خصصت صحيفة "إنفورماسيون" الدنماركية افتتاحية عددها الورقي والإلكتروني أمس الجمعة عن غياب تحقيق العدالة للضحايا السوريين ودور المحاكم الغربية لتعويض غياب المحكمة الجنائية الدولية.
واستهلت الصحيفة افتتاحيتها بالحديث عن أحد ضحايا الحرب السورية، قائلة: "على صدره وجبهته كتب رقم تعريف 1641، ومن الواضح أنه تعرض للعنف، فهو مصاب في جميع أنحاء جسده، ويمكن ملاحظة تخثر الدم حول شفتيه، إنه شاب من بين مئات آلاف الضحايا في الحرب السورية، صوّره المنشق (قيصر)، وتقول هيومان رايتس ووتش، إنه الشاب محمد طارق ماجد".
وأضافت "إنفورماسيون": "على الأرجح، لم يُدَن أحد بقتل محمد طارق، الذي تعكس صورته صورة الحرب نفسها، فلم يمثل أحد أمام محكمة الجنايات الدولية ليُحاكم عن جرائم الحرب التي تواصلت لنحو 10 سنوات، وكان ضحيتها نحو 14 ألفاً تحت التعذيب".
ومضت في السياق: "المجتمع الدولي لم ينجح برفع قضية واحدة من الجرائم أمام الجنائية الدولية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن سورية لم تنضم إليها، وإلى تصويت روسيا والصين ضد الأمر، وبهذا المعنى فإن مجرمي الحرب السورية طلقاء حتى اليوم".
وأردفت "إنفورماسيون" بأن "الإفلات من العقاب قد يكون في نهايته، ففي السنوات الأخيرة بدأت بعض السلطات القضائية الأوروبية بالتحقيق في عدد من القضايا، ويمكن بالتالي للمحاكم الوطنية (الأوروبية) ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب الخطيرة".
وتناولت الصحيفة أمثلة عن بدء بعض الدول بإقامة محاكم ذات طابع "تاريخي"، منبهة إلى أن ضرورة "أن تكون الدنمارك جزءاً من هذا التطور التاريخي، بوجوب ملاحقة مجرمي الحرب ومحاسبتهم على جرائمهم، حتى لو كانوا لا يزالون في سورية، فبذلك يمكن منح محمد طارق ماجد صاحب الرقم 1641 وأهله بعضاً من أشكال العدالة".
وتأتي هذه الافتتاحية بعد أن تعالت أصوات وسجالات في الأيام الماضية في كوبنهاغن لفتح محاكمها ملفات جرائم حرب سورية، حتى لو لم يكن المجرمون على أراضيها من أجل "الحفاظ على مصداقية العدالة الدولية"، كما ذكرت "إنفورماسيون".
المجتمع الدولي لم ينجح برفع قضية واحدة من الجرائم أمام الجنائية الدولية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن سورية لم تنضم إليها، وإلى تصويت روسيا والصين ضد الأمر، وبهذا المعنى فإن مجرمي الحرب السورية طلقاء حتى اليوم
وأضافت الصحيفة أنه "في تسعينيات القرن الماضي تزايدت التوقعات من المجتمع الدولي لتحقيق بعض العدالة عن جرائم الحرب، على سبيل المثال في يوغوسلافيا السابقة، لكن منذ أن بدأت الحرب في سورية في 2011، ورغم توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ222 هجوماً بالأسلحة الكيماوية، و217 منها على يد النظام السوري، إلى جانب 492 قصفاً بقنابل عنقودية و82 ألفاً ببرميل متفجر، ومقتل 226 ألف مدني نتيجة ذلك القصف، فإن القوانين والاتفاقيات الدولية خُرقت وانتهكت دون أن تستطيع محكمة دولية مقاضاة أحد".
وأفادت الصحيفة الدنماركية المهتمة بالشأن السوري بشكل عميق، بأنه نتيجة لما تقدم "ليس مستغرباً تراجع الثقة بالمجتمع الدولي، وهو ما أكده المؤلف الكندي والمدير السابق لمركز كار لسياسة حقوق الإنسان في جامعة هارفارد، مايكل إغناتييف، حين أعدّ ورقة متكاملة في 2016 اعتبر فيها أن سورية حطمت فكرة أن العالم يتقدم باستمرار إلى الأمام لمحاسبة الناس على جرائم الحرب".
وعليه قالت الصحيفة: "من المهم إنشاء المحاكم الوطنية لإعادة الثقة بالعدالة والمجتمع الدولي".
ورغم اعتراف أحد أشهر المختصين في القضاء الدولي، ومحكمة لاهاي، الدنماركي فريدريك هوف، بأنه لا يمكن الذهاب إلى سورية وإحضار الملفات والوثائق، بحسب الصحيفة، إلا أنها رأت في ظل غياب المحكمة الجنائية الدولية عن جرائم الحرب السورية أنه "تبقى لدى المحاكم الوطنية في الغرب ضمانة حالياً لملاحقة مجرمي الحرب من الجنود السوريين".
وختمت "إنفورماسيون" بالقول إن غياب المحكمة الجنائية الدولية "وتحقيق العدالة الشاملة لكل الأطراف ليس بالأمر السهل، ولكن ذلك ليس مطلقاً حجة لعدم المحاولة".