مصر ولبنان وثالثهما صندوق النقد

مصر ولبنان وثالثهما صندوق النقد

19 فبراير 2020
تتشاور الحكومة مع المؤسسات الدولية لإنقاذ لبنان (دالاتي نهرا)
+ الخط -


في نهاية العام 2016 طبقت مصر برنامجا تقشفيا عنيفاً بالتعاون مع صندوق النقد الدولي حصلت البلاد بموجبه على قرض بقيمة 12 مليار دولار ولمدة 3 سنوات.

كان من أبرز ملامح البرنامج زيادة أسعار الوقود بكل أنواعه من بنزين وسولار وغاز طهي وكهرباء، وزيادة أسعار الخدمات الرئيسية من مياه شرب وصرف صحي وضرائب ورسوم حكومية، وخفض الدعم الحكومي المقدم لسلع رئيسية، كما تم فرض ضريبة القيمة المضافة التي أدت إلى حدوث قفزات في أسعار السلع.

وكان القرار الأخطر في البرنامج هو تعويم الجنيه المصري وتحرير سعر الصرف الأجنبي، والذي أسفر عن ضياع نصف مدخرات المصريين ما بين ليلة وضحاها وتدحرج الملايين منهم من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة وربما إلى طبقة الفقر المدقع.

وعلى مدى 3 سنوات هي فترة تطبيق البرنامج التقشفي الذي أطلقت عليه الحكومة اسم "برنامج الإصلاح الاقتصادي" عانى المصريون الأمرين من فقر وبطالة وتضخم وقفزات في الأسعار، وتآكل في المدخرات الوطنية، وتجميد التعيين في الجهاز الإداري للدولة، وزيادات متواصلة في السلع الرئيسية والضرائب والجمارك، وقفزات في الاقتراض، لدرجة أن الدين الخارجي تضاعف خلال فترة الاتفاق مع الصندوق.

والنتيجة دخول الاقتصاد والأسواق في حالة ركود واضحة، رغم التغني بزيادة معدل النمو والناتج بشكل أساسي عن التوسع في الاقتراض والاهتمام بقطاع العقارات والبناء والتشييد، والذي من أبرز مكوناته العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات البنية التحتية من طرق وكباري وغيرها.، كما هربت استثمارات محلية وأجنبية على حد سواء لأسباب عدة من أبرزها زيادة تكلفة الإنتاج خاصة عنصر الطاقة، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن.

الآن يطل صندوق النقد الدولي على دولة عربية أخرى هي لبنان حيث سيبدأ فريق من خبراء الصندوق مشاورات مع الحكومة اللبنانية في بيروت غداً الخميس، في محاولة للبحث عن حل للأزمة المالية والاقتصادية العنيفة التي تواجه البلاد، وكيفية التعامل مع أزمة ديون خارجية بقيمة 2.5 مليار دولار مستحقة السداد من بداية الشهر المقبل وحتى شهر يونيو القادم.

وعلى الرغم من تأكيد كبار المسؤولين اللبنانيين أن الزيارة "فنية" بالدرجة الأولى، وأنها تهدف لتقديم المشورة للحكومة في كيفية التعامل مع مأزق الديون الخارجية قصيرة الأجل، وأنها لن تتطرق إلى مسألة الحصول على قرض أو تمويل مشروط مقابل تطبيق روشتة الصندوق القاسية والتي تم تطبيقها في دول متعثرة عدة منها الأرجنتين والبرازيل وقبرص واليونان.

إلا أن التوقعات تشير إلى أن المفاوضات قد تنتقل بسرعة من النواحي الفنية إلى البحث في الاستدانة والحصول على قرض عاجل توجه حصيلته لسداد قيمة السندات وزيادة السيولة داخل القطاع المصرفي وإعادة بناء الاحتياطي الأجنبي.

إلا أن السؤال هنا: هل تستطيع الحكومة اللبنانية تمرير أي اتفاق مع الصندوق يحصل بموجبه البلد المثقل بالديون على قرض ضخم تسدد به ديونها؟

وهل سيقبل المواطن اللبناني بإملاءات وشروط الصندوق ومنها تعويم الليرة اللبنانية أمام الدولار وزيادة الضرائب بحيث تصبح المورد الأول للموازنة العامة وإلغاء الدعم المقدم لسلع رئيسية منها الوقود؟

أشك في ذلك، لأن الشعب اللبناني الغاضب من فساد نخبته السياسية لن يمرر بسهولة إملاءات صندوق النقد وشروطه القاسية التي فرضتها المؤسسة المالية الدولية على حكومات عدة بالمنطقة ومنها الأردن وتونس ومصر.

إلا إذا لجأت الحكومة اللبنانية إلى أسلوب فرض الشروط بالقوة على رجل الشارع عبر استخدام العصا الأمنية الغليظة ضده على غرار التجربة المصرية، وهذا أمر مشكوك فيه أيضا لاعتبارات كثيرة.

المساهمون