معركة التجديد لـ"اليونيفيل": لا إجماع على ضغط واشنطن لتوسيع مهماتها

معركة التجديد لـ"اليونيفيل": لا إجماع على الضغط الأميركي لتوسيع مهماتها

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
27 اغسطس 2020
+ الخط -

يجتمع مجلس الأمن الدولي غداً الجمعة من أجل اتخاذ القرار في مسألة تجديد تفويض قوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل) الذي ينتهي بتاريخ 31 أغسطس/آب الجاري لسنة إضافية، وذلك بناءً على طلب مجلس الوزراء اللبناني في جلسة عقدها نهار الجمعة في 29 مايو/أيار الماضي، أكد خلالها ضرورة استمرار الـ"يونيفيل" في القيام بدورها الحيوي على الحدود، لكن من دون تعديل في المهام الموكلة إليها ومفهوم عملياتها وقواعد الاشتباك الخاصة بها.

وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أمس الأربعاء، في مستهل جلسة المجلس الأعلى للدفاع التي عقدت في قصر بعبدا بدعوة من الرئيس ميشال عون، أنّ الأجواء إيجابية مبدئياً بعد اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية شربل وهبة مع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن فرنسا، روسيا، بريطانيا، وأميركا والصين، "مفترضاً" أن يتم التصديق على التمديد يوم الجمعة، لما في ذلك من مصلحة لدول العالم في هذا الصدد، وتردّدت أنباء تفيد بأنّ طريق التصديق لن يكون سهلاً، ولا يزال مليئاً بالعقبات وخصوصاً في ظلّ الموقف الأميركي لناحية توسيع مهام هذه القوة في الجنوب.

وقد عبّرت السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيه، في أكثر من مناسبة، عن أن "القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2006 ليس مطبقاً بالكامل، وتعجز القوات عن الدخول إلى الممتلكات الخاصة، وهناك حاجة للنظر في زيادة فاعلية "اليونيفيل" إلى مداها الأقصى، وإذا لم نتمكن من تحقيق ولايتها بالكامل فعلينا أن نطرح أسئلة حول ما إذا كان عددها الحالي هو الأفضل"، وهو ما ترفضه الحكومة اللبنانية التي تتمسّك بضرورة احترام الملكيات الخاصة، وأن الدستور اللبناني ينص على أن الدخول إليها يستلزم الحصول على موافقات مسبقة ومواكبة من السلطات اللبنانية المختصة.

ويقول المتحدث باسم السفارة الأميركية في بيروت كايسي بونفيلد، لـ"العربي الجديد"، إنّ الولايات المتحدة منخرطة مع الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن في النقاشات الدائرة حول التجديد لقوات يونيفيل في لبنان، ونحن ندعم بشدّة بعثات حفظ السلام التي تتمتع بكفاءة عالية وفعالية لتأدية مهامها، ولديها تفويض واقعي وقابل للتحقيق، وتدعم الحلول السياسية وتتكيف مع الخطوات سواء التقدم أو الفشل. ويشير، إلى "أنّنا نريد لليونيفيل أن تنفذ ولايتها بالكامل، وأن تدرس وتتابع المراجعات التي من شأنها أن تعزز النجاح، وتقرّ أوجه القصور وتساهم في الحلول السياسية".

ويتحدث بونفيلد عن وجود قلق بالغ إزاء تجاهل "حزب الله" الصارخ، على حد وصفه، لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، مؤكداً أنه من غير المقبول استمرار الوضع الراهن لناحية طريقة التعاطي مع "حزب الله" الذي يستمرّ في عرض أسلحته بشكل علني، ويعيق حرية اليونيفيل في الحركة، ونحن على قناعة بأنّ هذه القوات تُمنَع من تنفيذ الجوانب الحاسمة للتفويض المعطى لها.

وحول جلسة الجمعة، يقول المتحدث باسم السفارة الأميركية في بيروت، "لن نعلّق على التداول لناحية الموقف الأميركي بشأن المفاوضات، لكن نتطلّع لمناقشة صريحة حول دور اليونيفيل والمهام المفوّضة بها انطلاقاً من التقييم المشار إليه، مع التزامنا المتواصل بتثبيت استقرار لبنان بشكل حقيقي"، مثمناً جهود قوات "اليونيفيل" في خفض التوتر والحفاظ على الهدوء، مشدداً في المقابل، على أنه "علينا أن نتصدّى معاً لكل تهديد يمكن أن يشكله "حزب الله" بسلاحه، ونشجع على أن تنتقل مسؤولية الدفاع عن الأراضي اللبنانية وسيادتها إلى مؤسسات الدولة اللبنانية القادرة والموثوقة والشرعية".

ويشدد بونفيلد، على "أننا ملتزمون بالسعي لإحداث تغييرات تجعل من قوات "اليونيفيل" أكثر فعالية، وفي حال الفشل، جعل طاقة البعثة ومواردها متماشية مع ما يمكنها أن تحققه بشكل واقعي وميداني"، قائلاً: "نتطلع إلى مناقشة صريحة في مسألة "اليونيفيل" خلال جلسة مجلس الأمن والتداول بما من شأنه أن يعزز النجاح، ويساهم في تحقيق الحلول السياسية، مع ضرورة الاعتراف بمكامن الخلل. وعلينا أن ندرك في الوقت نفسه، أنّ "اليونيفيل" ليست لوحدها الحلّ النهائي للوجود المسلّح العائد لـ"حزب الله" الذي يزعزع الاستقرار في جنوب لبنان، ولا تستطيع الأمم المتحدة أن تحلّ مكان الإرادة السياسية التي يجب أن تكون نابعة من الحكومة اللبنانية، التي عليها أن تنفذ القرارات والاتفاقيات الدولية لناحية نزع السلاح من أيدي الجماعات المسلحة وبسط سيطرة السلطات اللبنانية والجيش اللبناني في جميع أنحاء البلاد".

من جهته، يقول مصدرٌ دبلوماسي مطلع على المناقشات مع السفراء، لـ"العربي الجديد"، إن "اللقاءات التي قام بها وزير الخارجية اللبناني كانت إيجابية، ولا سيما لناحية الموقف الروسي الذي شدد على ضرورة استمرار "اليونيفيل" في عملها من دون إدراج أي تغيير في مهامها، يقابل ذلك تعزيز العمل والشراكة بين قواتها والجيش اللبناني، ووقف الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية. وكذلك الموقف الصيني الذي أيد التمديد لـ"اليونيفيل"، وأكد الدفع باتجاه زيادة فعاليتها لحفظ الاستقرار على الحدود وعلى طول الخط الأزرق".

تتردّد أنباء تفيد بأنّ طريق التصديق لن يكون سهلاً، ولا يزال مليئاً بالعقبات وخصوصاً في ظلّ الموقف الأميركي لناحية توسيع مهام هذه القوة في الجنوب

وبشأن الموقف الفرنسي الذي تردّد أنه مستاء من طريقة تعاطي حكومة حسان دياب مع الملفات وخصوصاً الاقتصادية وطريقة التعاطي مع الخارج، وخصوصاً بعد استقالة وزير الخارجية ناصيف حتي الذي كان مقرّباً إلى الفرنسيين، يشير المصدر، إلى أنّ فرنسا تؤيد التمديد لـ"اليونيفيل"، وخصوصاً في الظروف الراهنة والمخاطر التي تحدق بلبنان، وهي التي دفعت الرئيس الفرنسي إلى زيارة لبنان ومعاودة رحلته إلى بيروت في الأول من سبتمبر/أيلول، فهو يضع استقرار لبنان في المرتبة الأولى، ويحرص على مصالح الشعب اللبناني. في المقابل، كان الموقفان الأميركي والبريطاني الأكثر تشدداً لناحية ضرورة ضبط تصرفات "حزب الله" وسلاحه الذي يستخدمه في الداخل والخارج ويعرّض علاقات لبنان الدبلوماسية للخطر.

وأذن مجلس الأمن في قراره رقم 1701، بزيادة حجم قوات "اليونيفيل" إلى ما لا يزيد عن 15 ألف جندي، من 40 بلداً، ويشمل ذلك حوالي 850 جندياً عاملين في القوة البحرية، إضافة إلى وجود نحو ألف مدني لبناني وأجنبي من حفظة السلام يعملون مع قوة "اليونيفيل".

ومن المعروف أن الولايات المتحدة لها دور كبير وأساسي في تقرير مصير التمديد لقوات "اليونيفيل"، على الرغم من حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به روسيا والصين، باعتبار أن واشنطن تؤمن نسبة كبيرة من التمويل. وسرت الكثير من المعلومات في فترات ماضية عن وجود نية أميركية لتخفيض التمويل الذي يفوق بمجموعه 400 مليون دولار سنوياً.

ويأتي التجديد لـ"اليونيفيل" في وقتٍ سجّل لبنان في الخمسة أشهر الأولى مجموع انتهاكات بلغ 374 في البر و386 في البحر و250 انتهاكاً جوياً على مدى 4 أشهر بحسب تقرير الحكومة اللبنانية، الذي أشارت إليه في شهر يونيو/حزيران. كما يأتي على وقع هدوء قلق واستنفار مستمرّ من جانب "حزب الله" والعدو الإسرائيلي، حيث سُجل أخيراً حدثان أمنيان، الأول في 27 يوليو/تموز الماضي تخلله قصف إسرائيلي في الداخل اللبناني وعلى تلال كفرشوبا بعد زعم جيش الاحتلال حدوث عملية تسلل لعناصر "حزب الله" وضعت في إطار ردّ الأخير على مقتل قيادي بارز في صفوفه علي كامل محسن خلال القصف الإسرائيلي الذي طاول محيط مطار دمشق الدولي، والثاني في 25 أغسطس/آب، نتيجة الاشتباه بعملية تسلل من جانب "حزب الله" دفعت جيش العدو إلى إطلاق أكثر من 25 قذيفة فوسفورية حارقة إلى مناطق لبنانية وتحديداً بين بلدتي حولا وميس الجبل الجنوبيتين. في حين سجل عام 2019 178 انتهاكاً في البرّ، و1373 انتهاكاً في البحر، وعدد الاستفزازات جواً 261.

ويشتد الخناق المالي والدولي على "حزب الله"، سواء لجهة العقوبات الأميركية المشددة والموسّعة، أو شروط المجتمع الدولي التي تربط مساعدة لبنان للخروج من أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية يعاني منها بحلّ مسألة سلاح "حزب الله"، وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، والنأي بالنفس عن الصراعات الدائرة في المنطقة، والقيام بإصلاحات اقتصادية، ترتب بدء ورشة حقيقية لمكافحة الفساد، من خلال قضاء حرّ ومستقلّ لا يتأثر بالتدخلات السياسية والحزبية، علماً أنّ لبنان اليوم بحاجة أكثر من أي وقتٍ مضى للمساعدات الدولية التي استؤنفت بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب، بما شكله من ضربة قاضية اقتصادياً عدا عن الخسائر البشرية، سواء في الشقين الغذائي أو الصحي والإنساني، مع ترك باب المساعدات النقدية مفتوحاً تبعاً لاستجابة لبنان دولة للإصلاحات.

وبينما ينشط لبنان لحصد دعم أعضاء مجلس الأمن الجمعة للتجديد لقوات "اليونيفيل" من خلال مندوبته الدائمة في مجلس الأمن السفيرة آمال مدللي، ذكّر أعضاء المجلس في أكثر من اجتماع وجلسات نقاش مغلقة، بضرورة تنفيذ القرار 1559 الداعي إلى نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان حتى لا تكون هناك أسلحة أو سلطة في لبنان غير تلك التي تمتلكها الدولة اللبنانية، مشددين على وقف الانتهاكات للسيادة اللبنانية جواً وبراً، وأن الجيش اللبناني هو القوة المسلحة الشرعية الوحيدة في لبنان، ما يحتم على المجتمع الدولي مواصلة دعمه لزيادة قدراته العسكرية. وحث الأعضاء على الحاجة الملحة لاستجابة السلطات اللبنانية لتطلعات الشعب اللبناني من خلال تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.

وبحسب تعريف الأمم المتحدة، تشكلت "اليونيفيل" من قبل مجلس الأمن في عام 1978 لتأكيد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، استعادة السلم والأمن الدوليين، ومساعدة الحكومة اللبنانية على إعادة بسط سلطتها الفعلية في المنطقة. وبعد حرب تموز/يوليو 2006 تبنى مجلس الأمن القرار رقم 1701 الذي تم بموجبه تعزيز قوة "اليونيفيل"، وقرّر أنه بالإضافة إلى المهمة الأصلية، فإنها، في جملة أمور، ستقوم بمراقبة وقف الأعمال العدائية، مرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية خلال انتشارها في جميع أنحاء جنوب لبنان، وتقديم مساعدتها لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين والعودة الطوعية والآمنة للنازحين.

وأنشئت قوة "اليونيفيل" بموجب قراري مجلس الأمن الدولي 425 و426 الصادرين في 19 مارس/آذار 1978، وقد وصلت طلائع قوة "اليونيفيل" إلى لبنان في 23 منه.

ذات صلة

الصورة

سياسة

شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية عنيفة استهدفت كتيبة عسكرية ومستودعات أسلحة في محيط مطار حلب الدولي، ما أسفر عن سقوط 42 قتيلاً.
الصورة
توماس غرينفيلد في مجلس الأمن، أكتوبر الماضي (بريان سميث/فرانس برس)

سياسة

منذ لحظة صدور قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف النار في غزة سعت الإدارة الأميركية إلى إفراغه من صفته القانونية الملزمة، لكنها فتحت الباب للكثير من الجدل.
الصورة
اليهود المتشددون/(فرانس برس

اقتصاد

تنتقل أزمة إعفاء اليهود المتشددين في إسرائيل من التجنيد الإلزامي من الأروقة السياسية إلى دروب الاقتصاد، إذ تتصاعد تحذيرات قطاعات الأعمال من مشاكل أعمق.
الصورة
اعتداء على طفل في الخليل

سياسة

كشف مقطع فيديو، سجلته كاميرات المراقبة داخل محل تجاري في حارة جابر في الخليل، اعتداء جنود الاحتلال على طفل فلسطيني، بذريعة وجود صورة لقطعة سلاح على قميص يرتديه.