معادلة الحل اليمني في نظر غريفيث: تجزئة خطة كيري

معادلة الحل اليمني في نظر غريفيث: تجزئة خطة كيري

25 اغسطس 2018
قسّم غريفيث خطة المفاوضات إلى مرحلتين (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

تأتي الذكرى السنوية الثانية لإعلان مبادرة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، بشأن الأزمة في اليمن، بالتزامن مع التحضيرات المكثفة التي يجريها المبعوث الدولي، مارتن غريفيث، لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات اليمنية في جنيف، الأمر الذي يسلط الضوء على الجديد القديم في الأفكار المقترحة لتسوية يمنية، وما إذا كان المبعوث الجديد، قد استطاع أن يقدم ما من شأنه أن يحقق اختراقاً فعلياً بإعادة البلاد إلى العملية السياسية ووقف الحرب الكارثية المستمرة منذ سنوات. وتأتي الذكرى أيضاً مع تصاعد المجازر التي يرتكبها التحالف، الذي تقوده السعودية، إذ قُتل أول من أمس، بحسب مصادر تابعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، 26 شخصاً، أغلبهم من النساء والأطفال، بغارات جوية استهدفت سيارة تقل نازحين في مديرية الدريهمي، جنوب مدينة الحديدة، فيما اتهمت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) الحوثيين بإطلاق صاروخ بالستي على قرية في مديرية الدريهمي، ما أدى إلى مقتل طفل وسقوط عشرات المصابين.

وأعلن كيري عن مبادرته في 25 أغسطس/آب 2016، عقب اجتماع مع نظرائه الخليجيين واللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، بريطانيا، الإمارات، والسعودية)، في مدينة جدة السعودية. وشملت المبادرة بنسختها الأولية، خمسة بنود، تبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها مختلف الأطراف، بما فيها جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، ثم انسحاب الجماعة من العاصمة صنعاء والمناطق اليمنية، ونقل جميع الأسلحة، بما فيها الصواريخ البالستية، إلى طرف ثالث، وأن تعمل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة على احترام أمن وسلامة وحرمة الحدود الدولية (في إشارة للحدود مع السعودية)، وأن تحظر نشر الأسلحة في الأراضي اليمنية والتي تهدد الممرات المائية الدولية أو الدول المجاورة.

وبالنظر إلى المرحلة التي أُعلنت فيها مبادرة كيري، فإن أبرز ما حملته هي أنها أول محاولة لإعادة الأطراف إلى طاولة المشاورات، عقب أسابيع من اختتام محادثات الكويت، التي استمرت من إبريل/نيسان وحتى السابع من اغسطس/آب 2016، وسعت إلى إيجاد نقاط التقاء جديدة، حول مواضيع الخلاف الرئيسية خلال مشاورات الكويت. وهناك ثلاث ملاحظات أساسية، الأولى هي أنها، من حيث ترتيب المقترحات، اقتربت مما يتبناه الحوثيون وحلفاؤهم باعتبارهم أن الخطوة الأولى يجب أن تكون تشكيل حكومة انتقالية، بالإضافة إلى إدخال مفردة جديدة وهي اقتراح أن يكون هناك "طرف ثالث"، هو المسؤول عن عملية استلام الأسلحة وغيرها من الإجراءات، من الحوثيين. وكذلك فإن أبرز ما قدمه كيري وحاول إقناع الرياض القبول به، هو تقديم مسألة الحدود السعودية كأولوية في مفاوضات الحل، الأمر الذي كان، وفقاً لمصادر سياسية يمنية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أحد محاور تحفظ الجانب الحكومي، باعتباره اقتراباً من الرؤية الخاصة بالحوثيين، والتي تقدم الأزمة كصراع مع السعودية وليس مع الشرعية. وكان هذا الطرح، في تلك الفترة على الأقل، لا يزال أمراً تتحفظ الرياض على قبوله.



ومن زاوية أخرى، فإن البنود أو الخطوط العريضة لمبادرة كيري، هي أبرز ما تمحورت حوله النقاشات في مشاورات الكويت، إذ اتفق الجميع عليها بصورة مبدئية، واختلفوا في التفاصيل وفي تراتيبة الخطوات المطلوبة للحل. وعلى ضوء مبادرة كيري، بدأ المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بإعداد خطة، تشمل خطوات توضيحية وتفسيرية لهذه المبادرة، ليخرجها الأخير بصيغة جديدة أشمل عُرفت بـ"خارطة الطريق"، أو "خطة ولد الشيخ"، وسعى من خلالها إلى تجاوز معضلة الخلاف المحورية بتراتبية الخطوات، إلى جعلها متزامنة ومتسلسلة في آن واحد. إذ إن الحكومة تطالب بالبدء بالجانب الأمني المتعلق بانسحاب الحوثيين من المدن وتسليم الأسلحة، فيما يطالب "أنصار الله" بالبدء بالجانب السياسي المتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى هي الإشراف على الخطوات الأمنية المطلوبة. وعملت الخطة الأممية على تقسيم الخطوات السياسية والأمنية إلى مراحل، يتم تنفيذها بالتسلسل والتزامن كحل وسط بين الطرفين، إلا أن هذه الخطة، واجهت رفضاً مباشراً من الجانب الحكومي. وقد كان للوضع السياسي الذي تمر به إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ووزير خارجيته، وهما يستعدان للتوديع، دور في عدم التجاوب مع تلك المقترحات.

الجديد في خطة غريفيث

ومن المؤكد أن الحل اليمني بصورة عامة لا يخرج عن الخطوط العريضة التي وردت في مواضيع مشاورات الكويت أو مبادرة كيري وما تلاها، الأمر الذي أكد عليه المبعوث الجديد، مارتن غريفيث، خلال جلسة مجلس الأمن الدولي حول اليمن، في إبريل/نيسان الماضي، وأعلن خلالها أنه يتولى إعداد إطار عام لمفاوضات يمنية خلال شهرين، جرى تأجيلها مع التصعيد العسكري في الحديدة، ليعلن مطلع أغسطس الحالي، عن أول موعد لجولة مشاورات بين الأطراف اليمنية في جنيف السويسرية في السادس من سبتمبر/أيلول المقبل. وإذا نجحت في موعدها، فإنها ستكون أول لقاء يجمع الأطراف اليمنية منذ اختتام مشاورات الكويت قبل أكثر من عامين.
ووفقاً لمصادر قريبة من مكتب المبعوث الأممي، لـ"العربي الجديد"، عززتها تصريحات متفرقة للأخير، فإن أبرز ما أحدثه في خطة المفاوضات تقسيمها إلى مرحلتين، تحدد الأولى مصير الثانية من عدمها. وتشمل في محطة جنيف الشهر المقبل، أبرز المواضيع الأمنية المتعلقة بالتهدئة وخطوات "بناء الثقة"، الخاصة بإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والاتفاق على بعض الترتيبات التي من شأنها تقديم المسار الإنساني، كفتح طرق الإمدادات وما يتعلق بوضع مدينة وميناء الحديدة الاستراتيجي، وغيرها من الخطوات، التي كان البعض منها، مطالب قدمتها الأطراف كشروط تسبق المفاوضات. لكن غريفيث اقترح أن تكون موضوع التفاوض في المشاورات المقبلة، وعلى ضوئها سيتحدد مصير المرحلة الثانية، المفترض أن تدخل بالنقاشات المتعلقة بتشكيل حكومة وغيرها من الخطوات الأمنية والعسكرية.

ويعد الدعم الدولي الذي يتمتع به المبعوث الجديد، بما في ذلك من قبل بريطانيا التي يحمل جنسيتها، من أبرز ما يساند مهمة غريفيث. وقد كان الدعم ملموساً في الأشهر الأخيرة، إذ انعقد مجلس الأمن مرات عدة خلال أقل من شهرين، بالتزامن مع تصعيد الحديدة. بالإضافة إلى أن طول أمد الحرب، في عامها الرابع، بات دافعاً أقوى يلزم الأطراف بتقديم تنازلات، تخفف من وطأة الأزمة الإنسانية على الأقل. ويبقى السؤال: هل بإمكان كل ذلك، أن يجعل من الجولة المقبلة للمشاورات خطوة حقيقية نحو السلام، أم أنها محطة أولى في طريق قد لا تختلف في مصيرها عما سبقتها من المحطات؟