معتقل غوانتانامو.. كابوس أوباما في عامه الأخير

معتقل غوانتانامو.. كابوس أوباما في عامه الأخير

12 سبتمبر 2015
ترفض المنظمات الإنسانية استمرارية المعتقل (بصري شاهين/الأناضول)
+ الخط -
ترسل الولايات المتحدة كل عام شيكاً بمبلغ ألفي دولار إلى حكومة كوبا، يُمثل قيمة الإيجار السنوي الذي تحدد قبل أكثر من مئة عام لقاعدة غوانتانامو الكوبية. ويرفض الكوبيون منذ عقود صرف الشيكات الأميركية، لاعتبارهم الوجود الأميركي في غوانتانامو "احتلالاً". ومع حلول الذكرى السنوية الـ14 لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، باتت قاعدة غوانتانامو بمثابة كابوس مزدوج لإدارة الرئيس باراك أوباما. وعلاوة على ما يمثله هذا الكابوس من عقبة مستقبلية في طريق التطبيع النهائي للعلاقات الكوبية الأميركية، التي ينظر المحللون إلى إعادتها كأحد أهم إنجازات أوباما في فترتي رئاسته، فإن المعتقل الموجود في القاعدة الكوبية، بات يُنظر إلى بقائه مفتوحاً كعلامة تاريخية بارزة على ضعف الرئيس الأميركي، وعجزه عن الإيفاء بوعد ساعده على الوصول إلى البيت الأبيض والبقاء فيه لفترتين انتخابيتين.

ولأن ما تبقّى من الوقت لأوباما لإسدال الستار على هذا الكابوس أصبح قصيراً، وما يُظهره من حرصٍ على المضي قدماً في تطبيع العلاقات مع هافانا، فإن الآمال انتعشت مجدداً في الآونة الأخيرة، في إمكانية إقدامه على اتخاذ قرار جريء بإخلاء المعتقل من نزلائه، تمهيداً لإعادة غوانتانامو إلى كوبا.

ولكن لأن معظم نزلاء غوانتانامو من اليمن، فإن إغلاقه يتطلّب من أوباما البحث عن حلولٍ للوضع اليمني، تضمن تشكيل حكومة قادرة على فرض سلطاتها. وهي مهمّة تُمثّل تحدياً صعباً، وتتطلّب تعاوناً دولياً وإقليمياً ومحلياً يفتقده أوباما في الوقت الحالي.

ووسط هذه الحمأة بدأت حمّى الوعود الانتخابية تنهال يمنة ويسرة، قبل انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية مطلع العام المقبل. وأُدرجت الوعود في سياق "القضاء على خطر الإرهاب ومواجهة أعداء أميركا في المنطقة العربية"، ويُقصد بهم تنظيم "القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والحوثيين والرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله. إلا أن أوباما أنعش الآمال مجدداً في تحقيق أول وعوده، وهو إغلاق معتقل غوانتانامو وتحديد مصير المتبقين من نزلائه، وعددهم حالياً 116 معتقلاً.

اقرأ أيضاً: تفاصيل جديدة من التعذيب في غوانتانامو يرويها معتقل سابق 

وفي هذا السياق، أكدت مصادر في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لـ"العربي الجديد"، أن "البيت الأبيض طلب قبل أسابيع من وحدة التحليلات في وكالة الاستخبارات العسكرية (دي آي أي)، تقديم تقييم شامل عن الأوضاع الراهنة في البلد الذي ينتمي إليه معظم من تبقّى من المعتقلين (أي اليمن)، ودراسة أنجع السبل لإعادة الحد الأدنى من الاستقرار إليه".

ويعتقد محللون حاليون وسابقون في البنتاغون، يرفضون الكشف عن أسمائهم، أن "اهتمام البيت الأبيض بأحداث اليمن قد تضاعف عقب زيارة ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز لواشنطن ولقائه في البيت الأبيض الرئيس أوباما".

ويرى بعضهم أن "سرّ هذا الاهتمام لا يكمن فقط في رغبة أوباما بحسم الحرب الدائرة في اليمن، خشية من تداعياتها المحتملة أو مخاطرها غير المحسوبة على منابع النفط، بل لرغبته أيضاً في حسم موضوع معتقل غوانتانامو، عن طريق إيجاد حكومة قوية في اليمن قادرة على استقبال من تبقى من اليمنيين في المعتقل، بعد أن رفضت معظم الدول رفع المشكلة عن كاهل أوباما، باستقبال أعداد كبيرة من اليمنيين". لذلك، تميّزت ذكرى هجمات سبتمبر/ أيلول هذا العام بتحوّل موضوع معتقل غوانتانامو إلى مهمة تسعى معها الإدارة الأميركية لإيجاد الحلول الناجعة لها.

لكن خبراء قانونيين على صلة بوزارتي العدل والأمن الداخلي الأميركيتين، قلّلوا من أهمية الوضع اليمني في عرقلة أوباما عن الإيفاء بوعوده. واعتبروا أنه "حتى لو كان اليمن في أوج استقراره، فإن كبار المعتقلين المتورّطين بشكل مباشر في اعتداءات 11 سبتمبر لن يتم إرسالهم إليه، بل سيظلون يمثلون معضلة قانونية كبرى، في ظل المعارضة القوية لتقديمهم إلى محاكم مدنية داخل الأراضي الأميركية، قد يتمتعون فيها بحماية قانونية لا يستحقونها"، وفق رأيهم.

وعدا المعتقلين اليمنيين، فإن مصيراً مجهولاً ينتظر أحد أبرز المخططين والمتهمين بالاعتداءات، وهو الكويتي الباكستاني خالد شيخ محمد، الذي قد يستفيد من تعرّضه للتعذيب للحصول على براءة من أي محكمة مدنية لا تقرّ الإجراءات القسرية التي يتم فيها الحصول على اعترافات. وهو ما يفسر خوف مسؤولي البنتاغون من تقديم شيخ محمد بالذات إلى محكمة مدنية.

ومن المعتقلين على ذمة هجمات سبتمبر، الذين لا يمكن التخلي عنهم أو إطلاق سراحهم، اليمني رمزي بن الشيبة، منسّق الهجمات. ولكن العدد الأكبر من معتقلي غوانتانامو اليمنيين، حتى وإن كان من بينهم من يُصنّف على أنه "خطر"، إلا أن صلتهم بهجمات سبتمبر ليست مباشرة، ومنهم على سبيل المثال ضابط الأمن السياسي اليمني عبد السلام الحيلة، الذي استدرجته الاستخبارات المصرية من صنعاء إلى القاهرة، قبل نقله إلى معسكر اعتقال أميركي في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر، ثم انتهى به المطاف في غوانتانامو.

اقرأ أيضاً: دكتاتورية الديمقراطيات الغربية.. بـ"الاستثناء"

وتعود قصة احتلال الولايات المتحدة لغوانتانامو إلى أكثر من مئة عام عندما وافقت كوبا عام 1903، على تأجير المنطقة للأميركيين مقابل 2000 دولار سنوياً، في عهد الرئيس ثيودور روزفلت. ورغم انتصار الثورة الكوبية (1959) واحتجاج الثوار على هذا التأجير، إلا أن الأمر لم يتغيّر. كما أنه أثناء أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1962 اقتحمت قوات فيدل كاسترو القاعدة، وعملت على تلغيمها لإجبار الأميركيين على الرحيل عنها، لكن الرئيس جون كينيدي رفض التدخل في القاعدة، مع تأكيده حقّ بلاده في استئجارها.

وفي عام 2002 اختارت إدارة الرئيس السابق جورج بوش قاعدة غوانتانامو لتكون مقراً لأسوأ معتقل في تاريخ البلاد، يُنقل إليها من يتم القبض عليهم في سياق "الحرب على الإرهاب". وجاء هذا الاختيار لمعرفة الإدارة بأن غوانتانامو تقع خارج الحدود الأميركية، وهو ما يعني عدم خضوع من يقطنها للحماية التي يوفّرها الدستور الأميركي. وتحوّل المعتقل لاحقاً إلى نقطة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة، لناحية عدم احترام حقوق الإنسان.

معتقلون وتعذيب
واتهمت مصادر من خارج وزارة الدفاع في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، وزير الدفاع الأميركي المستقيل تشاك هيغل بـ"التقاعس عن حلّ مشكلة المعتقلين، رغم أن لجان مراجعة ملفاتهم قد أوصت بإطلاق سراح أكثر من نصف من تبقّى في المعتقل، وما زالت أسماء المُطَالَب بإطلاق سراحهم في أدراج مسؤولي البنتاغون".

وأوصت لجان المراجعة في المعتقل بإطلاق سراح 73 معتقلاً، كونهم "لم يعودوا يُشكّلون خطراً على الولايات المتحدة"، كما أوصت بمحاكمة 32 معتقلاً داخل الأراضي الأميركية. مع ذلك، فإن مصير عدد كبير من المعتقلين ما زال مجهولاً، في وقت يستمرّ فيه البحث عن دول يمكن أن تقبل بهم، وسط احتجاجات منظمات حقوق الإنسان، واعتبارها بأن الانتهاكات التي مورست ضد المعتقلين في المعتقل، استمرت في المعتقلات التي نُقلوا إليها، بما فيها سجون دول أوروبية.

وعدا عن الاعتقالات، كشف محامو دفاع عن معتقل سابق لوكالة "رويترز"، أمس الجمعة، أن "مسؤولي الحكومة الأميركية منعوا الكشف عن ملاحظاتٍ دوّنوها في 116 صفحة، وتسرد تفاصيل تعذيب سجين سابق في معتقل غوانتانامو، وعن التعرّض له".

وانصبّ تركيز محامي الدفاع لسنوات على الكشف عن المعاملة السيئة للمُعتقل السابق، والمدعو "أبو زبيدة" أثناء احتجازه. وتفيد وثائق الحكومة الأميركية بأن "أبو زبيدة فقد إحدى عينيه، وتعرّض لمحاكاة الإغراق 83 مرة خلال شهر واحد". وأبو زبيدة سعودي الجنسية ويبلغ من العمر 44 عاماً، واحتُجز في غوانتانامو لمدة تسع سنوات ولم توجّه إليه اتهامات.

وكشف جو مارجوليس، المحامي الرئيسي لأبو زبيدة، أنه "تمّ تقديم 116 صفحة للحكومة، التي أعلنت الحكومة سرّيتها". وذكر مارجوليس ومحامون يدافعون عن محتجزين آخرين، أن القرار يشير إلى أن "إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، ستواصل اعتبار روايات المعتقلين عن تعرّضهم للتعذيب، سرية". ورفض متحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التعليق.

وبعد كشف تقرير مجلس الشيوخ عن ممارسات تعذيب ارتكبتها الوكالة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خففت الحكومة من قواعد السرية وكشفت النقاب عن 27 صفحة، من ملاحظات أدلى بها محتجز يدعى ماجد خان، في مقابلة. ووصف فيها تعرّضه للتعذيب وجمعها محامون.

اقرأ أيضاً: الخاطف الـ20 في "هجمات سبتمبر": أمير سعودي موّلنا

المساهمون