معاناة نازحي العراق: مأساة تشتدّ مع كل شتاء

معاناة نازحي العراق: مأساة تشتدّ مع كل شتاء والمسؤولون صمّ بكم

27 يناير 2020
ظروف معيشية صعبة (Getty)
+ الخط -
على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على تحرير جميع مدن العراق من سيطرة تنظيم "داعش" ونفوذه، ووضع برنامج حكومي لإعادة النازحين إلى مناطقهم، إلا أن هناك أكثر من مليون ونصف مليون عراقي ما زالوا مبعدين عن مدنهم ومناطق سكنهم الأصلية، داخل مخيمات نزوح أو معسكرات ضخمة تقع شمال العراق وغربه، وآخرين يقيمون على حسابهم الخاص في مجمعات سكنية بإقليم كردستان العراق وبغداد.

وتبرز معاناة سكان المخيمات والمعسكرات كل شتاء، مع انخفاض درجات الحرارة والأمطار الموسمية، وتراجع الدعم الحكومي لهم، سواء بالمساعدات الغذائية أو الدوائية أو حتى استبدال خيامهم وتوفير الوقود لهم، مع استمرار تسجيل وفيات بين فترة وأخرى جراء الإهمال وسوء التغذية بالدرجة الأولى للأطفال تحديداً.

وتختلف أسباب عدم عودة النازحين إلى منازلهم بين أمنية تتعلق باحتلال مليشيات مرتبطة بإيران مناطقهم ومدنهم، وأخرى مجتمعية ذات بعد عشائري ومشاكل بسبب تورط أسر كاملة في التعاون مع "داعش" التي أوغلت إجراماً بحق عشائر أخرى، فضلاً عن مشكلة الدمار وهدم منازلهم والبنى التحتية التي أحالتها الحرب إلى أطلال.

وتوزعت مناطق النزوح التي لم يعد أهلها بعد، على عدة محافظات، ومنها مناطق جلولاء، والسعدية في محافظة ديالى، ومناطق يثرب، وعزيز بلد، والصينية في محافظة صلاح الدين، ومنطقة جرف الصخر والجنابيين وصنيديج والفارسية والقراغول شمال بابل، فضلاً عن نازحي أحياء الموصل القديمة في نينوى التي لا تزال جثث قتلاها تحت الأنقاض، وكذلك العويسات وجديدة عرعر وذراع دجلة وأجزاء من الكرمة وبلدة إبراهيم بن علي في الأنبار.

واليوم الاثنين، أقرّ مسؤول في وزارة الهجرة العراقية، بأن انسحاب المليشيات من عدة مدن كفيل بإعادة ما لا يقلّ عن 400 ألف عراقي إلى منازلهم.

وبيّن أن "الفصائل المسلحة تتمسك بمواقعها وتعرقل إعادة السكان إلى منازلهم، وأنشأت مواقع ومعسكرات لها داخل تلك المدن"، معتبراً أن المهمة تفوق إمكانات وزارة الهجرة، إذ إن الحكومة فشلت في مهمة إقناع تلك الفصائل بترك المدن والسماح للسكان بالعودة مثل العوجة وجرف الصخر والعويسات وأجزاء من الكرمة وبيجي وعزيز بلد والحجاج ومناطق أخرى.

وأكد لـ"العربي الجديد" أن الملف حالياً بحكم المجمد، بانتظار تسويات سياسية للحكومة المرتقبة الجديدة في العراق.

من جهته، اعتبر رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي رعد الدهلكي، ملف النازحين "وصمة عار على جبين الحكومات المتعاقبة، لعدم إيجاد حل له"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "أسباب عدم عودتهم سياسية بحتة، والسلاح المنفلت خارج إطار الدولة يفرض إرادته على سلطة الدولة، وما اعترف به رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي الذي أكد وجود جهات تمنع عودة النازحين إلى مناطق جرف الصخر، دليل على أن هناك جهات أعلى من الحكومة تسيطر على الملف".

وأكد أن "الأسباب العشائرية والمجتمعية التي تعلق عليها بعض الجهات عدم عودة النازحين، جرى تفكيكها وحل الكثير منها، وأن الحجج التي تلقيها الجهات بشأن وجود مطلوبين بين النازحين، لا أساس لها من الصحة"، مضيفاً أن "هذه حجج واهية، وهي فقط للسيطرة على المناطق أمنياً واقتصادياً، وبعض المناطق أصبحت ساحات تدريب عسكري ومصانع ومخازن للأسلحة".

وينتقد سياسيون سوء إدارة الملف من قبل الحكومة، فضلاً عن أسباب أخرى عرقلت حسمه. ويقول عضو البرلمان العراقي، النائب حسين عرب، لـ"العربي الجديد"، إن "أسباب عدم عودة النازحين تتلخص بنقاط كثيرة، منها سياسية وأخرى تتعلق بعجز الحكومة، وهناك نقاط تتعلق بعدد من النازحين ممن لا رغبة لهم في العودة"، موضحاً أن "الأسباب السياسية تتمركز في مناطق محددة هي جرف الصخر، وبعض مناطق صلاح الدين، وأيضاً بعض المناطق المتفرقة في المحافظات المحررة. كذلك هناك أسباب تجارية، فبعض المنظمات الدولية تعمل على عدم إرجاع النازحين لكي تستفيد من موضوع الإغاثة والمساعدات، إلى جانب التجار المستفيدين من هذه القضية".

من جهته، يقول الناشط أيهم العمري من الموصل، إنّ النازحين يعيشون على فتات المساعدات الدولية، ويضيف لـ"العربي الجديد": "لولا المساعدات التي تقدمها عدّة منظمات غربية وعربية لكان الحال سيئاً للغاية؛ فالحكومة رفعت يدها عن ملف النازحين للأسف منذ تصاعد التظاهرات في البلاد، وهي لا تسمح لهم بالعودة إلى منازلهم، ولا تعطيهم ما يكفيهم من طعام ودفء وعيش كريم في المخيمات، رغم أنه لا عيش كريماً في أي مخيم بالعالم".

وتستمر معاناة النازحين داخل المخيمات التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، في وقت لم تحصل فيه الكثير من العوائل النازحة على أي تعويضات حكومية لترميم منازلها المهدمة.

ويروي سعد الجبوري، وهو أحد النازحين من بلدة جلولاء في محافظة ديالى، لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد تحرير مناطقنا من داعش لم تسمح لنا المليشيات بالعودة"، مؤكداً أنه "رغم حجم الضرر الكبير الذي تعرضنا له من داعش ومن قبل المليشيات، لم نتسلّم التعويضات، ولم نلمس اهتماماً، ولو كنا لاجئين في دولة أخرى لحصلنا على اهتمام أفضل مما نحصل عليه ببلدنا".

أما عمار العجيلي، وهو أحد النازحين من قرية الحجاج، فيقول: "منذ أكثر من 4 سنوات نعيش في المخيم في هذه الظروف الصعبة والبرد القارس الذي لا يتحمله أي مسؤول عراقي ولا يرتضيه لنفسه"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ "وضعنا المعيشي صعب جداً، نعيش فقط على المساعدات الدولية، ولا يسمح لنا بالعودة إلى مناطقنا بسبب خلافات عشائرية وسيطرة الفصائل المسلحة".

المساهمون