معاشات التقاعد لا تصل إلى آلاف العمال في المغرب

معاشات التقاعد لا تصل إلى آلاف العمال في المغرب

18 يناير 2016
مغربيون في سن التقاعد (دايفيد كلايب/ Getty)
+ الخط -
قبل أكثر من 50 عاماً أحدثت المملكة المغربية صندوق الضمان الاجتماعي وأوكلت إليه مهمة تدبير النظام الإجباري للضمان الاجتماعي لأجراء القطاع الخاص، وضمنه نظام معاشات التقاعد. بعد كل هذه السنوات لا يزال السؤال نفسه يدور في فلك اللا إجابة: "كيف يمكن، بعد كل هذه السنين، تبرير وجود آلاف الأجراء في البلاد غير المستفيدين من معاشات التقاعد؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟".

بالعودة إلى الأرقام الرسمية، وبشكل خاص تلك الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، يصل عدد الأجراء في المملكة إلى نحو 5 ملايين أجير، ضمنهم 1.2 مليون أجير يستفيدون من نظام معاشات القطاع العمومي، في حين أن الباقين أي 3.8 ملايين أجير يشملهم نظام التغطية للقطاع الخاص. وحتى هؤلاء لا يستفيد جميعهم من هذا النظام على اعتبار أن آخر الإحصائيات الصادرة عن صندوق الضمان الاجتماعي تشير إلى أن فقط 3 ملايين أجير مسجلون بالنظام، ما يعني أن زهاء 800 ألف أجير لا يتوفرون على تغطية اجتماعية تخولهم الحصول على معاش التقاعد.
يقول الكاتب العام في الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، عبد الرحيم الهندوف، لـ "العربي الجديد": "هناك اختلالات كبيرة في هذا الملف، والمؤسف أن نسبة كبيرة من الأجراء تجد نفسها بدون معاش تقاعد، وإذا اعتمدنا الأرقام الرسمية، نلاحظ أن عدد الأجراء غير المصرح بهم يصل إلى 800 ألف أجير، بمعنى أن 3 ملايين أجير يفترض أنهم يستفيدون من معاشات الصندوق، لكن الحقيقة المرّة هي أن 40 في المئة من هؤلاء المصرح بهم فقط يتمكنون من الحصول على هذا المعاش!".
ما يشير إليه الهندوف يجد له تفسيراً في كون حتى الأجراء المصرح بهم في نظام الصندوق يعانون من اختلالات تشوب ملفاتهم، إذ إن القانون ينص على أن الاستفادة من معاش التقاعد تكون مقرونة باستيفاء الأجير جملة من الشروط وأهمها تمكنه من جمع عدد نقاط تساوي 3240 يوم عمل خلال مساره المهني الذي ينتهي حين يبلغ الستين عاماً.
هنا مربط الفرس يقول الهندوف، "إذ إن الإحصائيات التي نتوفر عليها، وهي رسمية، تفيد أن نسبة 60 في المئة من الأجراء لا يتمكنون من بلوغ هذا المعدل، بسبب التلاعب الذي يشوب التصاريح من قبل مشغليهم". وإذا أضفنا هذه النسبة إلى رقم 800 ألف أجير الذين أصلا لا يستفيدون من خدمات الصندوق، سنحصل على قرابة 2.6 مليون أجير لا أمل لهم في الحصول على معاش تقاعد من أصل 3.8 ملايين أجير في القطاع الخاص.

استيفاء شرط 3240 يوم عمل الذي يحدده نظام الصندوق للاستفادة من المعاش التقاعدي، يبدو صعباً إذا علمنا أن آلاف الشركات في القطاع الخاص، تتحايل على القانون، وهو تحايل يتم عبر تقديم تصاريح تتضمن مدد اشتغال تقل بكثير عن المدة الفعلية التي اشتغلها الأجير، وهذا يمكن من توفير مبالغ مالية مهمة، في حين أن المشغل يقوم بالمقابل باقتطاع مساهمات الأجير مقابل الأيام التي اشتغلها فعلياً، وأمام هذا الوضع ينتهي الأمر بالأجراء في سن التقاعد دون تحقيق هذا الشرط.
بهذا الصدد، يقول رئيس لجنة العمل والعلاقات الاجتماعية بالاتحاد العام لمقاولات (شركات) المغرب، جمال بلحرش، "نعلم أنه من أصل 3.8 ملايين أجير، يوجد قرابة 3 ملايين مصرح عنهم في صندوق الضمان الاجتماعي، ضمنهم فقط 1.2 مليون أجير يتم التصريح عنهم بشكل متواصل ودون انقطاع على مدار السنة. وهناك مشغلون لا يصرحون نهائياً عن جزء كبير من مستخدميهم، أو يعمدون إلى تقديم تصاريح مغلوطة عن الأجور أو مدد العمل وهذا خرق واضح للقوانين التي تؤطر علاقة المشغل بالأجير".
بلحرش يضيف "الاتحاد العام لمقاولات المغرب يسهر على احترام جميع المشغلين للقانون والتصريح عن الأجراء في صندوق الضمان الاجتماعي بما يضمن حقوقهم في الحصول على معاش تقاعد، لأنه لا يعقل أن نطالب بهيكلة القطاعات الإنتاجية دون هيكلة الشركة ذاتها، واليوم هدفنا أن يتحول اقتصادنا إلى اقتصاد مهيكل، وهذا لا يمكن تحقيقه بشركات لا تصرح بعمالها، أو تتحايل على القانون في عدد الأيام أو الأجور المصرح بها".
مسؤولية المشغل في ملف عدم استفادة الأجراء من معاشات تقاعدهم ثابتة، لكنها لا تنفي مسؤولية إدارة الصندوق في مراقبة مدى صحة التصاريح المقدمة. بهذا الشأن تشير معطيات حصلت عليها "العربي الجديد" من إدارة صندوق الضمان الاجتماعي إلى أن سنة 2015، شهدت إنجاز جولات للمراقبة والتفتيش بلغت في مجموعها 2122 جولة، وبفضلها تمكن الصندوق من تسوية 2 مليار و200 مليون درهم من الكتلة الأجورية، وهي تدخلات طاولت 68 ألفاً و700 مستخدم، تمت تسوية ملفاتهم التي تضمنت تصاريح مزورة، خاصة على مستوى مدد الاشتغال أو تقليص مبالغ التصاريح.

يشير المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، سعيد أحميدوش، إلى دور الصندوق في الحرص على التزام المشغلين بالقانون، من حيث حث الشركات على التصريح عن أجرائها ومراقبة مدى التزامهم بتقديم تصاريح حقيقية عن فترة العمل والاقتطاعات. ويقول: "عندما يتأكد مفتشو الصندوق أن المشغل عمد إلى تقديم تصاريح مزورة، نتدخل لمحاولة تسوية الوضعية حبياً، وفي حال تعذر ذلك نلجأ إلى تطبيق غرامات مالية حين يتعلق الأمر بتقديم معطيات غير دقيقة، وقد تصل العقوبات إلى السجن في حالة عدم ضخ المبالغ التي تستخلص من العمال للصندوق".
لكن ماذا عن الأعداد الكبيرة من الأجراء الذين لن يتمكنوا من الاستفادة من معاشاتهم، بسبب تلاعب مشغليهم؟ يجيب المدير العام للصندوق: "هذا إشكال مطروح بالفعل، ونسبة كبيرة من المنخرطين بالصندوق تبقى عاجزة عن الحصول على معاش تقاعد بسبب عدم استيفاء الشروط، ولهذا كان أمامنا خيار وحيد، باتفاق مع الحكومة، هو تمكينهم من استرداد مبالغ اقتطاعاتهم مع ما يمثله الأمر من خسارة إضافية. لكن للأسف ليس أمامنا خيار آخر، وأملنا أن يتم تشديد العقوبات الزجرية في حق المخالفين وهذا يتطلب إجراء تغييرات جذرية في الترسانة القانونية المعمول بها حالياً، ورفع المخالفات إلى المستوى الجنائي".
وفي انتظار تشديد العقوبات، سيكون أمام آلاف الأجراء المغاربة وقت كاف لاعتبار أن حصولهم على معاش تقاعد هو حلم صعب التحقق، كان لمشغلهم دور البطولة فيه.

اقرأ أيضاً: ثلاثة عقود لكي تتحرّر اليمن من القروض

المساهمون