معركة بايدن في زمن كورونا: معضلة الطابق السفلي

معركة بايدن في زمن كورونا: معضلة الطابق السفلي

13 مايو 2020
قواعد ساندرز مترددة إزاء دعم بايدن (ماندل أنغان/فرانس برس)
+ الخط -
عنون موقع "أتلانتيك" الإلكتروني في مقالة افتتاحية في شهر مارس/آذار الماضي: "ابقَ على قيد الحياة جو بايدن"، في إشارة إلى أن الحزب الديمقراطي لا يحتاج من نائب الرئيس السابق ومرشحه الرئاسي الحالي، سوى الحضور الجسدي لهزيمة الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ومنذ الإعلان عن إجراءات الحجر الصحي، يدير بايدن (77 عاماً) حملته الرئاسية من الطابق السفلي لمنزله في مدينة ويلمينغتون في ولاية ديلاوير، ضمن إجراء لتفادي الإصابة بفيروس كورونا، تاركاً الساحة مفتوحة أمام ترامب. معضلة "الطابق السفلي" هذه تجعل بايدن اليوم على هامش السياسة الأميركية بدلاً من أن يكون مرشحاً حيوياً في صلبها، يزور الولايات والمستشفيات ويعطي صورة مناقضة لترامب الذي لا يبدي أي تعاطف أو محاولة لتوحيد الأميركيين في هذه المحنة. كأن بايدن يوقِع نفسه طوعاً في فخ لقب "النعسان" الذي أعطاه إياه ترامب. وعوضاً عن استغلال كل الهفوات المتعمّدة وغير المتعمّدة التي يقع فيها الرئيس الحالي، جرى اتصال هاتفي نادر بين الرجلين على مدى 15 دقيقة في 6 إبريل/نيسان الماضي، ويبدو كأن هذا التواصل خفف مؤقتاً حدة المعركة بينهما.

ما يمنع بايدن أيضاً من التركيز على معركته الانتخابية، هو تخبّط حملته في موقف دفاعي في وجه الموظفة السابقة في مكتبه في مجلس الشيوخ، تارا ريد، التي تتهمه بالاعتداء الجنسي عليها عام 1993 ودعته إلى الانسحاب من السباق الرئاسي. ودافع ترامب أخيراً عن بايدن في ما يتعلق بتهم التحرش الجنسي الموجّهة إليه، على الرغم من أنّ فريق الرئيس الانتخابي يبث إعلانات دعائية تسلط الضوء على هذه القضية في الولايات المتأرجحة انتخابياً. وعكَس استطلاع رأي "جامعة مونموث" انقساماً بين الأميركيين حول تهم التحرش الجنسي الموجهة ضد بايدن، إذ اعتبر 37 في المائة منهم أنها "على الأرجح صحيحة"، و32 في المائة أعربوا عن اعتقادهم بأنها "على الأرجح غير صحيحة" و31 في المائة ليس لديهم رأي في الموضوع. ولم ينجح بايدن بعد في إيضاح ملابسات هذه القضية لطيّ صفحة مسألة التحرش الجنسي أو صرف الأنظار عنها.

يراهن بايدن على مهادنة ترامب، أي يترك الرئيس الحالي يتخبط في أدائه خلال أزمة كورونا بدلاً من الدخول على الخط وانتقاد البيت الأبيض وتغيير دينامية السباق الرئاسي. هذا الصمت المدوي لبايدن قد يكلفه الانتخابات الرئاسية؛ لأنه يفوّت فرصة استقطاب الناخبين المستقلين خلال أزمة صحية يتابع تفاصيلها كل الأميركيين. مع العلم أنه ضمن فريق عمل بايدن الانتخابي، هناك كبير مستشاريه رون كلاين الذي قاد ردّ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على وباء إيبولا، لكن ليس هناك أي محاولة من بايدن لاستغلال خبرات كلاين عبر الظهور معه في مؤتمر صحافي وتقديم اقتراحات ملموسة في التعامل مع كورونا.
هذا الفراغ الذي يتركه بايدن ملأه الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي دخل على الخط واعتبر تعامل ترامب مع كورونا "كارثة فوضوية مطلقة"، مضيفاً أن "حكم القانون" في خطر في الولايات المتحدة بعد إسقاط وزارة العدل التهم الموجهة ضد مستشار الأمن القومي الأسبق مايكل فلين. رد ترامب عليه كان اعتبار استدراج مكتب التحقيقات الفيدرالي خلال ولاية أوباما لفلين كي يكذب بشأن اجتماعه مع السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك بأنه "أكبر جريمة سياسية في التاريخ الأميركي".

المشهد الانتخابي ليس واضحاً بعد، وبالتالي يحتاج بايدن إلى حضور أكبر إذا أراد تغيير هذا الجمود السياسي. مع العلم أنه في معدل استطلاعات الرأي الوطنية، يتقدم بايدن (46.8 في المائة) على ترامب (42.4 في المائة)، لكن في الخريطة الحاسمة للولايات المتأرجحة انتخابياً يشير استطلاع قناة "سي أن بي سي" إلى أنه في حال جرت الانتخابات اليوم سيحصل ترامب على 47 في المائة من الناخبين المحتملين في أريزونا وفلوريدا وميشيغن وكارولاينا الشمالية وبنسلفانيا وويسكونسن، مقابل 45 في المائة لبايدن. هذا يعني أنّ فرص ترامب في الفوز لا تزال قوية على الرغم من تراجعه في الاستطلاعات الوطنية، بما في ذلك عدم موافقة 52 في المائة على أدائه في التعامل مع كورونا. خلاصة استطلاعات الرأي هي أنّ بايدن يحتاج إلى نسبة إقبال عالية ليفوز، وهذه النسبة تساعد على توفيرها القاعدة اليسارية.

وبالفعل، يسعى بايدن جاهداً لتعزيز التحالف مع المرشح الرئاسي السابق السيناتور بيرني ساندرز لإظهار التفاف الحزب الديمقراطي حوله، لكن هذا الأمر لم يقنع بعد كل القاعدة اليسارية بالتزام التصويت لنائب الرئيس السابق. تم تشكيل لجان عمل مشتركة بين فريق حملتي بايدن وساندرز لتنسيق السياسات حول الاقتصاد والرعاية الصحية والهجرة والتغير المناخي. كما تم التوصل إلى صفقة تقضي بأن يحتفظ ساندرز بمندوبيه في مؤتمر الديمقراطيين، في الصيف المقبل، في صيغة تعطي صوتاً للتيار التقدمي خلال فعاليات تنصيب بايدن رسمياً كمرشح للحزب في الانتخابات الرئاسية. لكن القاعدة اليسارية لا تزال منقسمة بين مجموعة توافق على قرار ساندرز وتجعل هزيمة ترامب أولويتها القصوى، في مقابل مجموعة أخرى غير قادرة على تجاوز تاريخ بايدن. لكن معركة الانتخابات الرئاسية مستمرة، ويحتاج بايدن إلى استراتيجية انتخابية تحاول حملته رسم ملامحها.

وكان الإعلام الأميركي سرّب المذكرة التي وزعتها حملة بايدن على حلفائها، وهي استراتيجية تدعو إلى التركيز على انتقاد "المحسوبية" في خطة الإنقاذ الاقتصادي التي أقرّها البيت الأبيض في ظل كورونا. وتقول المذكرة إن هذه الخطة تحتوي على "أكبر خطة إنقاذ للشركات في التاريخ الأميركي"، وإنّ هناك "تلاعبا ممنهجا فيها لصالح الشركات الكبيرة والأثرياء والقطاع المالي وضد العمال وعائلات الطبقة الوسطى الذين يعانون من أسوأ الخسائر الاقتصادية التي واجهتها البلاد في الذاكرة الحديثة". هذه الاستراتيجية توحي بأن حملة بايدن تحاول ضرب عصفورين بحجر، أولاً تبنّي خطاب يساري ضد الأثرياء والشركات الكبيرة يجذب قاعدة ساندرز الانتخابية، وثانياً التركيز على العمال في المناطق الصناعية في ولايات الوسط الغربي التي لديها دور رئيسي في حسم الانتخابات الرئاسية. لكن المشكلة مرة أخرى هناك تفاوت بين خطاب بايدن وما تفعله حملته الرئاسية.

حملة ترامب أيضاً تستعد للمواجهة، إذ أعطى الرئيس الموافقة على حملة إعلامية بمبلغ 10 ملايين دولار لاستهداف بايدن سياسياً، عبر تسليط الضوء على الفارق بين شخصية المرشحين، ومختصر هذه الحملة هو تصوير بايدن على أنه ضعيف ولم يكن متشدداً مع الصين خلال توليه منصب نائب الرئيس. في ظل انهماك ترامب في تداعيات كورونا وبايدن شبه معزول في منزله، ليس واضحاً بعد من سيضغط الزناد أولاً لإطلاق صفارة المعركة الرئاسية.