معركة الموصل: تحول في المشهد السياسي والعسكري في العراق

معركة الموصل: تحول في المشهد السياسي والعسكري في العراق

29 أكتوبر 2016
واشنطن تريد إبراز الجيش لتحجيم المليشيات (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

لا تتوفر الكثير من الفرص التي يمكن للعراقيين استغلالها لإحداث تغيير حقيقي في الأوضاع السياسية والأمنية، فوقوع أغلب الملفات، إن لم تكن جميعها، تحت مقصلة التوافقات بين الكتل السياسية، التي تتصدر المشهد في البلاد منذ ما يزيد عن 13 عاماً، يجعل فرص التغيير في المشهد الأمني والسياسي، وحتى الاقتصادي المتهاوي والاجتماعي المفكك، قليلة وصعبة جداً في الوقت ذاته. وسرّب سياسيون وأعضاء في البرلمان العراقي أخيراً ما وصفوه بـ"ملامح استغلال أميركي وغربي لمعركة الموصل لتعديل الأوضاع في البلاد"، فيما يؤكد وزير عراقي، لـ"العربي الجديد"، أن "الأميركيين يضغطون أكثر على رئيس الحكومة، حيدر العبادي لتنفيذ إصلاحات قبل انتهاء ورقة تنظيم داعش"، مضيفاً أن "القيادات السياسية في بغداد قلقة في الوقت ذاته من احتمال فوز مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون بالرئاسة بسبب مواقف سلبية لها من حزب الدعوة وقيادات سياسية أخرى، عندما كانت وزيرة خارجية في العام 2010، حيث اتهمتهم حينها بالفشل في إدارة البلاد".

ويجمع مراقبون وسياسيون في بغداد، تحدثت معهم "العربي الجديد"، على أن "واشنطن ترى في معركة الموصل فرصة لإحداث تغييرات في بغداد على المستويين السياسي والأمني، من بينها إبراز دور الجيش العراقي النظامي وتحجيم مليشيات الحشد الشعبي، بعد نحو عامين على مشهد تصدر مليشيات الحشد واجهة العمل العسكري في العراق وتهميش الجيش والشرطة وباقي التشكيلات الأمنية النظامية، فضلاً عن النجاح في تنفيذ أول جهد عسكري مشترك بين الجيش والبشمركة، وترسيخ حقيقة طالما حاولت بغداد تجنبها، وهي أن جميع الانتصارات التي تحققت على التنظيم ما كانت لتتم لولا الدعم الجوي الأميركي لها".

ويقول وزير عراقي بارز، تحدث مع "العربي الجديد" عبر الهاتف من بغداد، "يراد لمعركة الموصل أيضاً أن تعيد تأهيل صورة الجيش العراقي كقوة البلاد الوحيدة، وأن تُحجم مليشيات الحشد التي تغولت أخيراً وتكررت حالات اعتدائها على وحدات الجيش وضباطه"، لافتاً إلى أن "الإدارة الأميركية أبلغت العبادي، خلال مشاركته في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك أخيراً، أنهم أوقفوا دعم العشائر السنية حتى لا تكون الصورة في البلاد أن إيران تدعم المليشيات وواشنطن تدعم العشائر، وبالتالي يكون الجيش عبارة عن هيكل فارغ". وتابع "أكدت معركة الموصل ذلك، والجيش حالياً هو سيد الموقف، وأعتقد أن دوره فاق دور البشمركة الكردية، وهو ما تريده واشنطن أيضاً".


وقال الوزير العراقي إن "رئيس الوزراء جرّب في سابع أيام المعركة (معركة الموصل) السبت الماضي معنى رفع الغطاء الجوي عن القوات العراقية المشتركة، حيث سجل أعلى معدل خسائر في صفوف تلك القوات"، مضيفاً "كان الطيران الأميركي متواجداً من دون مشاركة فاعلة لذا وقعت خسائر، وكان يوماً من دون نتائج على الأرض، لذا فإن الموصل سيكون لها ثمن يدفع في بغداد قبل أن يعيد الجيش رفع العلم العراقي وسط الموصل"، مضيفاً "المعركة باتت بمثابة ترانزيت للانتقال من حالة إلى أخرى. لدينا الآن صورة تختلف للجيش، حيث عاد تفوقه وظهوره الإعلامي والميداني على حساب المليشيات، ولدينا صورة أوضح وأكثر عمقاً للتواجد العسكري الأميركي، وسيزداد بطبيعة الحال خلال الأيام المقبلة. كما أن تحرير الموصل سيكون بمثابة نهاية آخر معاقل التنظيم، واستعادة العراق سيطرته على أراضيه بطبيعة الحال"، مشيراً إلى أن "القيادات السياسية في بغداد تشعر بالقلق من احتمال فوز مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون بالرئاسة، بسبب مواقفها السلبية، عندما كانت وزيرة للخارجية في العام 2010، من حزب الدعوة وقيادات سياسية أخرى اتهمتهم بالفشل في إدارة البلاد حينها".

في السياق ذاته، قال عضو التيار المدني المستقل في بغداد محمد الدراجي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يدور في الإعلام شيء، وما يجري من حراك داخل واشنطن وبغداد وأنقرة شيء آخر"، مضيفاً "أبلغنا مسؤولون في المنطقة الخضراء أن واشنطن تريد حكومة كاملة في بغداد، وأن يتم تسمية وزراء دفاع وداخلية ومالية بسرعة قبل الانتهاء من المعركة، والعبادي مجبر على ذلك، لأن مفتاح النصر في الموصل سيكون بيد واشنطن"، مؤكداً أن "تسمية الوزراء الثلاثة سيكون بكل تأكيد قبل انتهاء المعركة، وفقاً لما تريده واشنطن". ويقول الخبير في الشأن السياسي العراقي والأستاذ في جامعة بغداد، نبيل القيسي إن "التحالف الدولي سيبقى في العراق بعد معركة الموصل، ولن ينهي عمله على الأقل خلال عامين من الآن"، مضيفاً "سيكون هناك خلايا وجيوب متفرقة للتنظيم في صحراء الأنبار وجزيرة نينوى وعلى الحدود بين العراق وسورية وفي مدن وبلدات صغيرة، وستعمل واشنطن على إستخدامها كورقة ضغط بعد الموصل تلوح بها في وجه العبادي لتنفيذ مزيد من الإصلاحات السياسية وإنهاء حالة الإقصاء السائدة على أسس طائفية في الحياة السياسية اليوم، وكلها تحت عنوان: لمنع عودة داعش يجب فعل كذا وكذا، أو يجب عدم السماح لداعش باستعادة قوته عبر تجنيد ضحايا التهميش والإقصاء والانتقام الطائفي. وهذا ما بدا واضحاً أخيراً في تصريحات بعض المسؤولين في واشنطن"، لافتاً الى أن "الموصل لن تحرر قبل شهر كامل على الأقل، لذا فإن فرصة تجيير ذلك لصالح الإدارة الأميركية الحالية، أو هيلاري كلينتون، المدعومة من الرئيس باراك أوباما، غير واقعية حاليا".

معارك مستمرة وتسليح إيراني للمليشيات

وشهدت محاور القتال السبعة حول مدينة الموصل منذ ساعات فجر أمس الجمعة قتالاً متقطعاً وقصفاً متبادلاً بقذائف الهاون بين القوات المهاجمة، مدعومة بطيران التحالف الدولي والمدفعية الأميركية والفرنسية، فيما يتواصل توافد الآلاف من مقاتلي مليشيات "الحشد الشعبي" إلى محافظة نينوى، وبحوزتهم معدات وأسلحة أكدت مصادر في الحكومة العراقية أنها دخلت عبر منفذ بدرة الحدودي مع إيران جنوب شرق العراق، وقدمتها طهران للمليشيات ضمن الاستعدادات لمهاجمة مدينة تلعفر، ذات الغالبية التركمانية، والتي تبعد 70 كيلومتراً غرب الموصل. ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية في الموصل، تحدثت إلى "العربي الجديد"، فإن محوري الشمال والشمال الغربي من الموصل يشهدان اشتباكات متقطعة تتزامن مع قصف بالهاون من الجانبين، وتحديداً عند محور آسكي ومحور سد الموصل، بينما يحاول تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، عبر انتحاريين، إحداث ثغرات في صفوف القوات المهاجمة بهدف استعادة طريق جبل بعشيقة الذي خسره أول من أمس.

وعلى المحور الجنوبي من الموصل، نجحت المليشيات والشرطة الاتحادية في إحراز تقدم واضح في قرية السعفة قرب محور القيارة، بعد قصف جوي مكثف من الطيران الدولي على مواقع التنظيم، قتل خلالها حوالى 15 عنصراً من "داعش" وفقاً للمصادر ذاتها، فيما يستمر القتال بشكل متقطع على حدود بلدات الشورة وبعشيقة وتلكيف. وشهدت الموصل خلال الساعات القليلة الماضية قصفاً مكثفاً من الطيران الأميركي أسفر عن تدمير محطة الطاقة في المدينة وانقطاع الكهرباء بشكل كامل عن الجانب الأيسر من الموصل، فيما أعلنت مصادر طبية في المدينة مقتل ستة مدنيين وجرح 19 جراء القصف، كما قتل عناصر من "داعش" أيضاً.
خلال ذلك، تتوافد قوافل من العربات محملة بعناصر مليشيات "الحشد الشعبي" إلى المحور الجنوبي، تحديداً قرب قاعدة القيارة. وبحسب مصادر حكومية عراقية فإن العبادي وافق على زيادة عديد مليشيات "الحشد" في المحور الجنوبي من 8 إلى 12 ألف مسلح، انتقل أغلبهم إلى هناك. وأكدت المصادر أن المليشيات تتفاوض مع العبادي على دخول الموصل أو التوجه إلى مدينة تلعفر، مبينة أن "رئيس الوزراء وافق على تسلم المليشيات ملف الهجوم على تلعفر"، مؤكدة وصول أسلحة ومعدات إيرانية حديثة لصالح المليشيات دخلت العراق عبر منفذ بدرة الحدودي.

وأكد المتحدث باسم مليشيات "الحشد الشعبي"، أحمد الأسدي تكليف العبادي للمليشيات تحرير مناطق غربي الموصل. وقال، في حديث للتلفزيون الحكومي، "كلفنا من قبل القائد العام للقوات المسلحة العراقية بتحرير مناطق الجانب الغربي، ومنها منطقة تلعفر، وسنحرر كل المناطق ضمن محورنا"، مضيفاً "إننا نتوق لعملية تحرير تلعفر...إننا قادمون". وتابع "نحن اليوم مقبلون لتحرير المحور الغربي من الموصل وصولاً إلى منطقة تلعفر، التي سيتولى تحريرها أهلها من التركمان الشيعة والسنة"، واصفاً حديث أنقرة عن تلعفر بأنه "استفزاز"، محذراً من أن المليشيات ستتعامل مع التدخل التركي.

تحرير 90 منطقة

وأعلنت قيادة العمليات العراقية المشتركة، أمس الجمعة، تحرير أكثر من 90 منطقة، بين قضاء ومدينة وقرية، من قبضة تنظيم "داعش" منذ بدء العمليات العسكرية لتحرير الموصل في 17 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. ووفقا للبيان فقد تم تحرير مناطق بازة خرة، باز كرتان، ترجلة، كبرلى، خراب سلطان، شيخ أمير، شاقولي، بدنة الكبرى، بدنة الصغرى، السرت، مهندس الناصر، السعيوية، الزاوية، وادي الصف، وادي الفج، جديدة الغربية، النجمة السفلى والعليا، كبر نايف، الناصية، سيد حسن، البيجوانية العليا والسفلى، بشمانة، السرج، الحود، قرية المهندس الشرقي، اللزاكة، الزاوية، الخالدية، عين مرمية، البيجوانية الثالثة، الدرج، البكر الأولى، البكر الثانية، الرفلة، برطلة، الشويرات، مفتل، تلول الناصر، أم المناسيس، تل الشوك، رفيلة، عين مرمية، الصلاحية، سيداوة، معمل كبريت المشراق، الحيج، المكوك، الدويزات، الخباطة، المشراق، السفينة، نعناعة، قضاء الحمدانية، هرارة، الرصيف، الشورى الجديدة، مخازن وقود فليفل، إبراهيم الخليل، العدالة، كاني حرامي، بلاوات، إصفية، طويبة، أبو فشكة العليا والسفلى، إخوينة، عين، الشك العليا والسفلى، السفينة، الصجمة، صف التوت، تلول المهار، كرملس، الخفسان، دور الطاقة الحرارية، زلحفة، خزنة، خزنة تبة، طرب زاوة، الموفقية، طهراوة، معمل غاز تلكيف، صف التوث، زلحفة، كنبص، تلول المهار، منطقة القلعات، معسكر جنين. وأضاف البيان إن العمليات مستمرة حتى تحرير مركز مدينة الموصل ورفع العلم العراقي فوق، مؤكداً أن خسائر العدو بلغت 772 قتيلاً ومئات الجرحى وتدمير عدد كبير من معداته وأسلحته وإلقاء القبض على 23 إرهابياً، مبيناً أن طيران التحالف الدولي يقدم إسناداً كبيراً للقوات العراقية.