معركة الفلوجة بالأرقام: أسبوع ثانٍ من المواجهات بلا تقدم

معركة الفلوجة بالأرقام: أسبوع ثانٍ من المواجهات بلا تقدم

30 مايو 2016
وصول تعزيزات عسكرية استعداداً لاقتحام الفلوجة (صافن حامد/فرانس برس)
+ الخط -
دخلت المعارك على أسوار مدينة الفلوجة أسبوعها الثاني بلا أمل يلوح بقرب انتهائها أو حتى بهدنة لإخلاء المدنيين، الذين باتوا يعيشون بين الصواريخ التي تمطرهم بها المليشيات على مدار الساعة، وجرائم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) داخل المدينة، الأمر الذي أدى إلى سقوط نحو 200 قتيل وجريح بين المدنيين، وفقاً لبيان صادر عن مستشفى الفلوجة، تلقت "العربي الجديد" نسخة منه.

وبعيداً عما يبثه طرفا المعركة من بيانات وتفاصيل تبدو في أحيان كثيرة بعيدة عن الواقع، فإن يوم أمس الأحد شهد تطورات في مجريات المعارك، وصفها مراقبون عسكريون بالخطيرة. فقد أثبتت التطورات عدم قدرة القوات العراقية والمليشيات على الاحتفاظ بالمناطق التي دختلها أول أيام المعارك، فضلاً عن وصول تعزيزات جديدة للمدينة، آتية من بغداد، مما يشير إلى وجود عجز واضح بالتقدم، على الرغم من مشاركة أكثر من 33 ألف جندي وعنصر مليشياوي، مدعومين بغطاء من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة فضلاً عن الطيران العراقي.

المحاور الأربعة للفلوجة

ولم تتمكن القوات العراقية النظامية ومليشيات "الحشد الشعبي" من الوصول إلى "المنطقة صفر" وهي منطقة افتراضية معروفة حول الفلوجة، رسمتها القوات الأميركية حول المدينة إبان احتلالها للعراق وخوضها معركتين في عامي 2004 و2005، خسرت الأولى وربحت الثانية ضد المدينة. وتشمل "المنطقة الصفر" محطة القطار شمالاً، والطريق الدولي السريع شرقاً، ونهر الفرات وتحديداً أسوار المستشفى القديم غرباً، وسد الفلوجة امتداداً الى منطقة البيت الكويتي للجنوب الشرقي منها.

وتواصلت "العربي الجديد" مع مصادر مستقلة داخل الفلوجة وضباط في الجيش العراقي، أكدوا أن خارطة سير المعارك في المحاور الأربعة تراوح مكانها وسط نجاح التنظيم في مضاعفة عدد خسائر القوات المهاجمة، وإخفاقه بالمقابل في وقف نزيف قادته الذين يسقطون بفعل المقاتلات الأميركية بما في ذلك عبر طائرات "الدرونز" المسيرة.

ففي الشمال، لا تزال المعارك تجري على مسافة بعيدة عن أول أحياء المدينة السكنية، المتمثلة بحي السكك وحي الشهداء وحي الجغيفي وحي المهندسين وشارع الثرثار، حيث تدور في مناطق البو شجل والزغاريت التابعتين لناحية الصقلاوية التابعة للفلوجة، والتي وصفها زعماء مليشيات "الحشد" بأنها رئة الفلوجة المهمة. أما محور الشمال الشرقي فيبدو أكثر قرباً على المدينة بعد سيطرة القوات العراقية على جسر السجر وأجزاء من المقبرة الإسلامية الواقعة خارج المدينة. وفي المحور الشرقي، تتمركز حالياً القوات العراقية في معامل الطابوق والإسمنت والحراريات، فضلاً عن مخازن المنتجات الغذائية، وبشكل أكثر استقراراً من وضعها في مناطق المحاور، إذ تنفذ تلك القوات هجمات ناجحة ضد "داعش".

أما في المحور الجنوبي، فتتركز المعارك بمناطق البو يوسف، وأجزاء من البو عيفان، التي يتناصف الطرفان السيطرة عليهما، وهي تقع على بعد 7 كيلومترات من الفلوجة، فيما تبعد مواقع المعارك في محور الجنوب الغربي نحو 9 كيلومترات عن حي الجبيل (أول أحياء المدينة). وفي غرب الفلوجة، تبدو أجواء هذا المحور أقل سخونة من باقي المحاور، حيث شهد يوم أمس مناوشات وتبادل رشقات الهاون في مناطق الفلاحات والحلابسة والنساف، وكلها واقعة قبل نهر الفرات (نقطة دخول الفلوجة) وعلى بعد 15 كيلومتراً عن المدينة.


ويمتلك كلا الطرفين نقاط قوة وضعف في هذه المعارك، مما يفسّر عدم قدرة أي منهما على الحسم العسكري في المدى القريب. وتشير التقارير الميدانية الى أن عدد عناصر "داعش" لا يتجاوز بأفضل حالاته 900 مقاتل، وهم يمتلكون أسلحة متوسطة وثقيلة ومدرعات صغيرة، وصواريخ مضادة للطائرات، وكميات كبيرة من الذخيرة، بينما يبلغ عدد القوات المهاجمة، وفقاً لبيانات وتصريحات رسمية من القيادات العراقية وزعماء المليشيات، 33 ألف جندي وعنصر مليشيا موزعين على النحو التالي: 9 آلاف جندي عراقي، 14 ألف عنصر مليشياوي، يمثلون 21 فصيلاً مسلحاً أبرزها "حزب الله"، "أبو الفضل العباس"، "المهدي"، "العصائب" و"بدر"؛ 7 آلاف عنصر من الشرطة الاتحادية، وألفي عنصر من جهاز مكافحة الإرهاب، فضلاً عن ألف مقاتل متفرق وهم من أبناء العشائر العربية السنية المناهضة لـ"داعش"، بالإضافة إلى عشرات من عناصر الحرس الثوري الإيراني ومتطوعين من أفغانستان ولبنان والبحرين. يضاف الى تلك القوات البرية، سلاح الجو العراقي وسلاح الجو الأميركي، وسلاح الجو الفرنسي والبريطاني أيضاً.

ولتنظيم "داعش" نقطة ضعف تتمثل بالحصار وانقطاع التمويل عنه والخشية من نفاد ذخيرته، غير أنه يملك نقاط "قوة" من منظوره، على غرار ورقة الانتحاريين، الذين أسقطوا العشرات من القوات المهاجمة حتى الآن. في المقابل، فإن القوات التي تقاتل التنظيم تمتلك وفرة هائلة من الذخيرة والأسلحة المتطورة، غير أنها تعاني، بالوقت نفسه، من نقطة ضعف تتمثل في عدم درايتها بالمناطق وتضاريس المدينة، الأمر الذي جعلها تقع، حتى الآن، فريسة 12 كميناً نصبها "داعش" بمحيط المدينة.

الخسائر بالأرقام في يومها الثامن

حتى مساء أمس الأحد، بلغت حصيلة الضحايا، منذ بدء معارك الفلوجة، 213 قتيلاً وجريحاً من المدنيين، وتحديداً 80 قتيلاً من بينهم 59 طفلاً وامرأة، و133 جريحاً من بينهم 42 طفلاً و26 امرأة، فضلاً عن الكبار في السن والشبان.

تجدر الإشارة إلى أن مجمل الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، منذ اجتياح "داعش" للفلوجة، بلغت 3521 قتيلاً منهم 343 امرأة و548 طفلاً، فيما أصيب 5964 مدنياً من بينهم 838 امرأة و1013 طفلاً، وفقاً لوثيقة طبية حصلت عليها "العربي الجديد" من داخل مستشفى الفلوجة.

في غضون ذلك، تقدر خسائر تنظيم "داعش" بأكثر من 90 قتيلاً وعشرات الجرحى منذ بدء المعارك، فيما تشير تقارير مستشفيات الكاظمية وأبو غريب واليرموك إلى وصول أكثر من 110 قتلى وعشرات الجرحى من الجيش والمليشيات، قضى أغلبهم بفعل الهجمات الانتحارية.

تعزيزات عسكرية ومخاوف

في غضون ذلك، أعلن قائد عمليات تحرير الفلوجة، الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، عن وصول قوات إضافية جديدة الى محيط الفلوجة مخصصة لعمليات الاقتحام. وقال الساعدي في حديث خاص مع "العربي الجديد" إن "القوات العراقية تمكنت من تحرير قرى وبلدات صغيرة حول الفلوجة، وهذا تقدم كبير وتم تكبيد داعش خسائر كبيرة"، موضحاً أن الكرمة والسجر (بلدات شمال وشرق الفلوجة) تم تحريرها ورفع العلم العراقي فوقها. وأضاف أن العمليات مستمرة، مؤكدا "وصول قوات جهاز مكافحة الإرهاب الى المدينة للمشاركة في الاقتحام".

وفيما أفاد رئيس مجلس محافظة الأنبار، صباح الكرحوت، لـ"العربي الجديد"، أن "مليشيات الحشد لن تدخل الفلوجة وستبقى بمحيطها"، أوضح أن "القوات التي ستتولى عملية الدخول إلى الفلوجة هي القوات النظامية فضلاً عن أنباء العشائر". من جهتها، كشفت مصادر عسكرية عراقية، في بغداد، عن نوايا لمليشيات "الحشد" بالدخول إلى المدينة في حال انكسرت دفاعات "داعش"، على أن ترتدي ملابس الجيش والشرطة الاتحادية، في خطوة ستعكس، إذا حصلت فعلاً، إصراراً كبيراً على الدخول إلى المدينة بأي شكل، وهو ما يثير مخاوف شعبية وسياسية، لا سيما بعد الانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات في محيط الفلوجة، وشملت حرق وسرقة وتفجير لمساجد طاولت أربعة من أبرز المساجد القريبة من المدينة.

المساهمون