معركة الحديدة: ضغوط إماراتية مكثفة لإرغام الحوثيين على الاستسلام

معركة الحديدة: ضغوط إماراتية مكثفة لإرغام الحوثيين على الاستسلام

07 نوفمبر 2018
تتقدم القوات المدعومة من أبوظبي في الحديدة (فرانس برس)
+ الخط -
دخلت معركة السيطرة على مدينة الحديدة الاستراتيجية غربي اليمن، من قبل القوات المحسوبة على الشرعية اليمنية، والتي تتحرك بأوامر من التحالف السعودي – الإماراتي، بقيادة أبوظبي في ما يتعلق بمعركة البحر الأحمر تحديداً، مرحلة حاسمة، بعدما نجحت خلال أسبوع من التصعيد، في تحقيق تقدم عسكري باتجاه قلب المدينة، ما جعلها تصبح على بعد نحو 5 كيلومترات من بوابة ميناء الحديدة الاستراتيجي الذي تستعجل دولة الإمارات السيطرة عليه في إطار مصالحها الخاصة المنفصلة عن الأهداف المحددة أصلاً لحرب اليمن. وبات واضحاً أن استعجال التحالف الإماراتي ــ السعودي، لحسم معركة الحديدة، مرتبط بقرب انتهاء مهلة الشهر، التي حددتها واشنطن في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لإنهاء حرب اليمن والانتقال إلى طاولة المفاوضات المقررة في السويد نهاية الشهر الحالي أو مطلع الشهر المقبل. وبطبيعة الحال، يتوقع أن تكون نتيجة معركة الحديدة، أكانت لمصلحة التحالف السعودي الإماراتي، أو لفائدة الحوثيين، انعكاسا واضحا على سير المفاوضات وموازين القوى على طاولة الدبلوماسية خصوصاً لتحديد شكل أي اتفاق محتمل لإنهاء الحرب.



وعزز التحوُّل في معركة الحديدة لجهة تكثيف التحالف الإماراتي السعودي هجومه، المخاوف بشأن سلامة المدنيين وعمليات إيصال المساعدات الإنسانية عبر الميناء  الذي تمر عبره غالبية المساعدات والمواد التجارية والغذائية ويعتبر شريان حياة لملايين السكان. لكن هذا التحول وضع الحوثيين أيضاً في موقف صعب عسكرياً، الأمر الذي دفع زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، إلى الخروج عن صمته الذي رافق بدء التصعيد منذ أسبوع، والتأكيد في خطاب أمس الأربعاء أن مقاتليه لن يستسلموا، مقراً في الوقت نفسه بتراجع قواته.

ويتوقع أن تنعكس التطورات الميدانية، سواء استمر تقدم القوات المحسوبة على الشرعية أو تجمد على غرار ما حدث سابقاً، على موقف الجماعة في المفاوضات السياسية التي يحاول المبعوث الأممي مارتن غريفيث، من خلال مشاوراته التي يجريها منذ أيام، عقدها نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، متسلحاً بالمهلة الأميركية لوقف الحرب. لكن مصير مساعيه لجمع الأطراف اليمنية على طاولة المفاوضات بات غير محسوم في ظل التطورات الميدانية.

إقرار بـ"اختراق هنا أو هناك"

وفي أول إقرار رسمي من الجماعة بتلقي خسائر في الحديدة، قال الحوثي في خطاب متلفز "هل يعني اختراق العدو هنا أو هناك أو تمكنه من السيطرة على منطقة هنا أو هناك أننا سنقتنع أن نستسلم للعدو؟ أن نسلم له البلد؟ (...) هذا لا يكون ولن يكون". ودعا أنصاره إلى "التحرك الجاد" نحو جبهات القتال، وهاجم الولايات المتحدة الأميركية، معتبراً أنها تدشن التصعيد العسكري بتصريحات عن السلام، في إشارة إلى البيانات الأميركية التي سبقت الموجة الأخيرة من المعارك.

وقال الحوثي في خطاب متلفز بثته قناة "المسيرة" التابعة للجماعة، مساء أمس، "كنا نتوقع أن هناك ترتيبات لتصعيد عسكري كبير وأُعطيت فُرصة لهذا التصعيد مدتها شهر واحد"، في إشارة منه إلى المهلة التي حددها كل من وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين لإنهاء الحرب في غضون شهر، للانتقال بعدها إلى طاولة المفاوضات في السويد والتوصل إلى اتفاق قد يتضمن مناطق حكم ذاتي ووقفاً متبادلاً لغارات السعودية والإمارات، ولصواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة باتجاه البلدين الخليجيين المذكورين، بحسب ما فهم من التصريحات الأميركية الرسمية. وأضاف الحوثي "الدور الأميركي رئيسي وأساسي في العملية العسكرية ضد شعبنا"، وتابع "نغمة الأميركي عن السلام باتت عملية تدشين لكل مرحلة تصعيد". وتابع الحوثي أن "هذه المرحلة من التصعيد (في الحديدة) ليست أول عملية تصعيد، وهي كبيرة وتم الإعداد لها بشكل كبير" من قبل من وصفها "قوى العدوان". وشدد على أن أغلب مناطق الحديدة لا تزال تحت سيطرة مسلحي الجماعة، مشيراً إلى أن التصعيد الأخير، بدأ عند محاور الحدود (مع السعودية) واتجه نحو المناطق الوسطى، في إشارة إلى منطقة دمت بين محافظتي الضالع وإب، جنوبي غرب البلاد. وأشار الحوثي إلى أن "الشعب اليمني يرفض الخنوع أو أن يكون أداة بيد الإماراتي والسعودي اللذين هما أدوات بيد الأميركي". كما هاجم الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قائلاً  إنه "لا شرعية للعدوان ولا لعملائه"، معتبراً أن ولاية هادي انتهت، نظراً لأنه "قدم استقالته وقد انتهى أمره وتفاجأ أيضا بالعدوان"، في إشارة إلى التطورات في عام 2015.

معارك محتدمة وخسائر بشرية 
وتزامنت تصريحات الحوثي، بما تحمله من إقرار بالخسائر ومحاولة حث أنصاره على الانخراط بشكل أكبر في المواجهات، مع تواصل المعارك العنيفة على أطراف مدينة الحديدة الجنوبية الشرقية، وسط خسائر بشرية كبيرة لدى الطرفين بلغت نحو 200 قتيل.
وقال مسؤولون عسكريون يمنيون وشهود على جانبي خط المواجهة في الحديدة، إن ألوية العمالقة، التي دربتها الإمارات وتعد الطرف العسكري الأقوى الذي يخوض المعارك ضد الحوثيين، سيطرت أمس على منطقة حضرية على طول شارع الخمسين، الذي يؤدي إلى مرافق الميناء الرئيسية في المدينة الواقعة على بعد حوالي 5 كيلومترات، وذلك بدعم من طائرات مروحية هجومية من طراز أباتشي. وفي السياق، أعلنت القوات الموالية للحكومة اليمنية أنها أحرزت "تقدماً محدوداً" في الجهتين الشرقية والجنوبية لمدينة الحديدة ومينائها غرب اليمن.

من جهته، قال مصدر طبي لوكالة فرانس برس، أمس الأربعاء، إن الحوثيين أخرجوا فجر الأربعاء الطواقم الطبية من مستشفى 22 مايو، وهو أحد المستشفيات الرئيسية في المدينة وتمركزوا داخله، ووضعوا قناصة في المكان. كما أكدت مصادر طبية مقتل 27 حوثياً بينما قتل 12 من القوات الموالية للحكومة، لترتفع حصيلة المعارك منذ بدايتها إلى نحو 200 قتيل من الطرفين، بحسب مصادر طبية وعسكرية في محافظة الحديدة. كذلك أفادت مصادر محلية، أمس الأربعاء، بسقوط قتلى وجرحى من عمال أحد المصانع في المدينة، جراء سقوط قذائف، لم يتسن على الفور، معرفة مصدرها، بعد أن وصلت المواجهات أمس، إلى قرب منشآت صناعية حيوية، بما فيها "مطاحن البحر الأحمر".
وكانت منظمة "أنقذوا الأطفال" قالت في وقت سابق من هذا الأسبوع إن العاملين في الحديدة "أبلغوا عن نحو 100 غارة جوية في نهاية الأسبوع، أي خمسة أضعاف الغارات في الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي". وكانت القوات الحكومية أطلقت في يونيو/ حزيران الماضي، بدعم من التحالف، حملة عسكرية ضخمة على ساحل البحر الأحمر بهدف السيطرة على ميناء الحديدة، قبل أن تعلّق العملية إفساحاً في المجال أمام المحادثات، ثم تعلن في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي استئنافها بعد فشل المساعي السياسية.

ومرت المعارك بفترة من الجمود منذ ذلك الوقت قبل أن تعود إلى الاشتعال في الحديدة وفي عدد من الجبهات منذ أيام على خلفية الدعوة التي وجهتها الإدارة الأميركية للعودة إلى طاولة المفاوضات ووقف إطلاق النار خلال شهر، يفترض أن ينتهي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

لقاءات غريفيث 

سياسياً، ناقش وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، أمس الأربعاء، مع المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، السبل الكفيلة بالدفع بعملية السلام في اليمن وإجراءات بناء الثقة تمهيدا لإحياء المشاورات السياسية لإنهاء الانقلاب وفقاً لمرجعيات الحل، والتي بات شبه محسوم أن مكان عقدها، متى ما تمت، سيكون في السويد، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء معين عبدالملك بالمبعوث الخاص للسويد إلى اليمن بيتر سيمباي، ومسؤول قسم الخليج في وزارة الخارجية السويدية، هانس غراند بيرغ، أول من أمس الثلاثاء، في العاصمة المؤقتة عدن.

وأكد اليماني حرص القيادة السياسية على المضي في مسار السلام الذي تقوده الأمم المتحدة باعتباره المسار الوحيد لإحلال السلام واستعادة الدولة والأمن والاستقرار، مؤكدا انفتاح الحكومة لمناقشة إجراءات بناء الثقة المقترحة من المبعوث وأبرزها إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمختطفين والمخفيين قسراً. من جانبه أشاد المبعوث الأممي بجهود الحكومة لإحلال السلام، مؤكداً استعداده للعمل مع الحكومة الشرعية قبل تحديد موعد ومكان عقد المشاورات المقبلة الذي يتطلع إلى أن تحقق خطوات إيجابية في طريق السلام في اليمن. ويولي غريفيث أهمية إلى ما يصفه بـ"جهود المسار الثاني" لصنع السلام، قائلاً إنها تؤدي دوراً مكملاً للمفاوضات الرسمية التي يجري التحضير لها بين الأطراف المختلفة في البلاد. وأوضح غريفيث في بيان صحافي أن المسار الثاني يتضمن الجهود غير الرسمية لصنع السلام والمبادرات التي ينفذها وسطاء من مختلف الفئات المجتمعية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسائية والمجموعات السياسية وحركات الشباب والجماعات الدينية والمنظمات المهنية والنقابات العمالية.
وأشار المبعوث الأممي إلى أنه من المهم العمل على صنع السلام في اليمن بالتوازي مع الجهود الدبلوماسية الرسمية لإنهاء الحرب. وأضاف "أن العمل الحقيقي في اليمن يبدأ في اليوم التالي للتوصل إلى اتفاق سياسي، ويجب علينا أن نعمل جميعًا للتحضير لهذا اليوم".
وكشف غريفيث عن لقاءات عقدها مع زعماء القبائل والعاملين في المجتمع المدني من حضرموت ومأرب، على هامش ورشة عمل نظمها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ومجموعة أكسفورد للأبحاث في عمّان. كما استضاف مكتبه في الأردن اجتماعاً مع مجموعة من الشركاء الدوليين والمحليين الذين يعملون على مبادرات المسار الثاني من المفاوضات في اليمن.
وأضاف أن هذا الاجتماع يأتي "في نفس السياق لدعم الدور التكميلي لهذه المبادرات ضمن مسار المفاوضات الرسمية"، وقال إن شركاء المسار الثاني طرحوا آراء حول مسار العملية السياسية، استناداً إلى جولات من التشاور أجروها مع مجموعة واسعة من الأطراف اليمنيين.

 

المساهمون