مصر والخليج وأميركا

مصر والخليج وأميركا

15 ديسمبر 2014

بارجة حربية أميركية تعبر مياه قناة السويس (12أكتوبر/2014/فرانس برس)

+ الخط -

لمتابع مستجدات العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتفاعلاتها، مع القاهرة، أن يلحظ بوادر تحول على المستويين، الخليجي الخليجي، والخليجي المصري. يجمع بينهما تقدم أولوية القضايا والاهتمامات والهموم الخليجية، على ما عداها من ملفات، وإن كانت مهمة مثل الوضع الداخلي في مصر. وهو ما يعكس إما توافقاً حول الموقف العام إزاء الحالة المصرية، أو تراجعاً في الأولوية، لحساب الشأن الخليجي نفسه. في الحالتين، توجد إشارات متواترة حول انحسار الزخم الخليجي في دعم النظام المصري اقتصادياً، واستمرار تأييده سياسياً.

إلا أن العلاقات بين الجانبين ليست ثنائية فقط، فهي دائماً جزء من مصفوفة إقليمية، صارت تفرض مقتضياتها على المسارات الثنائية، بفعل التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة ككل، والتي تشير، بوضوح، إلى أن ثمة ضرورة لتنسيق ما في مواجهتها.

لكن، هذه المصفوفة الإقليمية نفسها ثمة مستوى للتعاطي الخليجي معها، سابق على الحسابات المصرية الخليجية، هو المستوى الخليجي- الخليجي. فقبل الحديث عن الاتساق، أو الاختلاف في المواقف بشأن تلك القضايا بين مصر ودول الخليج، لا بد من الإشارة إلى عدم اتساق المواقف الخليجية نفسها. فتباين الرؤى بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أوسع من الملف المصري، وإن كان هو الأبرز والأكثر حضوراً، لكنه ليس الوحيد. والملفات الأخرى على قدر معتبر من الأهمية والخطورة، سواء لجهة مستقبل مجلس التعاون، أو الوضع الإقليمي، أو حتى الأوضاع الداخلية في دول المجلس. والأمثلة على ذلك عديدة، مثل فكرة الاتحاد الخليجي المثيرة للجدل. ومستجدات اليمن التي تمت تحت سمع دول الخليج وبصرها، وربما بدفع من بعضها. والموقف من إيران، سواء لجهة العلاقات المباشرة معها، أو بشأن مواجهة نفوذها المتمدد في غير اتجاه على الساحة الإقليمية.

في الوقت نفسه، لا تحظى بعض الملفات الإقليمية بتوافق مصري خليجي تام، فهناك تفاوت في التقديرات بشأن إدارة الملفين العراقي والسوري، خصوصاً ما يتعلق بانعكاس التحركات الرامية لتثوير الداخل العراقي ونصرة الثورة السورية، على مستقبل "الدولة" وتماسكها في البلدين.

وشأن كل المساقات الإقليمية في الشرق الأوسط، هناك دور أميركي في كل من المستويين (المصري الخليجي فقط والمصري الخليجي في الإقليم)، سواء كان هذا التأثير من خلال الحضور والتأثير الفعلي المباشر، أو عكسياً بتقليص الحضور والحد من الانخراط المباشر في تفاعلات المنطقة، وفي كليهما ممارسة للدور ووقوع للتأثير.

العامل الأميركي متغير أساسي في الحسابات والتقديرات المصرية والخليجية، سواء تجاه العلاقات الثنائية، أو في السياق الإقليمي ككل. وأية محاولة للتنسيق أو التعاون المصري الخليجي في مواجهة ما قد يُعتبر (مصرياً وخليجياً)، تهديداً أو تحدياً، مرتبطاً بإيران، لا يمكن إلا أن تأخذ في حسبانها رد فعل العم سام، وتصوره ما يجب وما لا يجب أن يكون في المنطقة. وعلى الرغم من أن هذا ليس جديداً، ومستمر من عقود طويلة، إلا أن الخطاب (الإعلامي خصوصاً)، سواء من القاهرة أو من بعض العواصم الخليجية، يوحي بأن القرار المصري والخليجي صار فجأة مستقلاً مائة بالمائة، وأن التقارب الإيراني الأميركي يكفي سبباً لاتخاذ قرار بسيط بوقف التعاون مع واشنطن. كأن الاتساق، بل التماهي أحياناً، مع سياسات واشنطن كان إرادياً طوعياً، ويمكن التخلي عنه بسهولة، عقاباً لها على التقارب مع طهران.

تلك الحزمة المتداخلة من العوامل والتقاطعات تجعل مستقبل العلاقات والتفاعلات المصرية الخليجية، بينياً وإقليمياً، مفتوحاً على الاحتمالات كافة. وليس، كما يحاول أحياناً هذا الطرف أو ذاك إظهاره، تحالفاً شاملاً في مواجهة الأخطار الإقليمية، أو انتفاضة عروبية ضد المخططات الأميركية. الأمر أعقد من شعارات الاستهلاك المحلي، وأوسع من النطاق الثنائي، أو البيني المجرد.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.