ووفقاً لأحدث المعلومات الميدانية من مصادر محلية وأخرى قريبة من قوات الشرعية تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن معركة الحديدة، التي يجري الحشد والترتيب لها منذ شهور، وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة بالاقتراب من المدينة، مركز المحافظة، على ضوء الاختراقات الجديدة التي حققتها القوات المناوئة للحوثيين، في الأطراف الشرقية الشمالية، ومحاولتها التقدم لفرض طوقٍ حول الحديدة، من المداخل الرابطة بين المدينة والعاصمة صنعاء.
وعلى الرغم من محاولة التحالف السعودي الإماراتي إنكار دعم التصعيد العسكري الأخير، تؤكد المصادر المحلية أن العملية العسكرية في الحديدة تتواصل بإسناد جوي مكثف يسعى لتحقيق أي تقدمٍ، بصرف النظر عن التكلفة العسكرية للمعارك، بالخسائر الكبيرة بالنسبة للطرفين (أكثر من 150 قتيلاً). كما يتم تجاهل أوضاع مئات الآلاف من المدنيين في المدينة، قضى البعض منهم بقذائف مدفعية وغارات جوية على مدى الأيام الماضية، فيما حاصرت المعارك عشرات الأسر في منازلها، على الأقل، إلى جانب التهديد الأكبر الذي يتركه التصعيد أكثر من أي وقتٍ مضى، على ميناء الحديدة، الشريان اليمني الرئيسي، للمساعدات الإنسانية والواردات التجارية.
وتعزز معظم المؤشرات الميدانية، بما فيها حدة المعارك إلى جانب عدد القوات المشاركة بالعملية، أن التصعيد محاولة شبه أخيرة، من هذه القوات المدعومة إماراتياً بدرجة أساسية، لتعديل موازين السيطرة في الحديدة، على الأقل، بحيث يغدو استمرار الحوثيين بالسيطرة على المدينة اليمنية البحرية الأهم بالنسبة للشمال، أقل حظاً في أي مفاوضات تسوية تدفع القوى الدولية الفاعلة، بما فيها الدول الأعضاء في مجلس الأمن، إلى الشروع فيها بأقرب وقتٍ ممكن.
وفي هذا السياق، تبرز التساؤلات حول السيناريوهات المتوقعة لمصير التصعيد الأخير، على ضوء المعطيات الأخيرة وتجارب مسار المواجهات في الأشهر الماضية. وتمثل التطورات الميدانية في الأيام المقبلة، عاملاً حاسماً، يعتمد على مدى قدرة القوات الزاحفة نحو الحديدة على تحقيق مزيد من الاختراقات، ومثلها العمليات الدفاعية للحوثيين. مع العلم أن الحوثيين بدأوا الاستعدادات المكثفة لمنع سقوط الحديدة منذ شهور، ودفعوا إليها أغلب جهودهم العسكرية، بوصفها معركة مصيرية، ستترتب على نتائجها ملامح مرحلة مختلفة في مسار الحرب وجهود الحل.
وعلى رأس السيناريوهات المطروحة لمصير التصعيد، تضييق الخناق على الحوثيين في الحديدة، باعتبار أن الجماعة في موقف دفاعي يفتقر لعنصر القوة الجوية، مقارنة بالتحالف على الأقل، وفي ظل الضغوط العسكرية التي تواجهها الجماعة، على أكثر من جبهات مواجهات مباشرة. ومع ذلك، فإن التصور بأن تحدد العمليات العسكرية وحدها مصير الحديدة، يبقى قضية غاية في التعقيد، بالنظر إلى حجم الاستعدادات العسكرية للجماعة والتهديد الذي يشكله التصعيد، على المدنيين ومعها خطوط الإمدادات بالوقود والمواد التجارية والمساعدات الإنسانية إلى أغلب المدن في شمال ووسط البلاد.
وعلى ضوء التعقيدات السياسية والعسكرية والإنسانية، المرتبطة بمعركة الحديدة، فإن السيناريو الآخر، المتوقع أن تؤول إليه تطورات المرحلة المقبلة، هو توقف التقدم وعودة المعارك إلى وتيرتها السابقة في الحدود التي وصلت إليها، كنتيجة للكلفة العسكرية والإنسانية إلى جانب الضغوط الدولية. وسبق أن حصل هذا الأمر عقب تقدم "القوات المشتركة" المدعومة من التحالف، في يوليو/تموز الماضي، مع اقترابها من مطار الحديدة، وكذلك عقب التصعيد في سبتمبر/أيلول الماضي، وقطع طريق الحديدة - صنعاء من المدخل الشرقي في منطقة كيلو10. وبالتالي فإن مصير الموجة الأخيرة قد يتوقف في الحدود التي وصل إليها باتجاه شارع الخمسين، وقرب جامعة الحديدة، بما يجعل الموقف العسكري في الحديدة، في المنطقة الرمادية، التي قد لا تصمد معها أي تهدئة سوى لفترة وجيزة.
في غضون ذلك، يأتي السيناريو الثالث والذي يرجح أن يؤدي التصعيد إلى نتائج سياسية، كرضوخ الحوثيين للمطالبات الموجهة إليهم بالانسحاب من المدينة بصورة سليمة، تقلل كلفة المعركة على المدنيين وعلى كلا الطرفين، مقابل حوافز للجماعة بالانسحاب الآمن والشروط المرتبطة بتسليم ميناء الحديدة إلى الأمم المتحدة، لتتولى إدارته بصورة مستقلة. غير أن هذا السيناريو، يرتبط أساساً بحسابات الحوثيين العسكرية وبالمعطيات الميدانية التي قد تجعل من معركة "الدفاع" خاسرة، في كل الأحوال، بعدما وصلت القوات المناوئة لهم، إلى أطراف المدينة.
ويبدو أن هذا الخيار مستبعد، أقله في الوقت الراهن، بعدما قال مصدر في التحالف اشترط عدم الكشف عن اسمه في تصريح لوكالة فرانس برس، أول من أمس الإثنين، إن الاشتباكات المستجدّة ليست "عمليات هجومية" لدخول المدينة والسيطرة على مينائها.
يذكر أن موجة التصعيد العسكري الأخير في اليمن انطلقت عقب تصريحات أميركية من كلٍ من وزيري الدفاع والخارجية جيمس ماتيس ومايك بومبيو، تطالب بوقف الحرب في اليمن والعمل على ذلك خلال 30 يوماً، مع تلميحات بطرح فكرة "الحكم الذاتي" للحوثيين، الأمر الذي حفز التشكيلات المناوئة للجماعة، على التحرك السريع، لتعديل حدود السيطرة الميدانية للحوثيين على الأقل، وبالتالي التأثير على موقفهم التفاوضي والمساحة التي قد تخضع لسيطرتهم، على الأقل. وأهمية الحديدة، تبرز كونها المنفذ البحري الاستراتيجي الأهم الخاضع لسيطرة الحوثيين، وبالتالي فإن انتزاع السيطرة عليها يعزلهم عن البحر ويفرض طوقاً حول مناطق سيطرتهم.