معتزلو السياسة في مصر: شباب مُحبَط و"نخبة محنّطة"

معتزلو السياسة في مصر: شباب مُحبَط و"نخبة محنّطة"

12 مايو 2014
الشباب أُصيب بالإحباط من المراحل الانتقالية والانقلاب (GETTY)
+ الخط -

بعدما أدوا دوراً في الحشد لإسقاط أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة المصريين في 25 يناير 2011، ومباركة تدخل المؤسسة العسكرية بعزل الرئيس محمد مرسي، وحدوث انقلاب الثالث من يوليو/تموز الماضي، فضّل بعضهم الابتعاد واعتزال العمل السياسي، بينما وجد الآخرون أنفسهم خارج معادلة السلطة.

أعلن بعض الناشطين السياسيين ذلك بوضوح، ومنهم المتحدث السابق لـ"جبهة الإنقاذ الوطني"، وحيد عبد المجيد. فيما آثر آخرون الرحيل مثل النائب السابق للرئيس المصري، محمد البرادعي، الذي تقدم باستقالته، بالتزامن مع مذبحة فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، في 14 أغسطس/آب الماضي. أما البعض الآخر، ففضل الصمت، ومنهم ناشطون من أمثال وائل غنيم، مؤسس صفحة "كلنا خالد سعيد"، التي دعت لثورة "يناير".

البرادعي أول المعتزلين

كان 15 يوليو/تموز 2010، قبل اندلاع ثورة بنحو 6 أشهر، تاريخاً فارقاً، ليس في حياة البرادعي فحسب، بل في تاريخ مصر الثورة. فقد دشن شباب "الجمعية الوطنية للتغيير"، التي أسسها البرادعي بعد عودته للقاهرة، حملة جمع المليون توقيع على بيان التغيير الذي تضمن مطالب بتعديل بعض مواد دستور 1971، وإنهاء حالة الطوارئ.

وقال مراقبون إن الحملة التي رفعت شعار "معاً سنغير"، حرّكت الماء الراكد، وكسرت حاجز الخوف لدى الكثيرين "وخلقت زخماً كبيراً مهّد الطريق أمام الثورة"، بحسب تعبيرهم.

كان موقف البرادعي واضحاً من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وشارك الثوار مسيرتهم التي انطلقت من مسجد الاستقامة بميدان الجيزة ظهر يوم جمعة الشهداء 28 يناير 2011.

كما أعلن صاحب جائزة نوبل، رفضه لـ"حكم العسكر" خلال المرحلة الانتقالية الأولى، وأكد أن "العسكر لن يعود لحكم مصر"، بحسب حوار له لصحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، بتاريخ 16 أبريل/نيسان 2011. كما دعا المصريين إلى وضع خلافاتهم السياسية والاقتصادية جانباً، والتوحد من أجل وضع البلاد على طريق الديمقراطية بعيداً عن الحكم العسكري، الذي يتولى السلطة في البلاد منذ إسقاط نظام مبارك.

لكن البرادعي انتقل من معسكر الرفض التام لعودة "حكم العسكر"، إلى إمكانية "القبول بوجودهم"، ما داموا سيخلصونه من حكم "الإسلاميين". وقد شارك البرادعي في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه وزير الدفاع السابق والمرشح الرئاسي الحالي عبد الفتاح السيسي، عزل مرسي، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية خلفاً له في 3 يوليو/تموز الماضي.

ويقول منسق حركة شباب 6 إبريل، عمرو علي، لـ"العربي الجديد"، إن "البرادعي طمأنهم، في لقاء جمعهم به في حزب الدستور، الذي أسسه بعد الثورة، قبل أيام من تظاهرات 30 يونيو/حزيران الماضي، إلى أن العسكر لن يعودون، ما دفعهم لإعلان مشاركتهم في التظاهرات.

كان البرادعي أول من اعتزل العمل السياسي بعد الانقلاب، وتقدم باستقالته من منصبه نائباً للرئيس المؤقت للشؤون الخارحية، بعد أقل من شهرين من الانقلاب، عقب مذبحة فض اعتصامات الإخوان التي راح ضحيتها قرابة الألفي قتيل.

وبعد اعتزاله السياسة، التحق البرداعي بكلية فليتشر للدبلوماسية والقانون التابعة لجامعة تافتس الأميركية، أستاذاً مقيماً في الكلية، على أن يبدأ عمله الرسمي في خريف 2014، بحسب مصادر صحافية.

غنيم قرر الابتعاد

"وعدت فأخلفت، وأقصيت وفشلت، وفرّقت فرحلت... ربنا يحفظ مصر وشعبها ويكتب لينا نشوفها زي ما بنحلم بيها"؛ كان هذ آخر ما كتبه مؤسس صفحة "كلنا خالد سعيد"، على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، وائل غنيم، على صفحته الشخصية في 3 يوليو الماضي.

اختفى غنيم ــ الذي اعتُقل يوم 26 يناير/كانون الثاني 2011 من وسط القاهرة ــ عن المشهد عقب الانقلاب. وبحسب أحد أصدقاء غنيم، فإنه غادر البلاد بعد 3 يوليو، ليمارس عمله متنقلاً بين دبي والولايات المتحدة بعدما ترك عمله في شركة "غوغل".

لا يرد غنيم، عادة، على رسائل أصدقائه عبر البريد الإلكتروني، الذي أصبح وسيلة الاتصال الوحيدة به"، وفق ما يؤكده أحد أصدقائه الذي فضل عدم الكشف عن هويته.

ويتابع المقرب من غنيم "نحاول إقناعه بالعودة لاستكمال أهداف الثورة، فالشباب هم عمادها، ومصدر قوتها ونجاحها يتوقف على وحدتهم في هذه الموجة العالية والمرحلة الدقيقة من عمر الثورة".

وكان بيان الانقلاب آخر ما نشرته "كلنا خالد سعيد"، التي اقترب عدد المشاركين فيها من 3.5 ملايين متصفح، والتي انفردت بنشر خريطة مسيرات ثورة يناير، بعدها توقف نشاط الصفحة.

في 7 يناير/كانون الثاني الماضي، قرر غنيم الخروج عن صمته للمرة الأولى منذ اختفائه، وأصدر بياناً ندد فيه بـ"محاولات تشويهه بإذاعة مكالمات مفبركة ومبتورة من سياقها منسوبة إليه"، مهدداً بـ"اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من تورط في هذه الأساليب المخالفة لأبسط قواعد القانون والدستور"، حسب تعبيره.

وقال غنيم في بيانه "لم أكتب هذه الرسالة إلا تلبية لرغبة أسرتي وبعض أصدقائي الذين ألحوا علي بالرد على ما يُثار من شائعات. كنت منذ 3 يوليو اتخذتُ قراراً بالابتعاد عن المشهد السياسي بعد أكثر من عامين ونصف العام من المحاولات الحثيثة لدفع مصر إلى المستقبل الذي أتمناه لها كأحد شباب هذا الوطن".

وبرّر غنيم ابتعاده قائلاً "بعدما باءت كل محاولاتي بالفشل، وذهبت تحذيراتي ونصائحي لحقن دماء المصريين أدراج الرياح، اتخذت قراراً بالابتعاد حتى لا أكون طرفاً في فتنة يُراق فيها الدم المصري وتضيع فيها الحقوق".

عبد الرحمن منصور... "الدراسة أفضل"

كان "المدير" الثاني لصفحة "كلنا خالد سعيد"، عبد الرحمن منصور، هو صاحب دعوة التظاهر يوم عيد الشرطة للتنديد بممارسات أجهزة الأمن قبل ثورة يناير، والتي أسفرت عن مقتل خالد سعيد وسيد بلال بعد تعرضهما للتعذيب، وغيرهما من ضحايا التعذيب في أقسام الشرطة.

وقد حال التحاق منصور بالجيش، لأداء الخدمة العسكرية ابتداء من 17 يناير 2011، دون مشاركته في فعاليات الثورة، فتابع أخبارها من راديو كان بحوزته خلال الخدمة العسكرية. انضم منصور - صاحب الخلفية الإسلامية - في البداية إلى جبهة معارضي مرسي، وشارك في مؤتمر صحافي عقده بعض الناشطين في نقابة التجا بالقاهرة قبل 30 يونيو الماضي بساعات، دعوا فيه إلى المشاركة في مسيرة انطلقت من مسجد الفتح اليوم التالي.

وقع اختيار هؤلاء النشطاء، الذين أسسوا في ما بعد جبهة "طريق الثورة"، على مسجد الفتح لحرصهم على أن تكون مسيرتهم "ثورية" بحق، وغير مخترقة من "فلول" الحزب الوطني الحاكم إبان عهد مبارك.

ويقول منصور "كانت المعادلة صعبة، لأنهم يعلمون أن الفلول سيحتشدون بقوة في هذا اليوم، وهو ما يرفضونه، لكنهم يؤيدون في الوقت ذاته، مطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة"، وهو الذي شارك في تظاهرات 30 يونيو، ثم اعترض على ما أعقبها من قرارات وصفها بـ"الانقلابية".

وآخر ما كتبه على صفحته الشخصية في 9 يوليو الماضي، كان: "السلطة لا تزال ملقاة في الشارع، الثورة ستعود وستنتصر، يقيننا بالناس لن يتغير واﻷيام بيننا، تفائلوا واعملوا واصبروا، هو خير مما يجمعون".

وينقل عنه أصدقاؤه أنه كتب أيضاً ما حرفيته: "لأن التاريخ يكتبه المنتصرون، نعم لم يشارك الإخوان في الثورة من أول يوم، لكن المؤكد أنهم لم يقتلونا في موقعة الجمل، يجب أن يُحاكم صفوت حجازي علي التحريض بعد وصول الإخوان للسلطة، لكن كان موقفه بطولياً يوم موقعة الجمل عندما شجع الشباب على الثبات، وكان أول من ذهب إلى مداخل ميدان التحرير".

سافر منصور بعد ذلك للحصول على منحة دراسية في الولايات المتحدة، ولم يأبه بالهجوم الذي شنه البعض عليه بتهمة تورطه في الانقلاب العسكري بسبب مشاركته في تظاهرات 30 يونيو، بحسب أحد أصدقائه.

أسماء محفوظ ... ممنوعة من السفر

لا تزال تدفع ضريبة نشاطها السياسي، قبل ثورة 25 يناير وبعدها؛ فبالرغم من ابتعادها عن المشهد لأسباب اجتماعية، إلا أن السلطات الكويتية منعت الناشطة السياسية أسماء محفوظ من دخول أراضيها "بقرار من وزير الداخلية الكويتي لدواع أمنية".

وقد نفت أسماء تعرضها لأي مضايقات أثناء حصولها على تأشيرة للسفر وابنتها الرضيعة، للدخول إلى الكويت للحاق بزوجها، الذي يعمل طبيباً في أحد المستشفيات هناك، "لكنني فوجئت بمطالبتي من قبل الأجهزة الأمنية

الكويتية بمغادرة البلاد بدعوى أنني غير مرغوب في وجودي"، بحسب قولها.

وتقول أسماء "اضطررتُ للعودة إلى مصر، وعندما حاولت السفر مرة أخرى، تم احتجازي بمطار الكويت، وقيل لي إن هذا قرار وزير الداخلية، فعدت للقاهرة مرة أخرى". لم تسلم أسماء من الملاحقة بعد عودتها إلى بلادها "فالإعلام يصر على تشويه كل من ينتمي لثورة 25 يناير، وهناك الكثير من البلاغات المقدمة ضدي بتهمة تكدير السلم العام وتهديد الأمن القومي"، على حد تعبيرها.

شاركت أسماء نشطاء الثورة في تظاهرات 30 يونيو، لإطاحة حكم "الإخوان"، بحسب تعبيرها، وهي تصف قرارهم بـ"الصائب"، قائلة لـ"العربي الجديد": أرى ما حدث صحيحاً بسبب عدم وفاء الإخوان بتعهداتهم بتحقيق الشراكة الوطنية، لكنني شعرتُ بالقهر لمشاركة ضباط الشرطة، المتورطين في قتل الثوار، في تظاهرات ميدان التحرير والاتحادية.

وتبرر أسماء سلوكها بالتذكير بأنها وزملاءها أصدروا، قبل 30 يونيو، "بياناً نعلن فيه رفضنا للعسكر والفلول والإخوان، لكن أحداً لم يهتم به، فالإعلام كله كان موجهاً لدعم السيسي، وكان كل من يهاجم العسكر يتهم بأنه طابور خامس وإخواني مستتر".

لم تستبعد أسماء إمكانية عقد مصالحة بين قوى الثورة، بشرط إعلان "الإخوان" عدم تمسكهم بعودة مرسي، والاعتراف بأخطائهم، وخصوصاً دعوتهم لأنصارهم إلى الاحتشاد أمام قصر الاتحادية في 5 ديسمبر/كانون الأول عام 2012.

تؤمن أسماء بأن هناك "ثورة أخرى آتية، مؤكدة بنبرة ثابتة أن "بطش العسكر وقمعهم لكل من يعارضهم سيعجل بسقوطهم وانهيار دولتهم الدموية لا محالة".

وحيد عبد المجيد... الاعتزال

المتحدث السابق باسم "جبهة الانقاذ"، وحيد عبد المجيد، أعلن صراحة اعتزاله العمل السياسي بسبب "أجواء الاستقطاب الحالية، وانحياز مؤسسات الدولة لمرشح بعينه، وعدم تأثير البرنامج الانتخابي على سير العملية الانتخابية المحسومة سلفاً"، بحسب بيان له، عقب إعلان قراره اعتزاله في 17 أبريل/نيسان الحالي.

وبرّر القيادي السابق في "جبهة الإنقاذ"، التي وصفها ناشطون سياسيون بـ"الذراع السياسية" لانقلاب 3 يوليو/تموز العسكري، قرار اعتزاله السياسة لافتاً إلى أنه "بعد تجربة شاقة في العمل السياسي المباشر، الحزبي والجبهوي والانتخابي، أصبح اعتزال هذا العمل هو الخيار الصحيح الآن، في ظل أجواء محتقنة، وإرهاب مادي ومعنوي وانهيار أخلاقي، فضلاً عن طغيان الخرافات السياسية والاجتماعية، على نحو يجعل العقل المصري في خطر".

ويوضح أن "التفرغ للعمل البحثي والفكري أكثر فائدة، من أجل تفسير وتحليل الأوضاع المعقدة في مصر، وما يحيط بها من تفاعلات إقليمية ودولية لا تقل تعقيداً". ويكشف عبد المجيد أنه كان يعتزم "اتخاذ هذا القرار عقب الانتخابات الرئاسية، لكنني رأيت أن دوري فيها ينتهي بإنجاز البرنامج الانتخابي لمؤسس التيار الشعبي، حمدين صباحي، وهو ما حصل بالفعل".

وعن "جبهة الإنقاذ"، يرى عبد المجيد أنها "لم تعد كياناً متماسكاً أو مؤثراً، كما كان الحال إبان حكم الرئيس السابق، محمد مرسي، وكانت أحد أسباب إسقاط حكمه"، متوقعاً تفككها في المستقبل القريب، بحسب تصريح سابق له إلى "العربي الجديد" عقب اعتزاله العمل السياسي.

العودة محتملة

بدوره، حلّل أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، سيف عبد الفتاح، أسباب ظاهرة اعتزال البعض العمل السياسي قائلاً "لا يمكننا أن نضع جميع من قرروا الابتعاد عن المجال السياسي في إناء واحد؛ فمنهم الشباب الذي أُصيب بالإحباط وخيبة الأمل من المراحل الانتقالية التي مرت بها الثورة التي واجهت الفشل والإفشال، وبعضهم الآخر هم من السياسيين الذين يعتبرون أنفسهم من النخبة، التي أسميها النخبة المحنطة، ممن يحاولون إخفاء أدوارهم الحقيقية التي تتعلق بانحيازهم للحالة الانقلابية التي بدت سافرة بشكل خطير، فأيد هؤلاء سهرة 30 يونيو، التي لم تكن إلا وسيلة فتحت الطريق لانقلاب عسكري، قتل الآلاف واعتقل معارضيه باعتماد المسار الأمني، وهو ما لم يتوقعوه"، بحسب كلامه لـ"العربي الجديد".

ويتابع عبد الفتاح "اضطر هؤلاء إلى اعتزال العمل السياسي لأنهم لم يجدوا لأنفسهم مكاناً تحت شمس الانقلاب، فهم بالأساس هواة شهرة، فأصابهم الإحباط وقرروا الاعتزال لخداعهم وانخداعهم بالحالة التي وصلت إليها البلاد بعد الانقلاب".

وعن توقعاته بشأن عدول المعتزلين عن قرارهم، يجيب عبد الفتاح "للأسف الشديد دفعنا بعض الشباب لهذا الأمر بدلاً من تمكينهم واستيعاب طاقاتهم وتوظيفها في تحقيق أهداف الثورة، فسيطرت النخبة المحنطة، وتصدّرت المشهد، وباعت الشعب لقيادات المؤسسة العسكرية".

المساهمون