معجزة غزة العزة

11 اغسطس 2014
+ الخط -


ما وقع هناك في غزة العزة محير حقاً لذوي العقول الكبيرة، ولمحترفي التحليل وإنتاج الأفكار، أحقاً بعد كل هذه الأطنان من القنابل الحاقدة، والغارات الغادرة، وهول اللهيب والنار، سترفض غزة رفع الراية البيضاء وإعلان الانكسار، أبعد كل ذاك الدك والقصف والخوف والخسف، ستخرج غزة من تحت الركام رافعة، أمام عدوها اللدود وصحبه، شارة العزة والانتصار!

إنها حقاً إحدى المعجزات، بعد أن حشد الصهاينة لغزة كل ما استحدث من سفن حربية وفرقاطات ومدمرات، وآخر جيل من الطائرات المقاتلة والـ"F 16" والطائرات بدون طيار، مع أقوى ما وصلت إليه أيدي إسرائيل وحلفها من دبابات ومدرعات ومجنزرات وراجمات، وجيش عرمرم يضم كل أقسام التجسس والتحسس والاستخبارات. إلا أن ذلك كله لم يغن عنهم من المجاهدين شيئاً، حيث راكم جيش اليهود كماً هائلاً من الهزائم العسكرية والخسائر البشرية والاخفاقات. وجاء بنو قريظة الجبناء مدعومين، هذه المرة، بأحزاب عُرب من "الأشقاء"، هم آل السيسي، وداعميه من العملاء، فسفكوا وهتكوا وأراقوا بظلمٍ ودياناً طاهرة من الدماء، لم يرحموا الرضع فيهم والأطفال الأبرياء، لم يوقّروا الشيوخ العزل والعجزة والنساء، بل لم يرأفوا بحال آلاف من ضعاف المرضى والجرحى، فحولوهم جميعاً إلى أهداف عسكرية. وعزاؤنا فيهم أنهم ارتقوا إلى ربهم صائمين، قائمين شهداء صامدين. 

انتظر الصهاينة العرب من غزة الانحناء أمام كل هذا الهول والدمار، وانتظر العدوان الغاشم قطف الثمرة برفع الراية البيضاء وإعلان الانكسار. وهنا نسأل ما الذي يجمع بين يهودٍ وعُربٍ وغَربٍ لتنفيذ كل هذا الإجرام؟ أكل هذا حقد سياسي مقيت على فصيل مجتهد فاعل؟ أكل هذه الجرائم الإنسانية، هي فعلاً، من أجل سلب سبب عزة غزة، ونزع سلاح الفصائل المقاومة؟
إنه لشهر كامل من الغدر والخيانة والعمالة والعدوان. دوّى صمت العُرب والغرب عالياً في جميع الأركان، وكان صمت "الشهامة" العربية هادراً جهورياً هذه المرة، حتى كاد يصم الآذان، لم نسمع استنكاراً أو تنديداً تقليدياً في مؤتمر طارئ، يتلوه بيان يرفض العدوان، بل سمعنا صوتاً، يبرئ العدو المجرم الجبان، ويُحمل الضحية المسؤولية، بلا حياء، ويبرر الطغيان، ولولا الله ثم بعض حلفاء المقاومة الشرفاء، لظننا أن لا نصير اليوم لمظلوم، ولا مغيث لمستغيث أو مهموم.

انطلقت في دول عديدة أصوات احتجاجية كثيرة، وعلت صيحات من المنظمات المستقلة الدولية، وخرجت الشعوب الحرة في مظاهرات تنديدية، ونظمت قوى حية عديدة حشودها في مسيرات شعبية، وأعلنت بوليفيا اللاتينية ما يسمى "إسرائيل" دولةً إرهابية، واستقالت من منصبها الوزيرة المسلمة الوحيدة في الحكومة البريطانية، وفاز "هاشتاغ" "غزة تحت القصف"، في المواقع الاجتماعية، على أكذوبة "إسرائيل" تحت القصف بملايين التغريدات والتعليقات. هذا في الحروب الإعلامية والإلكترونية. وفوجئ العدو و"الشقيق" و"الصديق" بعمليات المقاومة النوعية، ولم تنفعهم كل التحصينات من ضربات القسام النوعية، فانهارت قوة الردع لدى العدو، وانهارت معه خرافة "القبة الحديدية". وفشلت خطة الحرب الخاطفة، بل كانت ضربات كتائب المقاومة هي الهادفة والخاطفة والخاسفة، إذ أصبحت حشود الجنود من اليهود تفر من رجال المقاومة مرتعدة واجفة خائفة، وأصبحت معركة العصف المأكول حقاً هي الكاشفة.

وأخيراً، بعد هذا الأداء المذهل لرجال المقاومة، وكل تلك التضحيات، انهارت حقاً وصدقاً أطروحات كل المنبطحين، وما يرجونه من خيارات، وهاهم الصهاينة العرب يحاولون الحصول على انتصارات، عبر الغرف المغلقة، ودهاليز المشاورات، وألاعيب المفاوضات، والتآمر على مطالب الشعب الفلسطيني والمقاومة الشريفة. وفازت غزة على الرغم من كيد إسرائيل، ومن ناصرها من أهل النفاق. فازت غزة، وسيرفع الحصار عنها حتماً، وسيجوب الغزّييون الآفاق بكرامتهم وحريتهم. فازت غزة بصمودها الأسطوري الرامي إلى الحرية والانعتاق، فازت وسلمت العقول والأيادي التي حفرت بأظافرها منظومة الأنفاق، وفازت غزة ومازال في النفس سؤال يحيرني: أحقاً هَزمت غزة وحدها جيشاً، هزم الجيوش العربية كلها، في ست ساعات؟

إنها حقاً إحدى المعجزات.

avata
avata
إسماعيل العلوي (المغرب)
إسماعيل العلوي (المغرب)