معبد "هابو" الفرعوني شهد أول نقابة عمالية في التاريخ

معبد "هابو" الفرعوني شهد أول نقابة عمالية في التاريخ

19 فبراير 2015
+ الخط -

منذ أن دعا عمال شركة غزل المحلة، في مدينة المحلة شمال مصر، إلى إضراب عمّالي في أرجاء البلاد يوم 6 أبريل/نيسان 2008، صارت عبارة "الاحتجاجات العمّالية" إحدى متلازمات نشرات الأخبار اليومية في البلاد، ويعتبرها الكثيرون أحد أهم العوامل التي أدت إلى اندلاع ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس المصري آنذاك، محمد حسني مبارك.

وخلال عام 2014، شهدت مصر 287 احتجاجا عمّاليا، بمشاركة 114 ألفا و907 عمال من إجمالي 269 ألفا و107 عمال، في المنشآت التى شهدت تلك الاحتجاجات، بحسب أحدث إحصائيات وزارة القوى العاملة.

وربما لا يعلم كثيرون أن المشهد العمالي المحتج ليس غريبا على مصر، فالمصري القديم هو أول من دشن نقابة عمّالية في التاريخ، وأول من نظّم مظاهرة عمّالية احتجاجية، بحسب ما هو مدون منذ آلاف السنين على جدران معبد "هابو" في مدينة الأقصر جنوب مصر على الضفة الغربية لنهر النيل.

ففي المعبد الجنائزي الذي شيده الملك رمسيس الثالث (أشهر حكام الأسرة العشرين وحكم بين عامي 1183 ق.م. و1152 ق.م)، اجتمع عمّال مصريون، وأعلنوا عن أول اعتصام سلمي مفتوح، احتجاجاً على سياسات الملك الاقتصادية، التي كانت قائمة على الإسراف الشديد في تشييد المعابد الفخمة، ما أرهق الاقتصاد، وأخّر أجور عمال دير المدينة مدة شهرين.

و"أثناء الإضراب، تشكلت أول نقابة عمّالية موثقة في التاريخ الإنساني عام 1140 ق.م. لكنّ الملك، الذي اشتهر بديمقراطيته، نزل عند مطالب العمال، فانتهى الاعتصام، الذي خلدته جدران معبد هابو باللغة الهيروغليفية، وفقا لرواية المرشد السياحي، محمد فهمي.

و"هابو"، كما أوضح فهمي: "هو معبد جنائزي شيده رمسيس الثالث، ليوضع فيه جثمانه عقب تحنيطه، استعداداً للحياة الأخرى والأخيرة، وفقاً لمعتقدات المصري القديم. لذا كان ملوك المصريين القدماء يحرصون على تسطير أمجادهم على جدران معابدهم الجنائزية".

ومضى قائلاً: "عُرف عن رمسيس الثالث، ديمقراطيته، وولعه الشديد بالعمارة وفنونها، لذلك فهو الملك المصري الوحيد الذي شيد قصراً ملكياً قرب موقع بناء معبده الجنائزي، ليقيم فيه ويشرف بنفسه على بناء المعبد. وهو القصر الملكي الوحيد الذي لا يزال باقياً في الأقصر".

ويتميز معبد "هابو" بكتاباته ونقوشاته الغائرة للغاية، ويزين مدخله 8 أعمدة على شكل زهرة اللوتس، التي كان يعتبرها المصري القديم رمزاً للحياة، وفي مقابلها 8 أعمدة أخرى تتخذ وضع المومياوات رمزا للموت. وتقول جداريات المعبد إن رمسيس الثالث، وهو أحد أقوى ملوك مصر القديمة، كان من أبرز الملوك الذين خاضوا حروباً شرسة في التاريخ القديم مدة 35 عاماً.

إحدى هذه الجداريات تحكي قصة أبرز تلك الحروب، وهي حرب كانت ضد 100 ألف مقاتل من شعوب البحر، وهو جيش مجهول الموطن، كان يهجم على الدول بحراً فينهبها. وقد أدرك الملك المصري أنه لا قدرة لجيشه بخوض حرب بحرية، فأمر بربط كل المراكب الموجودة في نهر النيل، ليصنع منها جسراً خشبياً يقف فوقه الجنود المصريون ويقاتلون، وبالفعل انتصر المصريون في هذه المعركة.

غير أن كثرة الحروب التي خاضها أدت إلى مقتل العديد من أبنائه، فاجتمعت زوجات الملك واتفقن على قتله بالسم، لكنه اكتشف نيتهن فقتلهن باستخدام الثعابين، ودوّن قصة غدرهن على جدران معبده الجنائزي، من دون أن يتضمن هذا التدوين أي رسومات لهن.

لكن رمسيس الثالث الذي نجا من الموت بالسم، قتل بغيره، فبعد قرون من الغموض بشأن سبب وفاته، اتضح أنه ربما يكون قد مات مذبوحاً جراء مؤامرة انقلابية من أجل العرش، دبرتها إحدى زوجاته وأحد أبنائه مع بعض رجال الجيش، بحسب ما أظهره أول فحص إلكتروني بالأشعة المقطعية على مومياء الملك، الذي يعتبره كثيرون "آخر الفراعين العظام".

فقد أظهر هذا التصوير وجود قطع عميق وكبير تحت ضمادات تغطي حلقوم الملك المحنط، وفقا لدراسة أجراها فريق من الباحثين، ترأسهم ألبرت زنك اختصاصي علم الأمراض القديمة في معهد المومياوات والرجل الجليدي في إيطاليا، وأُعلنت نتائجها عام 2012.

المساهمون