت خلالها في مسعى إعادته للسلطة الذي أعلنته منذ اليوم الأول للانقلاب عليه، ولا هي خرجت لتعلن عجزها عن ذلك وتشرح أسباب هذا العجز.

6 سنوات من المعاناة والاستنزاف النفسي والعاطفي والمادي والاجتماعي لآلاف الأسر التي غيب القتل أو السجن أو التشريد عائلتها أو أحد أعضائها، ناهيك عن الضحايا أنفسهم الذين قتلوا أو اعتقلوا أو شردوا بلا ذنب أو جريرة.

6 سنوات من الهزيمة النفسية والتخبط وضياع البوصلة والصراع الداخلي والبلادة الذهنية والعجز واليأس وانتظار تدخل القدر وتصوير الجمود وعدم القدرة على المبادرة باعتباره صمودا وبطولة.


لو تحدثت إلى أي شخص ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين وطرحت عليه سؤالا واضحا وبسيطا مفاده: هل تعتقد صراحة بإمكانية عودة مرسي للسلطة؟.. ستكون إجابته النفي القاطع بلا تردد.

وهذه الإجابة يترتب عليها سؤال آخر.. لماذا إذا لا تعلن الجماعة ذلك لأعضائها رحمة بقلوبهم المعلقة بسراب كاذب، وأيضا لعموم الناس الذين ينظرون إلى الإخوان باعتبارهم طرفا في صراع سلطة طال أمده؟.. هنا لن تجد إجابة، وستجد انتقادات حادة لقيادات الإخوان العاجزة الفاشلة بل وحتى المريبة من وجهة نظر معارضيهم، أما المتعاطفون معهم فسيحدثونك عن النظام الذي يرفض التفاوض والورقة التي لا يجب أن يلقى بها هباء.

وهكذا تظل شرعية مرسي وجدوى التمسك بها من المسكوت عنه بين الإخوان، سواء الناقمين على القيادات الحالية، أو الموالين لهم، وكأن الجميع في حالة من التيه التي لا تسمح بالتوقف لمراجعة مدى دقة الهدف وسلامة الطريق إليه. ليظل أكثر المستفيدين من التمسك بشرعية مرسي هو الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي قاد الانقلاب عليه عندما كان وزير دفاعه، فهو يعتبر ورقة التخويف بالإخوان من أهم أوراق دعمه داخليا وخارجيا.

وهكذا انقضت 6 سنوات لم تقم فيها جماعة الإخوان المسلمين بمراجعة أخطائها الكبرى وفي مقدمتها السعي لتصدر ثورة بنهج إصلاحي والدفع بمرشح للرئاسة من دون قراءة جيدة للموقف السياسي داخليا وخارجيا.

أما الطامة الكبرى فكانت البلادة في قراءة الموقف وعدم إدراك الفخ الذي نصب للجماعة والإصرار على الهروب للأمام، فكانت النتيجة انقلاب على ثورة يناير وتبديد لكل مكتسباتها واحدة تلك الأخرى.

لم تخسر الجماعة وحدها وإنما خسرت مصر وتلاشى حلم التغيير في وجدان ملايين الشباب، وبدلا من أن يستشعر الإخوان مسؤوليتهم السياسية والأخلاقية عن هذا الإخفاق تفرغوا لتوجيه سهام النقد إلى الجميع باعتبارهم المسؤولين عن إطاحة مرسي بسبب مظاهرة 30 يونيو.

ربما لم يكن مرسي هو الأنسب ليكون أول رئيس لمصر بعد ثورة يناير، فالرجل وهذا لا يعيبه لا يمتلك المقومات الشخصية والسياسية التي تؤهله لقيادة مصر في هذه المرحلة. ربما كان من الممكن أن ينجح في مرحلة أكثر استقرارا، لكن المراحل الثورية تتطلب قيادة جماهيرية قادرة على التحشيد وجمع الأطياف وراء حلم التغيير الثوري ودفع استحقاقات الثورة قبل التطلع إلى نتائجها.

ربما لم يكن من مصلحة مصر ولا ثورتها تصدر جماعة الاخوان المسلمين المشهد في مرحلة لا تناسب طبيعتها الإصلاحية مع قلة بضاعتها السياسية كنتيجة هيكلية لمشاكل تنظيمية أدت لسيطرة معدومي الخبرة السياسية على صناعة القرار في الجماعة.

لكن حدث ما حدث ومنح وجود مرسي في قصر الرئاسة فرصة هائلة للنظام القديم لكي يعيد ترتيب أوراقه ويبدأ التلاعب به قبل أن ينقض عليه وعلى جماعته بكل شراسة. وكانت أية قراءة جيدة لموازين القوى في الداخل والخارج كفيلة بدفع قيادات الإخوان إلى عدم التمسك الانتحاري بشرعية مرسي وفض اعتصامي رابعة والنهضة طوعا قبل ارتكاب المجازر بحق أبرياء غررت بهم قياداتهم وتركتهم فريسة لانتقام بشع من النظام العائد.

أخطاء كثيرة ارتكبت، تتعامى عنها قيادات الإخوان، وترفض المراجعة والمسائلة، متذرعة بصمود القابعين في السجون وعلى رأسهم الرئيس المنقلب عليه، أما حالة اللا فعل واللا شيء التي يمثلونها.. فلا تعليق.
82A71C78-45BA-4ED2-9C18-5B9002AF290B
ياسر الدكاني

صحافي مصري ورئيس قسم الشؤون الخارجية بجريدة الجمهورية.. مهموم بجواهر القيم الإسلامية المتمثلة في العدل الاجتماعي والحرية والتنمية والكرامة الإنسانية.

مدونات أخرى